الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خبر الشابين اللذين مضيا إلى ربهم:
في عصر عيد الفطر المبارك 1408 هـ وقع حادث مروري لمجموعة من الشباب، فكان من نتائجه وفاة الأخ محمد بن عبد الله السدرة والأخ عبد الرحمن النودل، رحمهما الله، ولقد كان السيرة هذين الشابين المؤمنين العاملين، تأثير حميد في نفوس كل من عرفوهما وزاملوهما، وكان لوقع وفاتهما صدى حزين في قلوب الجميع، وتترجم هذا الإحساس العميق لفقدهما، في تزاحم الناس من مختلف الطبقات على مواساة وتعزية أسرتيهما مشافهة ومكاتبة، ورثاهما بعض زملائهما بقصائد جياشة صادقة.
وقد زرت الأخ عبد الله السدرة، لأعزيه، فوجته راضيًا محتسبًا، لا تسمع منه إلَّا الحمد والرضى بقدر الله، وقال لي:(إنني مسرور بهذه الخاتمة الحسنة لولدي، فقد مضي مطيعا لله، بارا بوالديه، مؤديا حقوق الله وحقوق الناس، وتلك شيء إذا تذكرته حمدت الله عليه، فالموت حق، وهو مصير كل حي، وقرأت على الأخ عبد الله قول الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} (1).
وقلت له: (إن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، القدوة الحسنة، فقد عاش يتيمًا، حيث فقد أباه وأمه، ثم جده وعمه، ثم زوجته رضي الله عنهما، وأبناءه بعد ذلك، ثم ابنته فاطمة رضي الله عنها، والتي لحقت بربها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بستة أشهر، هذا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي اصطفاه الله من خلقه، وجعله خاتم أنبيائه ورسله، فما أحرانا نحن أتباعه أن نتأسى بصبره ورضاه عند المصائب وهو أمر أوجبه الله علينا حين قال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (2).
(1) سورة الأنبياء، الآية 34.
(2)
سورة الأحزاب، الآية 21.
وتحدث إليَّ الأستاذ صالح الدوسري (1)، فقال: (كان الأخوان محمد السدرة، وعبد الرحمن النودل مثالًا للشباب الصالح المنتج، وهما من طلاب حلقة من حلقات جماعة تحفيظ القرآن الكريم ببريدة، يحفظ الأول ستة وعشرين جزءًا، ويحفظ الأخر عشرة أجزاء من القرآن الكريم، وكانا يساهمان مساهمة جدية في المراكز الصيفية، ومخيمات وزارة المعارف، ولهما تأثير نافع في وسطهما، والأخ محمد السدرة، في المستوى الأول بكلية الهندسة، جامعة الملك سعود بالرياض، أما عبد الرحمن النودل، فطالب بالثانوية العزيزية ببريدة.
وفي شهر رمضان توجه الاثنان إلى مكة للعمرة مع ثلاثة من زملائهم هم: عبد العزيز الوشمي، وعبد الكريم الحبيب، وعبد الحكيم الغنام، وقضوا العشر الأواخر من رمضان بمكة، وقد اجتمعت بهم يوم ثمانية وعشرين وتسعة وعشرين في الحرم - الحديث للأخ الدوسري.
وبعد صلاة الفجر من يوم تسعة وعشرين قال لي الأخ عبد الرحمن النودل: أريد أن أمتحن حفظك قلت له: أسمعك سورة (يونس) قال، لا، بل سورة (القمر) وابتدأت السورة من أولها {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} وختمتها {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} وما أن أتممتها حتى دخل علينا أحد الزملاء، وأخذ يجاذبنا الحديث، وقد وقع الحادث بعد خمسة وثلاثين ساعة تقريبًا من هذا الموقف! وحين أتذكر إصرار الأخ عبد الرحمن عليّ اختيار هذه السورة بالذات، أعجب في نفسي وأترحم عليه، فسبحان الذي وقت الآجال، وقدر ساعات كل إنسان على هذا الكوكب، وقد صلى الخمسة صلاة العيد بالحرم الشريف، وتوجهوا عند الظهر إلى بريدة، وحين خرجوا من الطائف وتجاوزوا الحوية فاجأهم قدرهم المحتوم عصر ذلك اليوم، حيث تمزق العجل الأمامي، فاختل توازن السيارة، وانقلبت، فتوفى الله الأخوين:(السدرة) و (النودل) رحمهما الله، وأصيب الأخ
(1) شاب فاضل، على درجة كبيرة من الوعي والاستقامة، يعمل مدرسًا وإمامًا لأحد مساجد حي الصفراء ببريدة.
(الوشمي) شفاه الله، وحالته - والحمد الله - مطمئنة، وسلم الله الباقين.
ومما يحسن ختم موضوعنا به، هاتين المرثيتين، الأولى للأستاذ حسن الحميد (1)، المحاضر بفرع جامعة الإمام بالقصيم، يرثي فيها الأخ (السدرة) رحمه الله، وهي قصيدة طويلة نقتطف منها ما أمكن، يقول في مطلعها:
قالوا تجمل قلت هذا تجملي
…
فؤاد أسيف لا يكف وهطال
عليك أبا كعب أيا كعب حرقة
…
وقد حان حين لا يرد وآجال
عليك أخي في الله ما كنت راحلًا
…
فما الموت يختال الجسوم ويغتال
ثم يقول:
عليك أخي في الله ما كنت راحلًا
…
بلاؤك والمعروف ترويه أجيال
عليك أخي في الله ما كنت جاهلًا
…
وما كان من سيماك لغو وتجهال
هنيئًا له نال المنى فسما بها
…
وبادر قبل الفوت والعمر رحال
سنذكره بالخير في كل مربع
…
له موطئ فيه وذكر وأقوال
أما القصيدة الثانية، فللأستاذ الأخ صالح الدوسري: يقول:
يا رب
…
عونك إنني
…
أرجو نداك وأطلب
أنزل على قلبي السكينة
…
من لطفك يرقب
ثم يقول:
يوم الثلاثا
…
(عصره)
…
جاء الأحبة يندبوا
أواه
…
! ماذا؟ ما نقول
…
أصادق ما تكذب
بـ (محمد) وبـ (نودل)
…
حم القضاء فأعطبوا؟
(1) أستاذ قدير، يعمل محاضرًا في كلية العلوم العربية والاجتماعية، وهو شاعر متمكن يحسن القول والإلقاء، ينهج في شعره منهجًا إسلاميًا.
وقبل نهايتها يقول:
أبكي شبابًا ظل في
…
سبل الفضيلة يدأب
لم يغرهم عنها متاع
…
في الحياة محبب
ما آثروه لأجلها
…
كلا ولم يتذبذبوا
نسأل الله لنا ولهم الرحمة والغفران، ولذويهما الصبر والسلوان، فهو الهادي سبحانه وتعالى (1).
وأخيرا كتب إليَّ أحد الإخوة من أسرة (النودلي) منبهًا على أن أصل الأسرة كان من عيون الجواء أو أنهم عرفوا بسكنى عيون الجواء، وذكر أن من أسرة النودلي رجالًا سافروا مع العقيلات وهم تجار المواشي إلى الشام وبعضهم استوطن في بلاد الشام في سوريا، منهم حسين النودلي، وكذلك منهم من سكن العراق في منطقة الزبير حيث تعرف في مدينة الزبير سكة باسم سكة ابن نودل تسمية لمن استوطن في تلك المدينة منهم، والراجح أنه منيع النودل.
فمن الأسرة من يعرفون حاليًا بالنودلي كما في مدينة بريدة، ومن يسمى بالعيوني (نسبة إلى عيون الجواء) كما في مدينة عنيزة.
وبرز من هذه الأسرة شخصيات عرفت في المجتمع، فمنهم الملقب (الذعيت) وهو إبراهيم بن حمد النودلي الذي شارك في معارك توحيد الجزيرة العربية واستشهد في معركة أبرق الرغامة، ومحمد بن سليمان النودلي المعروف بلقب (عوجان) الذي عمل في الديوان الملكي منذ عهد الموحد الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله حتى عهد الملك فهد رحمه الله، ومن ثم بعض أبنائه مثل سليمان ومنصور وفهد.
(1) من أفواه الرواة، ص 185 - 187.