الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهذه الآية نزلت في قوم كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قرأ القرآن على الناس. روي أنه عليه الصلاة والسلام كان كلما قرأ القرآن، قام عن يمينه رجلان، وعن يساره آخران من ولد قصي يصفّقون ويصفرون، ويخلّطون عليه بالأشعار.
نزول الآية (46):
{وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ} : قيل:
دخل ملأ قريش على أبي طالب يزورونه، فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقرأ، ومرّ بالتوحيد، ثم قال:
يا معشر قريش، قولوا: لا إله إلا الله، تملكون بها العرب، وتدين لكم العجم، فولّوا، فنزلت هذه الآية.
قال أبو حيان: والظاهر أن الآية في حال الفارّين عند وقت قراءته القرآن، ومروره بتوحيد الله تعالى، والمعنى: إذا جاءت مواضع التوحيد، فرّ الكفار إنكارا له، واستبشاعا لرفض آلهتهم، واطراحها
(1)
.
المناسبة:
بعد أن تكلّم الله تعالى في المسائل الإلهية، وجادل المشركين بضرب الأمثال لهم، تكلّم في هذه الآية فيما يتعلّق بتقرير النّبوة، والنّعي عليهم بعدم فهمهم للقرآن ونفورهم منه وهزئهم به، وإيذائهم النّبي صلى الله عليه وآله وسلم، واتّهامهم له بأنه كاهن أو ساحر أو مجنون أو شاعر.
التفسير والبيان:
وإذا قرأت يا محمد القرآن على هؤلاء المشركين الذين لا يصدقون بالبعث ولا بالثواب والعقاب، جعلنا بينك وبينهم حجابا مستورا، أي حائلا مانعا يمنع
(1)
البحر المحيط: 42/ 6.
قلوبهم عن فهم معاني القرآن وتدبر آياته، وجعلنا على قلوبهم أغطية بحيث لا يتسرّب إليها فهم مدارك القرآن ومعرفة أحكامه وأسراره وغاياته، وفي آذانهم ما يمنع من سماع صوته. فمعنى قوله تعالى:{أَنْ يَفْقَهُوهُ} أي لئلا يفهموا القرآن، والوقر: هو الثقل الذي يمنع من سماع القرآن سماع انتفاع واهتداء به.
ونظير الآية قوله تعالى: {وَقالُوا: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ، وَفِي آذانِنا وَقْرٌ، وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ} [فصلت 5/ 41].
والحجاب المستور أي الساتر، فهو يستر البصائر عن أن تبصر حقائق الأشياء، ومعنى جعل الأكنة على القلوب: أي جعل القلوب في الأكنّة، والأكنّة جمع كنان: الذي يغشى القلب، فصار التغليف والحيلولة دون الفهم من الظاهر والباطن والأعلى والأسفل، وأوصد الله الآذان وصمّها عن السّماع سماع وعي وفهم وتدبّر، فهم كانوا عقلاء سامعين فاهمين، والمراد بالآية منعهم عن الإيمان، ومنعهم عن سماع القرآن بحيث لا يقفون على أسراره، ولا يفهمون دقائقه وحقائقه، وذلك لتأصّل الشرك في نفوسهم، وعدم إعمال أفكارهم في حقائق الدّين.
وقد تقدّم ما روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا قرأ القرآن، قام عن يمينه رجلان وعن يساره آخران من ولد قصيّ يصفّقون، ويصفرون، ويخلّطون عليه بالأشعار.
{وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ.} . أي وإذا وحّدت الله في تلاوتك وقلت: لا إله إلا الله، ولم تقل: واللاّت والعزّى، ولّوا أي أدبروا راجعين على أدبارهم نافرين نفورا، تكبّرا من ذكر الله وحده، كما قال تعالى:{وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} [الزّمر 45/ 39] وذلك لأنهم مشركون، فإذا سمعوا بالتّوحيد نفروا.
{نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ.} . نحن يا محمد أعلم بالنّحو الذي يستمعون به