المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وشرائطه، ودعائم بنيان المجتمع الإسلامي، مبتدئا بأصول نظام الأسرة، وتقوية - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ١٥

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الإسراء

- ‌تسميتها:

- ‌فضلها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌الإسراء وإنزال التوراة على موسى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول آية الإسراء:

- ‌رأي العلماء في الحادث:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أحوال بني إسرائيل في التاريخ

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أهداف القرآن الكريم

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الصفة الأولى:

- ‌الصفة الثانية:

- ‌الصفة الثالثة:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌التذكير بنعم الله في الدنيا ودلائل القدرة الإلهية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء من أراد الدنيا ومن أراد الآخرة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أصول تنظيم المجتمع المسلمالتوحيد أساس الإيمان وترابط الأسرة المسلمة دعامة المجتمع

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (26):

- ‌نزول الآية (28):

- ‌نزول الآية (29):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أصول أخرىلنظام المجتمع الإسلامي

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌خاتمة معبرة:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تقريع على نسبة الولد والشريك إلى الله تعالى

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌والخلاصة:

- ‌حماية النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين إذا قرأ القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (45):

- ‌نزول الآية (46):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إنكار المشركين البعث والرّد عليهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مجادلة المخالفين باللين وبالتي هي أحسن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تفنيد آخر لشبهات المشركين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (56):

- ‌نزول الآية (59):

- ‌نزول الآية (60):

- ‌نزول الآية (60) أيضا:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة آدم مع إبليس-أمر الملائكة بالسّجود

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض نعم الله تعالى على الإنسان

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وهل الإنسان أفضل أو الملائكة

- ‌أحوال الناس مع قادتهم يوم القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌محاولة المشركين فتنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وطرده من مكة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (73):

- ‌نزول الآية (76):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أوامر وتوجيهات وتعليمات للنبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (80):

- ‌نزول الآية (85):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إعجاز القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول: نزول الآية (88):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌اقتراح المشركين إنزال إحدى آيات ست

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌من شبهات المشركينبشرية الرسل وإنكار البعث

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الآيات التسع لموسى عليه السلام وصفة إنزال القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌دعاء الله بالأسماء الحسنى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية: {قُلِ: اُدْعُوا اللهَ

- ‌نزول الآية: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها}:

- ‌نزول الآية (111):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الكهف

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌فضل هذه السورة:

- ‌كيفية الحمد والثناء على الله تعالى ومهام القرآن العظيم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة أصحاب الكهف

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (24): {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌إجمال القصة:

- ‌تفصيل القصة:

- ‌زمنهم أو عصرهم:

- ‌إصرارهم على توحيد الله:

- ‌تنديدهم بعبادة قومهم الأصنام:

- ‌العزلة بينهم وبين قومهم:

- ‌حالهم في الكهف وانحسار الشمس عنهم:

- ‌مكان الكهف:

- ‌قدرة الله تعالى وعنايته ولطفه:

- ‌بعثتهم من نومهم صحاح الأبدان بعد ثلاث مائة سنة وتسع سنين:

- ‌الوكالة في شراء الطعام:

- ‌اطلاع الناس عليهم:

- ‌آراء القوم في شأنهم بعد اطلاعهم عليهم:

- ‌عددهم:

- ‌إرشاد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولأمته بتعليق الخبر بمشيئة الله:

- ‌مدة لبثهم في الكهف:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌توجيهات للنّبي صلى الله عليه وآله وسلم وللمؤمنينتلاوة القرآن والصبر على مجالسة الفقراء وإظهار كون الحق من عند الله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (28):

- ‌نزول آية {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صاحب الجنتينمثل الغني المغتر بماله والفقير المعتز بعقيدته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مثل الحياة الدنيا

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تسيير الجبال والحشر وعرض صحائف الأعمال يوم القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة السجود لآدم عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بيان القرآن ومهمة الرسل وظلم المعرض عن الإيمانوسبب تأخير العذاب لموعد معين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الصفة الأولى:

- ‌الصفة الثانية:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة موسى عليه السلام مع الخضر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌قصة موسى والخضر في السنة النبوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌قصة السفينة:

- ‌قصة الغلام:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: وشرائطه، ودعائم بنيان المجتمع الإسلامي، مبتدئا بأصول نظام الأسرة، وتقوية

وشرائطه، ودعائم بنيان المجتمع الإسلامي، مبتدئا بأصول نظام الأسرة، وتقوية الروابط بين أفرادها.

‌التفسير والبيان:

يخاطب الله تعالى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لبيان حقيقة الإيمان وهو التوحيد ونفي الشركاء، والمراد بالخطاب: المكلفون من الأمة، إذ لم يكن له صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك الوقت أبوان.

ومضمونه: لا تجعل أيها الإنسان المكلف شريكا مع الله تعالى في ألوهيته وعبادته، وإنما أفرد له الألوهية والربوبية، فلا إله غيره، ولا رب سواه، ولا معبود بحق إلا هو، فإن جعلت مع الله إلها آخر، صرت ملوما على إشراكك به، مخذولا لا ينصرك ربك، بل يتركك إلى من عبدته معه، وهو لا يملك ضرا ولا نفعا. روى أحمد وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله، فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل» . والخلاصة: إن أول دعامة للمجتمع المسلم: توحيد الله وعدم الشرك به.

وبعد بيان الركن الأعظم في العقيدة والإيمان وهو التوحيد، ذكر تعالى شعائر الإيمان ومظاهره، وهي ما يأتي:

أولا-عبادة الله تعالى وحده: {وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ} أي أمر الله تعالى ألا تعبدوا غيره، وهذا يتضمن أمرين: الاشتغال بعبادة الله تعالى، والتحرز عن عبادة غير الله تعالى؛ لأن العبادة نهاية التعظيم، ولا يستحق ذلك غير الله عز وجل؛ لأنه مصدر النعم والإنعام من إعطاء الوجود والحياة والقدرة والعقل.

ص: 53

ثانيا-الإحسان إلى الوالدين: {وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً} قرن الله في كثير من الآيات الأمر بعبادته بالأمر ببر الوالدين والإحسان لهما إحسانا تاما في المعاملة؛ لأنهما بعد الله الذي هو السبب الحقيقي لوجود الإنسان، كانا السبب الظاهري في وجود الأولاد وتربيتهم في جو مشحون بالحنان واللطف والعطف والإيثار، والمعنى: وأمر بالوالدين إحسانا، أو وأن تحسنوا إلى الوالدين وتبروهما، كما قال تعالى في آية أخرى:{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ، إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان 14/ 31] وذلك لشفقتهما على الولد، وإنعامهما عليه، وبذل أقصى الجهد في تربيته وصونه حتى يصبح رجلا سويا، فكان من الوفاء والمروءة رد شيء من الجميل والمعروف لهما، إما بالمعاملة الحسنة والأخلاق المرضية، وإما بالإمداد المادي إذا كانا بحاجة وكان الولد موسرا، لذا أبان تعالى بعض وجوه الإحسان إليهما، فقال:

{إِمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ.} . أي إذا بلغ الوالدان أو أحدهما سن الكبر، وصارا عندك في آخر العمر بحال من الضعف والعجز، كما كنت عندهما في بدء حياتك، فعليك اتباع الواجبات الخمسة التالية:

الأول- {فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ} أي لا تسمعهما قولا سيئا فيه أدنى تبرّم، حتى ولا التأفف وهو التضجر والتألم الذي هو أدنى مراتب القول السيء، وذلك في أي حال، ولا سيما حال الضعف والكبر والعجز عن الكسب، لأن الحاجة إلى الإحسان حينئذ أشد وأولى وألزم، لذا خص حالة الكبر؛ لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى البر، للضعف والكبر.

روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه، قيل؛ من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة» .

ص: 54

الثاني- {وَلا تَنْهَرْهُما} أي ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح. والفرق بين النهي عن التأفف والنهي عن الانتهار: أن الأول للمنع من إظهار الضجر بالقليل أو الكثير، وأن الثاني للمنع من إظهار المخالفة في القول، بالرد أو التكذيب، فالتأفف: الكلام الرديء الخفي، والنهر: الزجر والغلظة.

الثالث- {وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً} أي وقل لهما قولا لينا طيبا حسنا مقرونا بالتوقير والتعظيم والحياء والأدب الجم. ويلاحظ أنه تعالى قدم النهي عن المؤذي، ثم أمر بالقول الحسن والكلام الطيب؛ لأن التخلي مقدم على التحلي، ومنع الأذى أولى من إحسان القول والفعل. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه مفسرا القول الكريم: هو أن يقول له: يا أبتاه يا أماه، أي لا يدعوهما بأسمائهما، ولا يرفع الصوت أمامهما، ولا يحملق بنظره فيهما، وسئل سعيد بن المسيّب عن القول الكريم فقال: هو قول العبد المذنب للسيد الفظّ.

الرابع- {وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} أي تواضع لهما بفعلك، والمقصود منه المبالغة في التواضع وإلانة الجانب، فإن خفض الجناح كناية عن فعل التواضع، وتشبيه بحال الطائر إذا ضم إليه فرخه، فيخفض له جناحه.

والتواضع ينبغي أن يكون رحمة بهما وشفقة عليهما، لا لأجل امتثال الأمر وخوف العار والنقد فقط.

الخامس- {وَقُلْ: رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً} أي اطلب لهما الرحمة من الله في حال كبرهما وعند وفاتهما. قال القفال رحمه الله تعالى: إنه لم يقتصر في تعليم البر بالوالدين على تعليم الأقوال، بل أضاف إليه تعليم الأفعال، وهو أن يدعو لهما بالرحمة، فيقول:{رَبِّ ارْحَمْهُما} ولفظ الرحمة جامع لكل الخيرات في الدين والدنيا. وقوله {كَما رَبَّيانِي صَغِيراً} أي أحسن إليهما كما أحسنا إلي في تربيتهما إياي، والتربية: هي التنمية، وخصها بالذكر ليتذكر العبد شفقة الأبوين وتعبهما في التربية، فيزيده ذلك إشفاقا لهما وحنانا عليهما.

ص: 55

وقد جاء في بر الوالدين أحاديث كثيرة، منها

ما أخرجه الترمذي والحاكم عن أبي هريرة وأنس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صعد المنبر، ثم قال: «آمين آمين آمين، قيل: يا رسول الله، علام أمّنت؟ قال: أتاني جبريل، فقال:

يا محمد، رغم أنف رجل ذكرت عنده، فلم يسل عليك، قل: آمين، فقلت:

آمين. ثم قال: رغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان، ثم خرج، فلم يغفر له، قل: آمين، فقلت: آمين. ثم قال: رغم أنف رجل أدرك والديه أو أحدهما، فلم يدخلاه الجنة، قل: آمين، فقلت: آمين».

والبر يكون في حال الحياة وبعد الموت أيضا بدليل

ما أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه عن مالك بن ربيعة الساعدي قال: بينما أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا جاءه رجل من الأنصار، فقال: يا رسول الله، هل بقي علي من برّ أبوي شيء بعد موتهما أبرّهما به؟ قال:«نعم، خصال أربع: الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما، فهو الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما» .

فإذا كان الوالدان كافرين فللولد أن يدعو لهما حال الحياة بالهداية والإرشاد، وأن يطلب لهما الرحمة بعد حصول الإيمان. أما بعد الموت فقد نهى القرآن عن الاستغفار للمشركين الأموات، ولو كانوا أولي قربى في الآية:

{ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى} [التوبة 113/ 9]. فيعامل المسلم أبويه الذميين معاملة حسنة إلا الترحم لهما بعد موتهما على الكفر.

ويكفي في العمل بمقتضى هذه الآية طلب الرحمة لهما مرة واحدة؛ لأن ظاهر الأمر للوجوب، وظاهر الأمر لا يقتضي التكرار. سئل سفيان: كم يدعو الإنسان لوالديه؟ أفي اليوم مرة أو في الشهر، أو في السنة؟ فقال: نرجو أن يجزئه إذا دعا لهما في أواخر التشهدات.

ص: 56

وكفى بالشريعة التي جعلت عقوق الوالدين من الكبائر،

أخرج الترمذي عن عبد الله بن عمر حديثا: «رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد» .

ثم حذر الله تعالى من التهاون في بر الوالدين فقال: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ..} . أي أن العبرة بما في القلب وما تضمرونه في أنفسكم من الإخلاص في الطاعة وعدم الإخلاص فيها، فإن الله تعالى مطلع على ما في نفوسكم، بل هو أعلم بتلك الأحوال منكم بها؛ لاختلاطها بالسهو والنسيان وعدم الإحاطة بالكل، فمن بدرت منه بادرة غير مقصودة، فلا يعاقبه الله عليها ما دامت نيته حسنة وهو من الصالحين، فإنه سبحانه غفور للتائبين الراجعين إلى الخير، النادمين على ما فرط منهم من غير قصد. والتائب من الذنب: هو الرجّاع من المعصية إلى الطاعة، مما يكره الله، إلى ما يحبه ويرضاه. والمقصود من الآية: التحذير من ترك الإخلاص.

ثالثا-الإحسان إلى ذوي القربى والمساكين وابن السبيل: {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} لما ذكر تعالى بر الوالدين، عطف بذكر الإحسان إلى القرابة وصلة الأرحام، والمعنى: وأعط أيها الإنسان المكلف القريب والمسكين والمسافر المنقطع في الطريق إلى بلده حقه، من صلة الرحم والود، والزيارة وحسن المعاشرة، والنفقة إن كان محتاجا إليها، وإعانة المسكين ذي الحاجة، ومساعدة ابن السبيل بالمال الذي يكفيه زاده وراحلته إلى أن يبلغ مقصده.

والخطاب للرسول صلى الله عليه وآله وسلم والمراد به أمته من بعده.

جاء في الحديث الذي أخرجه أبو داود عن بكر بن الحارث الأنماري: «أمك وأباك، ثم أدناك أدناك» أو «ثم الأقرب فالأقرب»

وأخرج الشيخان عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من أحبّ أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه» .

ص: 57

والأمر في رأي أبي حنيفة بالنسبة للأقارب المحارم كالأخت والأخ والوالدين للوجوب، وفي رأي الشافعي للندب، ولا تجب عند الجمهور إلا نفقة الأصول والفروع دون غيرهما من الأقارب، وعند الحنابلة: تجب لكل الأقارب حتى الحواشي.

أما مساعدة المساكين وأبناء السبيل فهي من الصدقات المندوبة.

رابعا-منع التبذير: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً} : لما أمر الله تعالى بالإنفاق والبذل نهى عن الإسراف وبيّن سياسة الإنفاق، أي لا تنفق المال إلا باعتدال وفي غير معصية وللمستحقين، بالوسط الذي لا إسراف فيه ولا تبذير، والتبذير لغة:

إفساد المال وإنفاقه في السرف، والوسطية والاعتدال هي سياسة الإسلام المالية والاجتماعية والدينية، قال تعالى:{وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا، وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً} [الفرقان 67/ 25].

ثم نبّه الله تعالى على قبح التبذير بإضافته إلى أفعال الشياطين، فقال:

{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ} أي إن المبذرين المنفقين أموالهم في معاصي الله يشبهون في هذا الفعل القبيح الشياطين، فهم قرناء الشياطين في الدنيا والآخرة، وأشباههم في ذلك في الصفة والفعل، كما قال تعالى:{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً، فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف 36/ 43] وقال تعالى: {اُحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ} [الصافات 22/ 37] أي قرناءهم من الشياطين.

قال ابن مسعود: التبذير: الإنفاق في غير حق، وقال مجاهد: لو أنفق إنسان ماله كله في الحق، لم يكن مبذرا، ولو أنفق مدا في غير حق، كان مبذرا. وعن علي كرم الله وجهه قال: ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك في غير سرف ولا تبذير، وما تصدقت فلك، وما أنفقت رياء وسمعة، فذلك حظ

ص: 58

الشيطان. وأنفق بعضهم نفقة في خير فأكثر، فقيل له: لا خير في السرف، فقال: لا سرف في الخير.

{وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} أي وكان الشيطان لنعمة ربه جحودا؛ لأنه أنكر نعمة الله عليه، ولم يعمل بطاعته، بل أقبل على معصيته ومخالفته، فاستعمل نفسه في المعاصي والإفساد في الأرض، وإضلال الناس.

قال الكرخي: وكذلك من رزقه الله جاها أو مالا، فصرفه إلى غير مرضاة الله، كان كفورا لنعمة الله؛ لأنه موافق للشيطان في الصفة والفعل.

وفي صفة الشيطان أنه كفور لربه دلالة على كون المبذر أيضا كفورا لربه.

وقال بعض العلماء: خرجت هذه الآية على وفق عادة العرب، وذلك لأنهم كانوا يجمعون الأموال بالنهب والغارة، ثم كانوا ينفقونها في طلب الخيلاء والتفاخر، وكان المشركون من قريش وغيرهم ينفقون أموالهم ليصدوا الناس عن الإسلام وتوهين أهله، وإعانة أعدائه، فنزلت هذه الآية تنبيها على قبح أعمالهم.

خامسا-الوعد الجميل بالعطاء أو القول الميسور: {وَإِمّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ} أي إن أعرضت عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل حياء من التصريح بالرد بسبب الفقر والقلة، بعد أن سألوك، فقل لهم قولا سهلا لطيفا لينا، وعدهم وعدا بسهولة ولين بالصلة والعطاء إذا جاء رزق الله، واعتذر بعذر مقبول.

سادسا-القصد في الإنفاق: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ.} . لما أمر الله تعالى بالإنفاق ذكر هنا أدب الإنفاق، والاقتصاد في العيش، بذم البخل، والنهي عن السرف، أي لا تمسك عن الإنفاق بحيث تبخل على نفسك وأهلك في وجوه صلة الرحم وسبيل الخيرات، ولا تسرف ولا تتوسع في الإنفاق توسعا

ص: 59

مفرطا، فتعطي فوق طاقتك، وتنفق أكثر من دخلك، بحيث لا يبقى في يدك شيء.

والخلاصة: إن أصول الإنفاق هو الاقتصاد في العيش، والتوسط في الإنفاق، دون بخل ولا سرف، فالبخل إفراط في الإمساك، والتبذير إفراط في الإنفاق، وهما مذمومان، وخير الأمور أوساطها، والفضيلة وسط بين رذيلتين.

روى أحمد عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما عال من اقتصد»

وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة» .

وروى الديلمي في مسند الفردوس عن أنس مرفوعا:

«التدبير نصف العيش، والتودد نصف العقل، والهمّ نصف الهرم، وقلة العيال أحد اليسارين»

(1)

.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا وملكان ينزلان من السماء، يقول أحدهما:

اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا».

وروى مسلم عن أبي هريرة مرفوعا: «ما نقص مال من صدقة، وما زاد الله عبدا أنفق إلا عزا، ومن تواضع لله رفعه الله» .

وروى أبو داود عن عبد الله بن عمر مرفوعا: «إياكم والشح، فإنه أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا» .

ثم أبان الله تعالى ربط الرزق بمشيئته وإرادته، ليدرك الناس أن تضييق الرزق أحيانا على بعضهم ليس لسوء حالهم عند الله، فقال:{إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ} أي إن ربك أيها الرسول هو الرزاق، القابض الباسط، المتصرف في خلقه بما يشاء، فيغني من يشاء، ويفقر من يشاء، لما له في ذلك

(1)

ورواه القضاعي عن علي رضي الله عنه، وهو حديث حسن.

ص: 60