الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المناسبة:
لما عدّد الله تعالى نعمه على بني آدم، وذكر حالهم في الآخرة من إيتاء الكتاب باليمين لأهل السعادة، ومن عمى أهل الشقاوة، أتبع ذلك بما يهمّ به الأشقياء في الدنيا من المكر والخداع والتلبيس على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سيد أهل السعادة، المقطوع له بالعصمة.
وسبب هذه المساومات والخديعات: رجاؤهم أن يفتري على الله غير ما أوحى الله إليه من تبديل الوعد وعيدا، وبالعكس، وما اقترحته ثقيف من أن يضيف إلى الله ما لم ينزل عليه.
التفسير والبيان:
المعنى وإن همّ المشركون وقاربوا بمكائدهم وخداعهم أن يصرفوك عما أوحينا إليك من الشرائع والأحكام من أوامر ونواه ووعد ووعيد، لتفتري علينا غير الذي أوحيناه إليك، وتتقول علينا ما لم نقل، وتخترع غيره وتبدل فيه كما أرادوا من تبديل الوعد وعيدا، والوعيد وعدا، وما اقترحته ثقيف من أن تضيف إلى الله ما لم ينزل عليك.
{وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً} أي وحينئذ لو اتبعت ما يريدون، وفعلت ما يطلبون لاتخذوك صديقا لهم، وأظهروا للناس أنك موافق لهم على ما هم عليه من الشرك، ولكنت لهم وليا مناصرا، وخرجت من ولايتي.
{وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} أي ولولا تثبيتنا لك على الحق وعصمتنا إياك، لقاربت أن تميل إلى خداعهم ومكرهم، ميلا وركونا قليلا.
وهذا تهييج من الله لنبيه، وبيان فضل تثبيته له، ولطف بالمؤمنين، أي أنه ربما هادنتهم، لا لضعف إيمانك، بل لشدة مبالغتهم في المكر والحيلة
والخداع، ولكن عنايتنا منعتك من الركون إليهم. وهو تصريح بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يصدر منه همّ بمجاملتهم ومجازاتهم، بل ولم يقترب من ذلك.
وهو دليل على تأييد الله لرسوله وتثبيته وعصمته وتسليمه من مكائد الكفار، وأنه تعالى هو المتولي أمره وحافظه وناصره، وأنه لا يكله إلى أحد من خلقه، ومظهر دينه على من عاداه وخالفه.
قال قتادة: لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين» .
وإمعانا في العصمة والصون توعده الله على ما قد يكون على سبيل الاحتمال والافتراض، وإن لم يحصل فقال:
{إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ} أي لو فعلت ذلك لعاقبناك بعقوبة مضاعفة في الدنيا والآخرة ويكون المراد بالآية ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات أي عذاب الدنيا وعذاب الآخرة؛ لأن ذنب القائد أو العظيم يستحق عقابا أشد وأعظم، لذا يعاقب العالم القدوة أشد من عقوبة العامي التابع له،
قال صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه مالك وأحمد ومسلم وأصحاب السنن إلا أبا داود عن أبي جحيفة وواثلة بن الأسقع: «من سنّ سنة سيئة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» . والضعف: أن يضم إلى الشيء مثله.
وهذا وارد أيضا في عقوبة نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى: {يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب 30/ 33].
ومن مكائد أهل مكة محاولة إخراج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مكة، كما قال تعالى:
{وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها} أي ولقد قارب أهل مكة أيضا أن يزعجوك بعداوتهم ومكرهم، ويخرجوك من أرضهم التي أنت فيها أي أرض مكة.