الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما ذكر تعالى أنه واحد، وإن تعددت أسماؤه، أمر الله تعالى نبيه أن يحمده على ما أنعم به عليه من شرف الرسالة والاصطفاء، ووصف نفسه بأنه لم يتخذ ولدا، للرد على اليهود والنصارى والعرب الذين عبدوا الأصنام، وجعلوها شركاء لله، والعرب الذين عبدوا الملائكة واعتقدوا أنهم بنات الله، فنفى الولد أولا، ثم نفى الشريك في ملكه، ثم نفى الولي وهو الناصر، والشريك أعم من الولد، والولي الناصر أعم من نسبة الولد والشريك، فهو أعم من أن يكون ولدا، أو شريكا أو غير شريك.
التفسير والبيان:
هذا رد على المشركين الذين أنكروا إطلاق اسم الرحمن على الله عز وجل، فقال:{قُلِ: اُدْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ.} . أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين في مكة المنكرين صفة الرحمة لله تعالى، المانعين من تسميته بالرحمن: لا فرق في دعائكم لله باسم الله أو باسم الرحمن فإنه ذو الأسماء الحسنى. قال في الكشاف: الله والرحمن المراد بهما الاسم، لا المسمى، وأو للتخيير، فمعنى {اُدْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ} سموا بهذا الاسم أو بهذا، واذكروا إما هذا، وإما هذا، والدعاء بمعنى التسمية، لا بمعنى النداء
(1)
.
وقوله {أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى} التقدير: أيّ هذين الاسمين سميتم وذكرتم، فكل أسمائه حسنى، فيها تعظيمه وتقديسه، كما قال:{لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى، يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} [الحشر 24/ 59] فأي اسم تدعونه به فهو حسن.
ثم أرشد الله إلى كيفية القراءة والدعاء، فقال:
{وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً} أي ولا تجهر
(1)
الكشاف: 249/ 2.
بقراءة صلاتك، حتى لا يسمع المشركون فيسبوا القرآن، ويسبوا من أنزله، ومن جاء به، ولا تخافت بها عن أصحابك، فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك، وابتغ بين الجهر والمخافتة سبيلا وسطا، فهذه هي الطريقة المثلى في القراءة، وهي الحد الوسط بين الجهر بالصوت والإسرار والإخفات فيه، ففي الجهر حتى لا يتفرقوا عنه ويأبوا أن يسمعوا منه، أو يسبوا القرآن، وفي الإسرار ليسمع من أراد السماع فينتفع به.
ثم علّمنا تعالى كيفية الحمد، فقال:
{وَقُلِ: الْحَمْدُ لِلّهِ..} . أي وقل: لله الحمد والشكر على ما أنعم على عباده، وهو الموصوف بالصفات الثلاث التالية لتنزيه نفسه عن النقائص:
الأولى-إنه لم يتخذ ولدا: فهو غير محتاج إليه، واتخاذ الولد من صفات الحوادث، وهو منزه عنها. وفي هذا رد على اليهود القائلين: عزيز ابن الله، والنصارى القائلين: المسيح ابن الله.
الثانية-ليس له شريك في الملك والسلطان: لأنه أيضا غير محتاج إليه، ولو احتاج إلى شريك لكان عاجزا، ولأن تعدد الآلهة يؤدي إلى الفساد والنزاع:
{لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا} [الأنبياء 22/ 21]. ولم يعرف المستحق للعبادة والحمد والشكر.
الثالثة: لم يكن له ولي من الذل: أي ليس بذليل حتى يوالي أحدا لمذلة، من ولي أو وزير أو مشير، بل هو تعالى خالق الأشياء وحده لا شريك له، ومدبرها ومقدرها بمشيئته
(1)
.
ومجموع هذه الصفات في قوله سبحانه:
(1)
تفسير الرازي: 71/ 21.