الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: في جنوب تركيا من بلاد الروم سابقا، وكلها أقوال يعوزها الدليل.
قدرة الله تعالى وعنايته ولطفه:
{ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ} أي إن بقاء هؤلاء الفتية في الكهف سنين عديدة، وما صنعه الله بهم من تنحية الشمس عنهم عند الطلوع والغروب، بانعكاس أشعتها وتقليص وهجها عنهم، آية من آيات الله العجيبة الكثيرة الدالة على كمال قدرته وسعة علمه، وعلى أنه تعالى يصون المخلصين من عباده، وأن التوحيد دين الحق، وأن عبادة الأصنام والأوثان ضلال وشرك وزيغ، وأن صون أهل الكهف بلطف من الله وعناية منه، لذا قال:
{مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} أي من يوفقه الله تعالى للاهتداء بآياته وحججه، ويدله دلالة مؤدية إلى الحق، ويوفقه إلى ما يحبه ويرضاه، كأهل الكهف، فهو المهتدي إلى طريق الحق، الفائز بالحظ الأوفر في الدارين.
والمراد من ذلك إما الثناء على أصحاب الكهف والشهادة لهم بإصابة المطلوب، أو التنبيه على أن أمثال هذه الآيات كثيرة، ولكن السعيد من وفقه الله تعالى للتأمل بها والاستبصار بها والاهتداء بها
(1)
. والخلاصة: أن الله هو الذي أرشد هؤلاء الفتية إلى الهداية.
{وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً} أي ومن يضلل الله بأن لم يوفقه للاهتداء بآياته، لسوء اختياره واستعداده، وتوجيه رأيه إلى جادة الانحراف، فلن تجد له أبدا حليفا أو ناصرا معينا يرشده ويهديه إلى الخير وطرق الصلاح في الدنيا والآخرة، ولا هادي له، كأمثال الكفرة منكري البعث؛ لأن التوفيق والخذلان بيد الله، يوفق من يشاء ويخذل من يشاء.
(1)
تفسير الألوسي: 223/ 15 - 224
وتفويض الهداية والإضلال إلى الله تعالى يخفف من معاناة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع قومه، ويسرّي عنه حزنه وألمه على إعراضهم عن قبول دعوته.
{وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ} أي وتظنهم إذا رأيتهم أيقاظا لانفتاح أعينهم وهم نيام، لئلا يسرع إليها البلى، كأنهم ينظرون إلى من يشاهدهم.
{وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ} أي ونقلبهم مرة في ناحية اليمين ومرة في ناحية الشمال، حتى لا تؤثر الأرض في أجسادهم، ولكي تتعرض جلودهم للهواء.
واختلفوا في مدة التقليب، فقيل: يقلّبون في العام مرتين، وقيل: مرة في العام، ولا دليل لكل من القولين، ولا يرشد إليها العقل، ولم يشر إليها القرآن، ولم يرد فيه خبر صحيح، فيبقى النص على إطلاقه. قال ابن عباس:
لو لم يقلّبوا لأكلتهم الأرض.
{وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} وكان كلبهم الذي تبعهم بإلهام الله للحراسة باسطا ذراعيه بفناء الكهف أو بباب الكهف يحرس عليهم الباب، وهذا من سجيته وطبيعته، كأنه يحرسهم، وقد أصابه ما أصابهم من النوم على تلك الحال، وهذه فائدة صحبة الأخيار.
{لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً} أي لو نظرت عليهم لأدبرت عنهم فرارا وهربا، ولملئت منهم رعبا وفزعا؛ لأن الله تعالى ألقى عليهم المهابة والوقار، بحيث لا يقع نظر أحد عليهم إلا هابهم، إلى أن انتهى أجل لبثهم راقدين، وتحققت فيهم الحكمة البالغة، والرحمة الواسعة، وأقام الله فيهم الدليل المادي الحسي على قدرته على البعث والإعادة، وعلى أن يوم القيامة آت لا ريب فيه.