المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وقيل في قول ابن عباس: أخوان من بني إسرائيل، أحدهما - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ١٥

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الإسراء

- ‌تسميتها:

- ‌فضلها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌الإسراء وإنزال التوراة على موسى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول آية الإسراء:

- ‌رأي العلماء في الحادث:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أحوال بني إسرائيل في التاريخ

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أهداف القرآن الكريم

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الصفة الأولى:

- ‌الصفة الثانية:

- ‌الصفة الثالثة:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌التذكير بنعم الله في الدنيا ودلائل القدرة الإلهية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء من أراد الدنيا ومن أراد الآخرة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أصول تنظيم المجتمع المسلمالتوحيد أساس الإيمان وترابط الأسرة المسلمة دعامة المجتمع

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (26):

- ‌نزول الآية (28):

- ‌نزول الآية (29):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أصول أخرىلنظام المجتمع الإسلامي

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌خاتمة معبرة:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تقريع على نسبة الولد والشريك إلى الله تعالى

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌والخلاصة:

- ‌حماية النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين إذا قرأ القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (45):

- ‌نزول الآية (46):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إنكار المشركين البعث والرّد عليهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مجادلة المخالفين باللين وبالتي هي أحسن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تفنيد آخر لشبهات المشركين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (56):

- ‌نزول الآية (59):

- ‌نزول الآية (60):

- ‌نزول الآية (60) أيضا:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة آدم مع إبليس-أمر الملائكة بالسّجود

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض نعم الله تعالى على الإنسان

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وهل الإنسان أفضل أو الملائكة

- ‌أحوال الناس مع قادتهم يوم القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌محاولة المشركين فتنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وطرده من مكة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (73):

- ‌نزول الآية (76):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أوامر وتوجيهات وتعليمات للنبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (80):

- ‌نزول الآية (85):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إعجاز القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول: نزول الآية (88):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌اقتراح المشركين إنزال إحدى آيات ست

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌من شبهات المشركينبشرية الرسل وإنكار البعث

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الآيات التسع لموسى عليه السلام وصفة إنزال القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌دعاء الله بالأسماء الحسنى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية: {قُلِ: اُدْعُوا اللهَ

- ‌نزول الآية: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها}:

- ‌نزول الآية (111):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الكهف

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌فضل هذه السورة:

- ‌كيفية الحمد والثناء على الله تعالى ومهام القرآن العظيم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة أصحاب الكهف

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (24): {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌إجمال القصة:

- ‌تفصيل القصة:

- ‌زمنهم أو عصرهم:

- ‌إصرارهم على توحيد الله:

- ‌تنديدهم بعبادة قومهم الأصنام:

- ‌العزلة بينهم وبين قومهم:

- ‌حالهم في الكهف وانحسار الشمس عنهم:

- ‌مكان الكهف:

- ‌قدرة الله تعالى وعنايته ولطفه:

- ‌بعثتهم من نومهم صحاح الأبدان بعد ثلاث مائة سنة وتسع سنين:

- ‌الوكالة في شراء الطعام:

- ‌اطلاع الناس عليهم:

- ‌آراء القوم في شأنهم بعد اطلاعهم عليهم:

- ‌عددهم:

- ‌إرشاد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولأمته بتعليق الخبر بمشيئة الله:

- ‌مدة لبثهم في الكهف:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌توجيهات للنّبي صلى الله عليه وآله وسلم وللمؤمنينتلاوة القرآن والصبر على مجالسة الفقراء وإظهار كون الحق من عند الله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (28):

- ‌نزول آية {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صاحب الجنتينمثل الغني المغتر بماله والفقير المعتز بعقيدته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مثل الحياة الدنيا

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تسيير الجبال والحشر وعرض صحائف الأعمال يوم القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة السجود لآدم عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بيان القرآن ومهمة الرسل وظلم المعرض عن الإيمانوسبب تأخير العذاب لموعد معين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الصفة الأولى:

- ‌الصفة الثانية:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة موسى عليه السلام مع الخضر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌قصة موسى والخضر في السنة النبوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌قصة السفينة:

- ‌قصة الغلام:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: وقيل في قول ابن عباس: أخوان من بني إسرائيل، أحدهما

وقيل في قول ابن عباس: أخوان من بني إسرائيل، أحدهما كافر، اسمه فرطوس، والآخر مؤمن اسمه يهوذا أو قطفير، ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار، فتشاطرا، فاشترى الكافر بها ضياعا وعقارا، وصرفها المؤمن في وجوه الخير، وآل أمرهما إلى ما حكاه الله تعالى ولم تثبت صحة هذه الأقوال.

وعن مقاتل: هما المذكوران في سورة الصافات في قوله تعالى: {قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ: إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ} [51]. وهما من بني إسرائيل، كما ذكر ابن عباس.

‌المناسبة:

بعد أن أمر الله تعالى نبيه بملازمة مجالس أصحابه الفقراء، وعدم الاستجابة لمطالب المشركين المتجبرين بطرد الضعفاء المؤمنين، حتى لا يتساووا معهم، ولا يؤذوا بمناظرهم وروائحهم، فيمتهن كبرياؤهم وتتدنى عزتهم، أردف ذلك بمثل للغني الكافر، والفقير المؤمن؛ لأن الكفار افتخروا بأموالهم وأنصارهم على فقراء المسلمين، فأبان تعالى أن المال ليس سبيل الافتخار، لاحتمال أن يصير الفقير غنيا، والغني فقيرا، وإنما المفاخرة تكون بطاعة الله وعبادته، وهي حاصلة لفقراء المؤمنين.

‌التفسير والبيان:

هذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين وأمثالهم المستكبرين عن مجالسة الضعفاء والمساكين من المسلمين، وافتخروا بأموالهم وأحسابهم.

{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ..} . المعنى: اضرب مثلا أيها الرسول لهؤلاء المشركين بالله الذين طلبوا منك طرد المؤمنين الدعاة المخلصين لله صباح مساء وفي كل وقت. ذلك المثل هو حال رجلين، جعل الله لأحدهما جنتين، أي بستانين من أعناب، محاطين بنخيل، وفي وسطهما الزروع، وكل من الأشجار والزروع

ص: 251

مثمر مقبل في غاية الجودة، فجمع بين القوت والفاكهة. فقوله:{وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ} أي وجعلنا النخل محيطا بالجنتين.

والرجلان أخوان أو صديقان أو شريكان من بني إسرائيل، أحدهما: كافر مغتر بدنياه، والثاني: مؤمن موحد بالله.

والقصد من هذا المثل العظة والعبرة، فقد آل حال الكافر المغرور إلى الدمار والإفلاس، لكفران النعم وعصيان الله، وظل المؤمن الفقير على طاعة الله، بالرغم من معاناته الشدائد والمتاعب، فآتاه الله الخلود في الجنة.

{كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها} أي أخرجت الجنتان ثمرهما.

{وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً} ولم تنقص منه شيئا في كل عام.

{وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً} أي وشققنا وأجرينا وسط الجنتين نهرا، تتفرع عنه عدة جداول، لسقي جميع الجوانب.

{وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ} أي وكان لصاحب البستانين أنواع أخرى من المال من النقدين (الذهب والفضة) بسبب التجارة وتنمية ثمار الأرض.

وأدى به هذا الغنى إلى الزهو والكبرياء والاغترار بالمال، شأن كل غني مغرور. {فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً} أي فقال صاحب هاتين الجنتين لصاحبه المؤمن الفقير، وهو يجادله ويخاصمه ويحاوره الحديث، ويفتخر عليه: أنا أكثر منك ثروة، وأعز نفرا، أي أكثر خدما وحشما وولدا، وأقوى عشيرة ورهطا يدافعون عني.

وازداد به الغرور ظنه استمرار تلك الثروة وعدم فنائها لقلة عقله وضعف يقينه بالله، وهذا ما حكاه القرآن عنه:

{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ..} . أي ودخل هذا الثري المترف بستانه ذا

ص: 252

الجناحين مع صاحبه المؤمن الفقير الصالح، فقال اغترارا منه، وهو ظالم لنفسه بكفره وتمرده وتجبره وإنكاره المعاد حين عاين الثمار والزروع والأنهار المتدفقة في مزرعته: ما أظن أن تفنى هذه الجنة أبدا، وما أظن أن يوم القيامة آت، كما تقول يا صاحبي، فقوله:{السّاعَةَ قائِمَةً} ، أي القيامة كائنة. وكان في الحالين مخطئا ظالما لنفسه بوضعه الشيء في غير محله؛ إذ كان يجب عليه شكر تلك النعمة، وتفكره في عالم الآخرة، وذلك لطول أمله، وشدة حرصه، وتمام غفلته، وشدة اغتراره بالدنيا.

ثم أقسم على فرض لقاء ربه بقوله:

{وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً} أي إن رجعت إلى ربي، على سبيل الفرض والتقدير، وكما يزعم صاحبي، لألفين في الآخرة عند ربي خيرا وأحسن من هذا الحظ في الدنيا، تمنيا على الله، وادعاء لكرامتي عنده ومكانتي لديه، وأنه لولا كرامتي عليه ما أعطاني هذا، ولولا استحقاقي واستئهالي ما أغناني في الدنيا، كما جاء في آية أخرى على لسان الكافر:{وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى} [فصلت 50/ 41].

فأجابه المؤمن بقوله: {قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ: أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ، ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ، ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلاً} أي أجابه صاحبه المؤمن واعظا له، وزاجرا عما هو فيه من الكفر والاغترار: أكفرت بمن خلقك من تراب؟ أي خلق أصلك من تراب، وخلق أصله سبب في خلقه، فكان خلقه خلقا له، وكذلك غذاؤك وغذاء الحيوان من النبات، وغذاء النبات من الماء والتراب، ثم يتحول هذا الغذاء دما، يتحول بعضه إلى نطفة تكون وسيلة للخلق، ثم خلقك بشرا سويا تام الخلق والأعضاء، فقوله:{سَوّاكَ} معناه عدّلك وكمّلك إنسانا تاما، بالغا مبلغ الرجال.

ص: 253

وقد وصفه صاحبه بأنه كافر بالله، جاحد لأنعمه؛ لشكه في البعث.

{لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً} أي لكن أنا لا أقول بمقالتك، بل أقرّ لله بالوحدانية والربوبية، ولا أشرك به أحدا، بل هو الله المعبود وحده لا شريك له.

ثم قال له مذكرا بوجوب الإيمان بالله: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ، قُلْتَ:}

{ما شاءَ اللهُ، لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ} أي هلا إذا أعجبتك حين دخلتها ونظرت إليها، حمدت الله على ما أنعم به عليك، وأعطاك من المال والولد ما لم يعط غيرك، وقلت: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، أي الأمر ما شاء الله، والكائن ما قدره الله، ليكون ذلك دليلا على عبوديتك والاعتراف بالعجز.

ولهذا قال بعض السلف: من أعجبه شيء من حاله أو ماله أو ولده، فليقل:{ما شاءَ اللهُ، لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ} ، عملا بهذه الآية، وبما روي من

الحديث المرفوع الذي أخرجه الحافظ أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل أو مال أو ولد فيقول:

{ما شاءَ اللهُ، لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ} ، فيرى فيه آفة دون الموت».

وثبت في صحيح مسلم عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: «ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله» .

ثم أجابه عن قضية الافتخار بالمال والولد:

{إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً، فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ.} . أي إنك إذ تنظر إلي بأني أفقر منك في المال، وأقل منك أولادا وعشيرة في هذه الدنيا الفانية، فإني أتوقع انقلاب الحال في الآخرة، وأرجو أن يعطيني الله خيرا من جنتك في الدار الآخرة، ويرسل على جنتك في الدنيا التي ظننت أنها لا تبيد ولا تفنى عذابا من السماء، كمطر شديد يقلع زرعها وأشجارها

ص: 254

أو صواعق، فيسلبك نعمته ويخرّب بستانك، وتصبح أرضا بيضاء لا نبات فيها، وترابا أملس، لا يثبت فيه قدم، وينزلق عليها لملاستها انزلاقا. وقوله:

{فَعَسى رَبِّي} أي فلعل ربي.

أو يصبح ماؤها غائرا في الأرض، فلن تتمكن من إدراكه بعد غوره، ولن تستطيع ردّ الماء الغائر بأية حيلة.

وتحقق ما توقعه المؤمن فقال:

{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ، فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها..} . أي ونزل الإهلاك والجائحة بالأموال والثمار بإرسال الحسبان على جنته التي اغتر بها، وألهته عن الله عز وجل، ودمرت أمواله وثماره، فأصبح نادما متحسرا على ضياع نفقته التي أنفقها عليها، فتقليب الكفين كناية عن الندم والتحسر، وتمنى متذكرا موعظة صاحبه أن لم يكن أشرك بربه أحدا، والخاوية على عروشها: هي التي سقطت عرائشها على الأرض، قيل: أرسل الله عليها نارا فأكلتها، وسقط بعضها على بعض.

{وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ، وَما كانَ مُنْتَصِراً} أي ولم تنصره وتفيده عشيرة أو ولد، كما افتخر بهم واعتز، وما كان منتصرا أي ممتنعا بقوته عن انتقام الله تعالى.

{هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلّهِ الْحَقِّ} هذا تأكيد للجملة السابقة، أي أنه في هذه الحال من الشدة والمحنة تكون النصرة لله وحده، ويؤمن فيها البرّ والفاجر، ويرجع كل أحد مؤمن أو كافر إلى الله وإلى موالاته والخضوع له إذا وقع العذاب. والولاية: السلطان والملك والنصرة والحكم.

{هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً} أي أن الله خير جزاء، وأفضل عاقبة لأوليائه المؤمنين، فينصرهم ويعوضهم عما فقدوه في دار الدنيا، ويكون ثواب الأعمال التي

ص: 255