الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{فَانْطَلَقا} بعد خروجهما من السفينة يمشيان {حَتّى إِذا لَقِيا غُلاماً} لم يبلغ الحنث، يلعب مع الصبيان، وكان أحسنهم وجها {فَقَتَلَهُ} الخضر، إما بالذبح بالسكين، أو باقتلاع رأسه بيده بفتل عنقه، أو الضرب برأسه الحائط، أقوال مروية. وأتى بالفاء العاطفة هنا للدلالة على أنه لما لقيه قتله من غير تروّ واستكشاف حال {قالَ: أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ}؟ أي قال موسى مستنكرا-وهو جواب إذا-كيف تقتل نفسا طاهرة من الذنوب، لم تبلغ حد التكليف، وقرئ {زَكِيَّةً، بِغَيْرِ نَفْسٍ} أي بغير حق من قصاص لك عليها {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً} أي لقد ارتكبت شيئا منكرا، والمنكر: الذي تنكره العقول والنفوس.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله قصة أصحاب الكهف لإثبات قدرته على البعث، وذكر أمثلة ثلاثة لتقرير حقيقة أن الحق والعزة والعلو لا ترتبط بكثرة المال والسلطان، وإنما بالعقيدة والإيمان، ليدرك تلك الحقيقة المشركون الذين افتخروا على فقراء المؤمنين، وأبوا مجالستهم، بعد هذا أردف الله تعالى بقصة ثانية هي قصة موسى مع الخضر، ليتعلم منه العلم، وذلك ليفهم المشركون أن موسى النبي كليم الله مع كثرة علمه وعمله، أمر أن يتعلم من العبد الصالح الخضر، مما يدل على أن التواضع خير من الكبر.
قصة موسى والخضر في السنة النبوية:
روى البخاري ومسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل، فسئل، أي الناس أعلم؟ فقال:
أنا، فعتب الله عز وجل عليه، إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى الله إليه أن لي عبدا بمجمع البحرين، هو أعلم منك، قال موسى: يا ربّ، فكيف لي به؟ قال:
تأخذ حوتا، فتجعله في مكتل (قفة) فحيثما فقدت الحوت فهو ثمّ، فانطلق موسى، ومعه فتاه-يوشع بن نون-حتى إذا أتيا الصخرة، وضعا رؤوسهما، فناما واضطرب الحوت في المكتل، فخرج منه، فسقط في البحر {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً} .
وأمسك الله عن الحوت جرية الماء، فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ، نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما، حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه:{آتِنا غَداءَنا، لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً} -قال:
ولم يجد موسى النّصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به-فقال فتاه: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ، وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً} .
قال: فكان للحوت سربا، ولموسى وفتاه عجبا، فقال موسى:{ذلِكَ ما كُنّا نَبْغِ، فَارْتَدّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً} قال: رجعا يقصان آثارهما، حتى انتهيا إلى الصخرة، فإذا هو مسجّى بثوب، فسلّم عليه موسى، فقال الخضر، وأنى بأرضك السلام
(1)
! من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم أتيتك لتعلمني مما علّمت رشدا {قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} .
يا موسى، إني على علم من علم الله، لا تعلمه، علّمنيه، وأنت على علم من علم الله علّمكه، لا أعلمه، فقال موسى:{سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً، وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً} فقال له الخضر: {فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً} .
فانطلقا يمشيان على الساحل، فمرت سفينة، فكلموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر، فحملوهم بغير نول-أي أجر-فلما ركبا السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدّوم، فقال له موسى: قوم قد حملونا بغير نول، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها:{لِتُغْرِقَ أَهْلَها، لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وكانت الأولى من موسى نسيانا، وجاء عصفور، فوقع على حرف السفينة، فنقر في البحر نقرة، فقال له الخضر: ما علمي وعلمك
(1)
أي من أين السلام في هذه الأرض التي لا سلام فيها؟