الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المراد به: كل من سمع الآية من البشر. وقد بدأ الله تعالى هذه التكاليف بالأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك، وختمها بعين هذا المعنى. والمقصود منه التنبيه على أن أول كل عمل وقول وفكر وذكر وآخره يجب أن يكون مبتدئا ومقترنا بالتوحيد، وأن المقصود من جميع التكاليف هو معرفة التوحيد والتعمق فيه.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إن التوراة كلها في خمس عشرة آية من سورة بني إسرائيل، ثم تلا:{لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ} الآية. أو إن هذه الآيات كانت في ألواح موسى عليه السلام، وأولها:
{لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ} وقد رتب الله تعالى على الإشراك وترك التوحيد في البداية كون الشخص مخذولا، وفي آخر الآيات كونه ملوما مدحورا، فثبت أن أول الأمر يصبر مخذولا، وآخره أن يصير مدحورا. والمخذول: ترك إعانته وتفويضه إلى نفسه، والمدحور: إهانته والاستخفاف به.
فقه الحياة أو الأحكام:
يستنبط من الآيات الأحكام التالية:
1 -
تحريم وأد البنات خشية الفقر أو العار أو غير ذلك مطلقا.
2 -
تحريم الاقتراب من الزنى ودواعيه وأسبابه التي تؤدي إليه عادة.
3 -
تحريم قتل النفس بغير حق شرعي. وللولي الوارث سلطة استيفاء القصاص من القاتل وحده دون غيره، بغير تمثيل ولا قتل غير القاتل، فإنه معان عليه بظهور الحجة تارة وباستيفائها أخرى، وبمجموعها ثالثة، فأيها كان فهو نصر من الله سبحانه وتعالى.
4 -
تحريم قربان مال اليتيم إلا بالطريقة الحسنى التي تؤدي إلى الحفاظ عليه وتحقيق مصلحته الظاهرة، إلى أن يبلغ رشده.
5 -
وجوب الوفاء بالعهد فالإنسان مسئول عنه، قال الزجاج: كل ما أمر الله به ونهى عنه فهو من العهد.
6 -
إيفاء الكيل وإتمام الوزن بالحق والعدل دون بخس ولا زيادة ولا نقص، فذلك خير للإنسان عند ربه وأبرك، وأحسن عاقبة.
قال الحسن البصري: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا يقدر رجل على حرام، ثم يدعه، ليس لديه إلا مخافة الله تعالى إلا أبدله الله في عاجل الدنيا قبل الآخرة ما هو خير له من ذلك» .
7 -
عدم اتباع مالا يعلم به الإنسان ولا يعنيه، قال مجاهد: لا تذمّ أحدا بما ليس لك به علم. لكن يجوز الحكم بالقيافة؛ لأن الآية {وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} دل على جواز مالنا به علم، فكل ما علمه الإنسان أو غلب على ظنه، جاز أن يحكم به.
ويجوز أيضا إثبات الشيء بالقرعة، والخرص (التقدير والتخمين) لأنه نوع من غلبة الظن، فالقائف يلحق الولد بأبيه من طريق الشبه بينهما، كما يلحق الفقيه الفرع بالأصل من طريق الشبه. وقد أقر النبي صلى الله عليه وآله وسلم العمل بالقيافة في إثبات نسب أسامة وكان أسود، من زيد بن حارثة وكان أبيض،
ثبت في صحيح مسلم عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل عليّ مسرورا، تبرق أسارير وجهه، فقال: «ألم تري أن مجززا-وكان قائفا-نظر إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد، عليهما قطيفة، قد غطّيا رؤوسهما، وبدت أقدامهما، فقال:
«إن بعض هذه الأقدام لمن بعض» . واستدل جمهور العلماء على القيافة عند التنازع في الولد بسرور النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقول هذا القائف.
ولم يأخذ الحنفية بالقيافة متمسكين بإلغاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشبه في حديث اللعان.
8 -
يسأل كل واحد من السمع والبصر والفؤاد عما اكتسب، فالفؤاد يسأل عما افتكر فيه الإنسان واعتقده، والسمع والبصر عما رأى من ذلك وسمع.
9 -
النهي عن الخيلاء وتحريمه، والأمر بالتواضع والحض عليه. وذكر القرطبي أن إقبال الإنسان على الصيد ونحوه ترفعا دون حاجة إليه داخل في هذه الآية، وفيه تعذيب الحيوان.
10 -
استدل العلماء بهذه الآية: {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً} على ذم الرقص وتعاطيه، قال الإمام أبو الوفاء بن عقيل: قد نص القرآن على النهي عن الرقص، فقال:{وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً} وذمّ المختال. والرقص أشد المرح والبطر. قال القرطبي: أو لسنا الذين قسنا النبيذ على الخمر لاتفاقهما في الإطراب والسكر، فما بالنا لا نقيس القضيب وتلحين الشّعر معه على الطّنبور والمزمار والطبل لاجتماعهما
(1)
.
11 -
هذه الآداب والقصص والأحكام التي تضمنتها الآيات المتقدمة التي نزل بها جبريل تقتضيها حكمة الله عز وجل في عباده، وخلقها لهم من محاسن الأخلاق والحكمة وقوانين المعاني المحكمة والأفعال الفاضلة.
(1)
تفسير القرطبي: 263/ 10