المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

20 - الوفاء بالعهد: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ}. 21 - إيفاء الكيل: - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ١٥

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الإسراء

- ‌تسميتها:

- ‌فضلها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌الإسراء وإنزال التوراة على موسى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول آية الإسراء:

- ‌رأي العلماء في الحادث:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أحوال بني إسرائيل في التاريخ

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أهداف القرآن الكريم

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الصفة الأولى:

- ‌الصفة الثانية:

- ‌الصفة الثالثة:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌التذكير بنعم الله في الدنيا ودلائل القدرة الإلهية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء من أراد الدنيا ومن أراد الآخرة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أصول تنظيم المجتمع المسلمالتوحيد أساس الإيمان وترابط الأسرة المسلمة دعامة المجتمع

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (26):

- ‌نزول الآية (28):

- ‌نزول الآية (29):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أصول أخرىلنظام المجتمع الإسلامي

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌خاتمة معبرة:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تقريع على نسبة الولد والشريك إلى الله تعالى

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌والخلاصة:

- ‌حماية النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين إذا قرأ القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (45):

- ‌نزول الآية (46):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إنكار المشركين البعث والرّد عليهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مجادلة المخالفين باللين وبالتي هي أحسن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تفنيد آخر لشبهات المشركين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (56):

- ‌نزول الآية (59):

- ‌نزول الآية (60):

- ‌نزول الآية (60) أيضا:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة آدم مع إبليس-أمر الملائكة بالسّجود

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض نعم الله تعالى على الإنسان

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وهل الإنسان أفضل أو الملائكة

- ‌أحوال الناس مع قادتهم يوم القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌محاولة المشركين فتنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وطرده من مكة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (73):

- ‌نزول الآية (76):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أوامر وتوجيهات وتعليمات للنبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (80):

- ‌نزول الآية (85):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إعجاز القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول: نزول الآية (88):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌اقتراح المشركين إنزال إحدى آيات ست

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌من شبهات المشركينبشرية الرسل وإنكار البعث

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الآيات التسع لموسى عليه السلام وصفة إنزال القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌دعاء الله بالأسماء الحسنى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية: {قُلِ: اُدْعُوا اللهَ

- ‌نزول الآية: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها}:

- ‌نزول الآية (111):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الكهف

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌فضل هذه السورة:

- ‌كيفية الحمد والثناء على الله تعالى ومهام القرآن العظيم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة أصحاب الكهف

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (24): {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌إجمال القصة:

- ‌تفصيل القصة:

- ‌زمنهم أو عصرهم:

- ‌إصرارهم على توحيد الله:

- ‌تنديدهم بعبادة قومهم الأصنام:

- ‌العزلة بينهم وبين قومهم:

- ‌حالهم في الكهف وانحسار الشمس عنهم:

- ‌مكان الكهف:

- ‌قدرة الله تعالى وعنايته ولطفه:

- ‌بعثتهم من نومهم صحاح الأبدان بعد ثلاث مائة سنة وتسع سنين:

- ‌الوكالة في شراء الطعام:

- ‌اطلاع الناس عليهم:

- ‌آراء القوم في شأنهم بعد اطلاعهم عليهم:

- ‌عددهم:

- ‌إرشاد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولأمته بتعليق الخبر بمشيئة الله:

- ‌مدة لبثهم في الكهف:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌توجيهات للنّبي صلى الله عليه وآله وسلم وللمؤمنينتلاوة القرآن والصبر على مجالسة الفقراء وإظهار كون الحق من عند الله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (28):

- ‌نزول آية {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صاحب الجنتينمثل الغني المغتر بماله والفقير المعتز بعقيدته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مثل الحياة الدنيا

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تسيير الجبال والحشر وعرض صحائف الأعمال يوم القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة السجود لآدم عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بيان القرآن ومهمة الرسل وظلم المعرض عن الإيمانوسبب تأخير العذاب لموعد معين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الصفة الأولى:

- ‌الصفة الثانية:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة موسى عليه السلام مع الخضر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌قصة موسى والخضر في السنة النبوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌قصة السفينة:

- ‌قصة الغلام:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: 20 - الوفاء بالعهد: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ}. 21 - إيفاء الكيل:

20 -

الوفاء بالعهد: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} .

21 -

إيفاء الكيل: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ} .

22 -

الوزن بالعدل: {وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ} .

23 -

عدم اتباع الظن: {وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} .

24 -

تحريم التكبر والخيلاء: {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً} .

25 -

تحريم الشرك: {وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ} .

‌التفسير والبيان:

هذا هو النوع الخامس من الطاعات المذكورة في هذه الآيات التي تبين دعائم المجتمع الإسلامي

(1)

، وهو تحريم وأد البنات، فبعد أن بيّن تعالى كيفية البر بالوالدين، بيّن كيفية البر بالأولاد.

والمعنى: ولا تقتلوا بناتكم خوف الفقر أو العار، فنحن نرزقهم لا أنتم، ونرزقكم أيضا، إن قتلهم خوف الفقر أو العار كان إثما وذنبا عظيما، وخطأ جسيما. وقدم الإخبار برزق الأولاد هنا؛ لأنه خاطب الموسرين منهم وذكر الاهتمام برزقهم، وقدم الإخبار برزق الآباء في سورة الأنعام {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيّاهُمْ} [151] لأنه خاطب الفقراء، ونهاهم عن قتلهم من فقر، فالأرزاق للآباء والأولاد بيد الله، وقتل الأولاد خوف الفقر من سوء الظن بالله، وإن كان خوف العار، والغيرة على البنات، فهو سعي في تخريب العالم.

والآية دالة على أن الله تعالى أرحم بعباده من الوالد بولده؛ لأنه نهى عن قتل الأولاد، كما أوصى الآباء بالأولاد في الميراث. وكان أهل الجاهلية لا يورثون

(1)

والأنواع الأربعة السابقة: هي الأمر بالتوحيد، والاشتغال بعبادة الله تعالى دون غيره، والأمر ببر الوالدين، وإيتاء القريب والمسكين وابن السبيل حقه دون بخل ولا تبذير. وحق الوالدين خمسة أشياء: عدم التأفيف، وعدم الانتهار بكلام زاجر، والقول الكريم الطيب، والمبالغة في التواضع، والدعاء لهما بالرحمة.

ص: 68

البنات دائما، ويقتلون البنات أحيانا بوأدهن أحياء في التراب؛ لعجزهن عن الكسب، وقدرة البنين عليه بالغارة والنهب والسلب، وأيضا كانوا يخافون من أن فقر البنات ينفر الأكفاء عن الرغبة فيهن، فيحتاجون إلى تزويجهن من غير الأكفاء.

جاء في الصحيحين عن ابن مسعود: «قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندّا وهو خلقك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك» .

النوع السادس-تحريم الزنى: وبعد أن أمر الله تعالى بالأشياء الخمسة المتقدمة، أتبعه بالنهي عن ثلاثة أشياء هي الزنى والقتل وأكل مال اليتيم، وبدأ بتحريم الزنى، لأنه نوع من الإسراف، عقب النهي عن قتل الأولاد الذي هو مظهر من مظاهر البخل، فقال سبحانه:{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى، إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً} أي لا تقتربوا من الزنى، ولا من أسبابه ودواعيه؛ لأن تعاطي الأسباب مؤد إليه، والزنى فعلة فاحشة شديدة القبح، وذنب عظيم، وساء طريقا ومسلكا؛ لأن فيه هتك الأعراض، واختلاط الأنساب، واقتحام الحرمات، والاعتداء على حقوق الآخرين، وتقويض دعائم المجتمع بهدم الأسرة، ونشر الفوضى، وفتح باب الاضطراب، وانتشار الأمراض الفتاكة، والوقوع في الفقر والذل والهوان. قال القفال: إذا قيل للإنسان: لا تقرب هذا، فهذا آكد من أن يقول له: لا تفعله، ثم إنه تعالى علل هذا النهي بكونه {فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً} .

أخرج ابن أبي الدنيا عن الهيثم بن مالك الطائي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له» .

ص: 69

وقد علّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أخرجه أحمد فتى شابا درسا بليغا واقعيا في أن الزنى كما هو مبغوض مكروه في أمهات الإنسان وبناته وأخواته وعماته وخالاته، فكذلك هو مبغوض لا يحبه الناس لأمهاتهم وبناتهم وأخواتهم وعماتهم وخالاتهم، ثم وضع يده عليه،

وقال: «اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وأحصن فرجه» فلم يكن ذلك الفتى بعد يلتفت إلى شيء.

أما بلاد الشرق والغرب التي تبيح الزنى ولو علانية، فإنها لا تهتم باختلاط الأنساب، ولا بما يسمى بالعرض، فقد رفع هذا من القيم الأخلاقية عندهم، وجعلوا الاستمتاع بالمرأة كالطعام والشراب، وهذا نذير سوء، وقلب للأوضاع، ونكسة في الفطرة الإنسانية.

وقد وصف الله تعالى الزنى بصفات ثلاث: كونه فاحشة، ومقتا في آية أخرى، وساء سبيلا. أما كونه فاحشة: فلاشتماله على فساد الأنساب الموجبة لخراب العالم، ولاشتماله على التقاتل والتواثب على الفروج، وهو أيضا يوجب خراب العالم. وأما المقت: فلأن الزانية تصير ممقوتة مكروهة، حتى في الأوساط المتحللة، وذلك يوجب عدم السكن والازدواج، وأن لا يعتمد الإنسان عليها في شيء من مهماته ومصالحه. وأما أنه ساء سبيلا: فلأنه لا يبقى فرق بين الإنسان وبين البهائم في عدم اختصاص الذكور بالإناث، وأيضا يبقى ذل هذا العمل وعيبه وعاره على المرأة، من غير أن يصير مجبورا بشيء من المنافع

(1)

.

النوع السابع-تحريم القتل: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ..} . هذا هو ثاني الأمور المنهي عنها، وسابع أحكام المجتمع، وناسب ذكره بعد الزنى؛ لأن الزنى يؤدي إلى عدم وجود الإنسان، ويقلل من النسل البشري، أما القتل فيهدم وجود الإنسان، وهو إعدام الناس بعد وجودهم، وهو حرام لكونه اعتداء على خلق

(1)

تفسير الرازي: 198/ 20 - 199

ص: 70

الله، وهدم له؛ لأن الإنسان ليس ملكا لنفسه، إنما هو ملك لخالقه، وثروة لمجتمعه ودولته، ولذلك حرّم الانتحار وحرّم قتل النفس إلا بالحق، فمن قتل نفسه فهو آثم معتد، ومن قتل غيره فهو أيضا معتد أثيم.

ومعنى الآية: ولا تقتلوا النفس الإنسانية التي حرم الشرع قتلها إلا إذا كان بحق شرعي، وهو أحد أمور ثلاثة: كفر بعد إيمان (ردة) وزنى بعد إحصان، وقتل معصوم الدم عمدا،

ثبت في الصحيحين وغيرهما عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والزاني المحصن، والتارك لدينه المفارق للجماعة» .

وثبت في السنن للترمذي والنسائي عن ابن عمرو: «لزوال الدنيا عند الله أهون من قتل مسلم» .

فالقتل بغير حق جريمة عظمي؛ لأنه إفساد والله تعالى لا يحب الفساد، وضرر واعتداء، وإخلال بالأمن، وإحداث للاضطراب في المجتمع، وسبيل لانقراض الإنسانية.

وبعد أن استثنى الله تعالى من تحريم القتل حالة القتل بالحق بقوله: {إِلاّ بِالْحَقِّ} أثبت الحق في تنفيذ القصاص بإشراف الدولة لولي الدم، مع تقييده بحصر القتل في القاتل نفسه دون غيره، فقال:{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً.} . أي ومن قتل ظلما وعدوانا بغير حق يوجب قتله، فقد جعلنا لمن يلي أمره من وارث أو سلطان حاكم عند عدم الوارث سلطة على القاتل ومنحه الخيار بأحد أمرين: إما القصاص (القود) منه بعد حكم قضائي وبإشراف القاضي، وإما العفو عنه على الدية أو مجانا كما ثبت في السنة، لقوله تعالى:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى} [البقرة 178/ 2]

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه أبو داود والنسائي عن أبي شريح الخزاعي: «من قتل له قتيل بعد مقالتي هذه، فأهله بين خيرتين: إما أن يأخذوا العقل-الدية-أو يقتلوا» .

ص: 71

وهذا السلطان لولي الدم مقيد بألا يسرف في القتل، أي فلا يسرف الولي في قتل القاتل بأن يمثل به، أو يقتص من غير القاتل، كعادة أهل الجاهلية والجاهلين اليوم الذين يقتلون الجماعة في الواحد تشفيا واستعلاء، قال مهلهل بن أبي ربيعة حين قتل بجير بن الحارث بن عباد: بؤ بشسع نعل كليب أخي، أي أنت تساوي نعل كليب، ولا يكفيني في كليب إلا قتل آل مرّة جميعا.

لا تسرف أيها الولي في استيفاء القتل، فإنك معان منصور على القاتل شرعا وقدرا، حيث وجب لك القصاص، ويعوضك الله خيرا في الدنيا والآخرة، بتكفير الخطايا، وتعذيب القاتل في النار.

والمقصود بذلك: أن الأولى ألا يقدم ولي الدم على استيفاء القتل، وأن يكتفي بأخذ الدية، أو يعفو مجانا؛ لقوله تعالى:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ} [البقرة 178/ 2] وقوله سبحانه: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى} [البقرة 237/ 2].

النوع الثامن-تحريم أكل مال اليتيم:

{وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ.} . بعد أن حرم الله تعالى إتلاف الأنفس حرم إتلاف الأموال، والمعنى لا تتصرفوا في مال اليتيم ولا تقربوا منه أكلا وإتلافا إلا بما يحقق الفائدة أو المصلحة الظاهرة لليتيم، وهي الطريقة الحسنى بحفظ ماله وتثميره حتى يبلغ رشيدا، ويبلغ أشده مبلغ الرجال، ويكتمل عقله، فالمراد بالأشد: بلوغه إلى سن يتمكن فيه بسبب عقله ورشده القيام بمصالح ماله، وعند الرشد تزول ولاية غيره عنه، وهو حد البلوغ رشيدا. فإن بلغ غير عاقل أو غير رشيد، بقيت الولاية السابقة عليه. وبلوغ العقل: هو أن يكمل عقله وقواه الحسية والحركية.

ونظير الآية: {وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا، وَمَنْ كانَ غَنِيًّا

ص: 72

فَلْيَسْتَعْفِفْ، وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء 6/ 4]. فيجوز لولي اليتيم إذا كان فقيرا أن يأخذ شيئا من مال اليتيم للحاجة بقدر المعروف.

ولما نزلت آية {وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ} شق ذلك على الصحابة، فكانوا لا يخالطون اليتامى في طعام ولا غيره، مما أدى إلى إهمال شؤون الأيتام، فأنزل الله تعالى:{وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ، وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة 220/ 2].

النوع التاسع-الوفاء بالعهد: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً} : بعد أن أمر الله تعالى بخمسة أشياء أولا، ثم نهى عن ثلاثة أشياء (الزنى، والقتل إلا بالحق، وقربان مال اليتيم) أمر بأوامر ثلاثة: أولها- الوفاء بالعهد، والمعنى: وفّوا بالعهد الذي تعاهدون عليه الناس، وبالعقود التي تعاملونهم بها، فإن العهد والعقد، كل منهما يسأل صاحبه عنه، ونظير الآية:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة 1/ 5] فالعهد فضيلة وميثاق، والعقد التزام وارتباط، والإخلال بالعهد خيانة ونفاق، والتحلل من العقد إهدار للثقة وتضييع للحقوق، فيجب شرعا الوفاء بالعهد، وتنفيذ مقتضى العقد، فمن أخلف بوعده، ولم يوف بعهده، ولم ينفذ التزام عقده، وقع في الإثم والمعصية، وأخل بمقتضى الإيمان والدين، والعهد: أمر عام يشمل كل ما بين الإنسان وبين الله والنفس والناس. والعقد: كل التزام يلتزمه الإنسان، كعقد اليمين والنذر، وعقد البيع والشركة والإجارة والصلح والزواج.

وكل عقد لأجل توثيق الأمر وتوكيده، فهو عهد.

لذا تواردت الآيات الدالة على وجوب الوفاء بالعهود والعقود، كقوله تعالى:{وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا} [البقرة 177/ 2] وقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ} [المؤمنون 8/ 23، المعارج 32/ 70] وقوله: {وَأَحَلَّ اللهُ

ص: 73

الْبَيْعَ} [البقرة 275/ 2] وقوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ} [النساء 4/ 29].

والوفاء بالعهد أو بالعقد: تنفيذ مقتضاه، والحفاظ عليه على الوجه الشرعي، وعلى وفق التراضي الذي لا يصادم الشرع.

النوع العاشر-إيفاء الكيل والوزن بالعدل: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ، وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ..} . هذا هو الأمر الثاني من الأوامر الثلاثة المذكورة في هذه الآية، وهو إتمام الكيل وإتمام الوزن، أي أتموا الكيل من غير تطفيف ونقص، وأتموا الوزن بالعدل دون جور أو حيف، فإن كلتم لأنفسكم أو وزنتم فلا تزيدوا في الكيل أو الوزن، ولا مانع إن نقصتم عن حقكم. {ذلِكَ خَيْرٌ.} . أي فإن عاقبة الوفاء بالعهد وإيفاء الكيل والوزن بالعدل خير لكم في الدين والدنيا في معاشكم ومعادكم، وأحسن مآلا ومنقلبا في آخرتكم، فلا تؤاخذون أو تعاقبون يوم القيامة، ويرغب الناس في معاملتكم، ويثنون عليكم، ولا تتعرضون لإساءة السمعة، أو عقاب السلطة، فقد ثبت بالتجربة أن التاجر الثقة الصدوق هو المحبوب الرابح الذي يقبل عليه الناس، وأن التاجر الذي يطفف الكيل أو الوزن هو المنبوذ المبغوض الخاسر الذي يعرض الناس عنه.

وقد وردت آيات كثيرة في معنى هذه الآية، منها {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ، وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ} [الرحمن 9/ 55] ومنها: {وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود 85/ 11] ومنها: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النّاسِ يَسْتَوْفُونَ، وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [سورة المطففين 1/ 83 - 3].

وكل من الوفاء بالعقود والعهود وإتمام الكيل والميزان قاعدة حضارية اجتماعية سامية، وأساس راسخ ضروري في صرح التعامل بين الناس، يؤدي إلى

ص: 74

توفير الثقة والطمأنينة، ويكون سببا لتنمية العلاقات وزيادة الكسب والأرباح.

النوع الحادي عشر-التخمين وسوء الظن: {وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ.} . أي أنه تعالى بعد بيان الأوامر الثلاثة عاد إلى ذكر النواهي، فنهى عن ثلاثة أشياء:

أولها-القول بالحدس والتخمين وسوء الظن، فهذا عيب في السلوك، وتشوية للحقائق، وطعن في الآخرين بغير حق، وإهدار لقدسية العلم والحقيقة. والمعنى: ولا تتبع ولا تقتف مالا علم لك به من قول أو فعل، والمقصود النهي عن الحكم على الأشياء بما لا يكون معلوما علما صحيحا، ولا دليل عليه.

وهذا يشمل نهي المشركين عن الاعتقاد الفاسد في القضايا الإلهية والنبوات، بسبب تقليد أسلافهم، واتباع الهوى:{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ} [النجم 23/ 53].

ويشمل أيضا شهادة الزور وقول الزور، والقذف ورمي المحصنين والمحصنات (العفائف) بالأكاذيب، والكذب والبهتان والافتراء، والطعن في الآخرين بالظن وتتبع العورات، وتزييف الحقائق العلمية والأخبار وغير ذلك، فلا يصح لإنسان أن يقول مالا يعلم، أو يعمل بما لا علم له به، أو أن يذم أحدا بما لا يعلم.

وقد شاع هذا الخلق المذموم بين المسلمين، وصار التحدث بغير علم ولا معرفة ولا ثقة ظاهرة منتشرة بسبب ضعف الدين والإيمان، وتفسخ الأخلاق، وانحلال القيم، واتباع الأهواء، وضعف النفوس والانغماس في المادة، وتحلل القيم.

لذا حذر القرآن من تلك الظاهرة المرضية، فقال تعالى:{إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ..} . أي إن مفاتيح العلوم والمعارف من السمع والبصر وهما واسطة العلوم الحسية والتجريبية، والفؤاد وبه تتحصل العلوم العقلية، يسأل عنها صاحبها يوم القيامة، وتسأل عنه، فإذا سمع الإنسان ما لا يحل له سماعه،

ص: 75

وأبصر أو نظر إلى ما لا يحل له النظر إليه، وعزم على مالا يحل العزم عليه، كان مسئولا عنه، معاقبا عليه؛ لأن أدوات المعرفة هذه ينبغي استعمالها في الطاعة لا في المعصية. وقال تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ، إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات 12/ 49]

وقال صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الشيخان عن أبي هريرة: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث» .

بل إن هذه الأدوات تسأل عن صاحبها بأن يخلق الله فيها الحياة، ثم تشهد على الإنسان، بدليل قوله تعالى:{يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} [النور 24/ 24].

قال ابن عباس: لا تشهد إلا بما رأت عيناك، وسمعته أذناك، ووعاه قلبك. وقال قتادة: لا تقل: سمعت ولم تسمع، ولا رأيت ولم تر، ولا علمت ولم تعلم.

النوع الثاني عشر-تحريم التكبر والخيلاء: {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً..} . هذا هو الأمر الثاني المنهي عنه هنا، وهو تحريم الكبر والتجبر والتبختر في المشية، والمعنى: ولا تمش في الأرض مرحا أي متبخترا متمايلا مشي الجبارين، فذلك المشي يدل على الكبرياء والعظمة، إنك لن تخرق الأرض أي تنقبها أو تقطعها بمشيك إذا سرت عليها، ولن تبلغ الجبال طولا، أي لن تصل بتطاولك وتمايلك وفخرك وإعجابك بنفسك إلى قمم الجبال، وهذا تهكم بالمتكبر والمختال.

بل قد يجازى فاعل ذلك بنقيض قصده، كما

ثبت في صحيح مسلم: «بينما رجل يمشي فيمن كان قبلكم، وعليه بردان يتبختر فيهما، إذ خسف به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة» وأخبر الله تعالى عن قارون أنه خرج على

ص: 76