الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{سُبْحانَهُ} تنزيها له {وَتَعالى} تعاظم {عَمّا يَقُولُونَ} من الشركاء. {عُلُوًّا كَبِيراً} تعاليا متباعدا غاية البعد عما يقولون، فإنه في أعلى مراتب الوجود، وهو كونه واجب الوجود والبقاء لذاته، وأما اتخاذ الولد فمن أدنى مراتبه، فإنه من خواص ما يمتنع بقاؤه.
{تُسَبِّحُ لَهُ} تنزهه {وَإِنْ} ما {مِنْ شَيْءٍ} من المخلوقات {إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} إلا ينزهه تنزيها مقترنا بحمده، فيقول: سبحان الله وبحمده {لا تَفْقَهُونَ} لا تفهمون {تَسْبِيحَهُمْ} لأنه ليس بلغتكم {إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً} حيث لم يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وشرككم، غفورا لمن تاب منكم.
المناسبة:
بعد أن حذر الله تعالى من الشرك، نبّه إلى جهل من أثبت لله شريكا، وندّد بالمشركين وقرّع الذين أثبتوا لله ولدا، وجعلوا البنين لأنفسهم، مع علمهم بعجزهم ونقصهم، ونسبوا البنات لله، مع علمهم بأن الله تعالى هو الموصوف بالكمال الذي لا نهاية له، والجلال الذي لا غاية له، مما يدل على نهاية جهلهم.
ثم أبان أنه ضرب في القرآن الأمثال للناس ليتدبروا ويتأملوا فيها، وذكر أنه لو كانت هذه الأصنام تقرب إلى الله زلفى، لطلبت لنفسها القربة إلى الله، ولكنها لم تفعل ذلك، فبان خطؤهم في ادعائهم أن الملائكة بنات الله، وتبين إبطال تعدد الآلهة، وإثبات الوحدانية لله، والتنزيه له، لأن كل ما في الكون تدل أحواله على توحيد الله وتقديسه وعزته، ولكنكم بسبب الجهل والغفلة لا تدركون دلالة تلك الأدلة.
التفسير والبيان:
بعد أن فند الله تعالى زعم من نسب لله شريكا، شنع هنا على من نسب له الولد، وردّ الله تعالى في هذه الآية على المشركين الذين جعلوا الملائكة إناثا، ثم ادعوا أنهن بنات الله، ثم عبدوهن، مقرعا لهم ومنكرا عليهم، ومبينا خطأهم العظيم قائلا: أيكرمكم ربكم فيخصكم بالذكور من الأولاد، ويختار لنفسه على
زعمكم البنات، وأنتم تئدوهن ولا ترضونهن لأنفسكم. ثم يشدد الإنكار عليهم قائلا: إنكم في زعمكم أن لله ولدا، وهو من الإناث اللاتي تأنفون أن يكن لكم، لتفترون على الله الكذب، وتقولون على الله قولا عظيما إثمه، موجبا العذاب عليكم، منافيا لأبسط مبادئ العقول بنسبة الضعيف للقوي، والقوي للضعيف.
{تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى} [النجم 22/ 53] أي جائرة.
ثم نبّه الله تعالى إلى كون هذه المناقشة وذلك الكلام غاية في الوضوح بقوله: {وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا..} . أي ولقد بينا في هذا القرآن الحجج والبينات والمواعظ، وأوضحنا الأمثال لهم، وحذرنا وأنذرنا ليتعظوا وينزجروا عما هم فيه من الشرك والظلم والإفك، وهم مع ذلك ما يزيدهم التذكير إلا نفورا عن الحق وبعدا عنه.
ثم رد الله تعالى على المشركين الذين يتخذون شريكا لله، فقال:
{قُلْ: لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ..} . قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يزعمون أن لله شريكا من خلقه، ويتخذون مع الله إلها آخر: لو كان الأمر كما تقولون، وأن الله معه آلهة تعبد لتقرب إليه، وتشفع لديه، لكان أولئك المعبودون المتخذون آلهة يعبدونه، ويتقربون إليه، ويبتغون إليه الوسيلة والقربة بعبادتهم، فاعبدوه أنتم وحده، كما يعبده من تدعونه من دونه، ولا حاجة لكم إلى معبود يكون واسطة بينكم وبينه، فإنه تعالى لا يحب ذلك ولا يرضاه، بل يكرهه ويأباه، وقد نهى عن ذلك على ألسنة أنبيائه ورسله، ثم نزه نفسه الكريمة عن ذلك فقال:
{سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً} أي تنزه الله تعالى عما لا يليق به، وتعالى، أي ارتفع وعلا عما يقول هؤلاء المشركون المعتدون الظالمون في زعمهم أن معه آلهة أخرى، تعاليا كبيرا، بل هو الله الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد.
وفي وصف العلو بالكبر إشارة إلى وجود التغاير المطلق بين ذاته وصفاته تعالى، وبين نسبة الصاحبة والولد والشركاء والأضداد والأنداد إليه، لوجود المنافاة بين القديم والمحدث، وبين الغني والمحتاج، منافاة لا يتصور الزيادة عليها، كما قال تعالى:{تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ، وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا، أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً} [مريم 90/ 19 - 91].
ثم أبان الله تعالى مبلغ عظمته فقال: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ..} . أي تقدسه وتنزهه السموات السبع والأرض ومن فيهن من المخلوقات عما يقول هؤلاء المشركون، وتشهد له بالوحدانية في ربوبيته وألوهيته، وما من شيء من المخلوقات (الحيوانات والجمادات والنباتات) إلا يسبح بحمد الله تعالى، أي يشهد ويدل بخلقه من غيره على وجوب وجود الله تعالى الخالق لكل الأكوان، فالتسبيح من الناس هو قولهم: سبحان الله، وهذا حقيقة، ومن الجمادات وغيرها: معناه الدلالة على تنزيه الله تعالى، وهذا مجاز. وقال بعضهم: إنه حقيقة أيضا.
{وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} أي ولكن لا تفهمون أيها البشر تسبيحهم، لأنه بخلاف لغاتكم، كما ثبت في صحيح البخاري عن ابن مسعود أنه قال: كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل. وقال قتادة: كل شيء فيه روح يسبح، من شجر أو غيره.
{إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً} إنه تعالى كان وما يزال حليما لا يعاجل بالعقوبة من عصاه، وإنما يمهل ويؤجل، ويغفر لمن تاب منكم.