الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النجدة من أهل الحلوة على بعدهم، وإنما طلبها من أهل الجناح.
ويقول الإخباريون: إنه عندما جاء أولئك الجماعة من جماعة الدبيخي، ورأوا القصيم وكثرة مائة وخصب ارضه انتقل منهم أناس أيضًا مثله منهم السحيم والجار الله وكلهم من الجبور من بني خالد.
أما الزمن الذي جرى فيه انتقال أول (الدباخَى) إلى القصيم فهو في أول القرن الحادي عشر أي سنة ألف ونيف لأنهم يعدون 8 أجداد لهم في منطقة الخبوب قبل أن يصلوا إلى جدهم الأول حسبما يعرفون، وذلك يقارب 370 سنة أو أربعمائة سنة في المعتاد والله أعلم بالمراد.
إن صديقنا النبيل عثمان بن عبد الله الدبيخي من الرجال المتميزين، فهو إخباري صادق اللهجة، وهو وجيه من الوجهاء ذوي مستوى عالٍ من التفكير، كما سبق ذلك.
وقد وافاه أجله المحتوم في يوم 19/ 8 / 1428 هـ. وكانت ولادته في عام 1337 هـ.
وقد كتبت تأبينا له في جريدة الجزيرة التي تصدر في الرياض ونشر فيها يوم 27/ 8 / 1428 هـ.
وهذا نصه:
رحم الله الشيخ عثمان بن عبد الله الدبيخي:
فجعنا بوفاة أخ كريم وصديق عزيز هو الشيخ عثمان بن عبد الله الدبيخي من أعيان مدينة بريدة ووجهائها، ولذا وصفته بالشيخ.
ويصح أن يوصف الشيخ عثمان بأنه آخر بقية السلف القوي النشط من رجال عقيل الصابرين على متاعب السفر ومكابدة الأخطار، حيث يسافرون
بمواشيهم التي هي الإبل إلى بلاد الشام وفلسطين ومصر وسط أجواء الخوف والاضطراب قبل حكم الملك عبد العزيز آل سعود الشامل الأمن، وقد ورث هذه المهنة مهنة التجارة بالإبل والذهاب إلى الشام ومصر لهذا الغرض من والده: عبد الله الدبيخي الذي كان من كبار رجال عقيل وله في هذا المجال صولات وجولات وله أخبار تعجب وتطرب.
كان والده إذا عاد إلى بريدة من سفره الذي يستغرق وقتا طويلًا يلبس أفخر الملابس التي يلبسها الناس آنذاك وكان وجيها محترمًا من الجميع.
ومن العجيب أن يجمع الشيخ عثمان الدبيخي بين ثقافة تجارة المواشي التي تتصل بالشام ومصر وتحتاج إلى معرفة أحوال البلاد التي تستهدف فيها التجارة، ومع ذلك هو مثقف ثقافة عصرية واسعة يخيل لمن يجلس إليه ويسمع حديثه أنه أمام رجل حاصل على شهادة عليا فيما يتحدث فيه.
وبذلك كنت أعتبر أن الشيخ عثمان بن عبد الله الدبيخي مرجع مهم لأخبار عقيل تجار المواشي، كما أعتبره مصدرا موثقا بمعرفة رجالهم وقصصهم وأخبارهم، وقد استفدت منه أشياء في هذا الموضوع رحمه الله وجزاه عنا خيرًا.
ولد الشيخ عثمان الدبيخي في مدينة بريدة، ولما شب عن الطوق أخذه والده معه إلى الشام ومصر، التي تكثر فيها التجارة الشاقة والتي أقل ما فيها من يتعرض في طريقه إلى التقلبات الجوية وإلى أخطار هوام الصحراء وحشراتها وإلى معاناة تدبير رعاة الإبل والقائمين على خدمتها، فصقلته تلك الأشياء وأعلمته من صغره الصبر والتحمل لبلوغ الهدف.
وأما أسرته فقد سكنوا خبا من خبوب بريدة القديمة ويسمى (القويع) على لفظ التصغير (القاع) منذ التاريخ المذكور، ثم انتقل بعضهم إلى (خب المريدسية) الذي هو مثل خب القويع، قرية زراعية مزدهرة واقعة بين حبلين
طويلين من الرمال والحبل من الرمال هو الكثيب من النقود الممتد من الشمال إلى الجنوب يكون خلفه أرض زراعية طينية بعدها كثيب آخر ممتد وهكذا هي طبيعة خبوب بريدة.
وقد أقبل الشيخ عثمان الدبيخي في آخر حياته على الأعمال الخيرية وبذل المال في ذلك، حتى صار من يبحث عن المساعدة على فعل الخير لابد أن يمر إلى ذهنه في أول الأمر اسم (عثمان بن عبد الله الدبيخي).
وكانت له عادة حميدة عرفتها له منذ أكثر من عشرين سنة، وهي أنه يستأجر شقتين قريبتين من المسجد الحرام فيقضي شهر رمضان من كل عام في إحداهما، ويدعو إلى الأخرى بعض أقاربه وضيوفه يصومون في مكة المكرمة ضيوفًا عليه في الشقة الأخرى.
إن ذاكرة الشيخ عثمان الدبيخي كانت تضم تراثًا نفيسًا كنت خفت عليه من الضياع بعد أن كبر سنه لذا اقترحت عليه أن يسجل ما يحفظه من هذه الأمور المهمة التي هي جزء من تاريخ منطقتنا وبلادنا ويصح أن تعتبر من التاريخ الذي أهمله التاريخ.
وأنا أعرف حالته في كبر السن وعظم المسؤولية عليه ومشقة أن يكتب ذلك كتابة، ولذلك طلبت أن يسجل ما يعرف بلغة عفوية من تلقاء نفسه أو بواسطة أحد الإخوة المهتمين بالتاريخ أو عن طريق نادي القصيم الأدبي أو غيره ثم يستخرج من ذلك التسجيل ويبوب، وعرضت عليه أن أقوم بترتيبها وتبويبها فرحب بذلك، لكنه لم يخبرني أنه نفذه مما يدل على أنه لم تمكنه مشاغله من ذلك.
وفي هذه المناسبة الأليمة مناسبة انتقاله إلى جوار ربه نبتهل إلى الله تعالى أن يسبغ عليه مغفرته ورضوانه ونقدم عزاءنا لأسرته الكريمة كافة،
ولأصدقائه الذين لهم جلسات أسبوعية منتظمة معه، ونخص بالتعزية الأستاذ الوجيه عبد الله بن سليمان الربدي، والشيخ الوجيه عبد الله بن وائل التويجري والأستاذ إبراهيم العمار، والأستاذ سليمان بن عبد الله العبد.
ومن الطرائف المتعلقة بالدبيخي ما حدثني به والدي رحمه الله قال اشترى والدي (جَدُّك) ثمرة تينة كبيرة من الدبيخي في ملكه بالقويع فكان يذهب وأنا معه، ومعنا ابن عمي عبد الكريم بن عبد الله العبودي مع كل واحد ماعون غالبًا ما يكون مطبقة نجني ثمر التين من تلك الشجرة وندخل به إلى بريدة فنأكل منه طازجًا والباقي نجففه ونحطه في قاعة الجصة أسفل التمر.
قال والدي: وكان الدبيخي أعد لنا مشاغير: جمع مشغار وهو العصا الطويلة تكون في رأسها شعبة واسعة الأعلى ضيقة الأسفل فكنا نقطف التين من أغصان الشجرة العالية بأن ندخل الثمرة في هذا المثلث ثم نلويه فنضغط على جذعها وتقع.
قال: ومرة جاء رجل من أهل تلك الناحية مشهور بأنه (عَيَّان) يصيب الناس بعينه ورآنا مع والدي فقال له: يا العبودي: إن كان الجدا أنت وها الرضعان معك ما أنتم مسوين شيء بها التينة لازم تصيحون لأهل القويع كلهم حتى يجنون معكم ثمرها.
وقال: وكان الدبيخي صاحب الحائط الذي فيه التينة يسمعه فأمسك به من عنقه، وصاح به قائلًا: أنت تبي تنحت تينتي، والله ما أخليك لما تزغل بحوضه.
فقال الرجل وهو يريد أن يخلص نفسه: أهلل عليها هالحين ثم أخذ يتفل نحوها وهو يقول: لا إله إلَّا الله محمد رسول الله.
فقال الدبيخي تهليلك هذا لثمرتها أنا أخاف أنك تنحت جذعها، يا الله زغل في حوضها وكان الناس يعتقدون أن العائن إذا بال في أسفل شجرة أو نحوها
كان أصابها بالعين أن (عينه) لا تضرها.
قال والدي: فأحتد والدي، وقال: يا الدبيخي، والله إن كان هو زَغَّل تحتها إني لأخليها، أنا أكل من شجرة شاربة زغولة رَجَّال؟
ورضي الدبيخي بأن يتفل العَيّان على الشجرة ويذكر الله!
ومن طرائف الشاعر العامي (محمد العيدي) التي فيها ذكر (الدبيخي) أنه كان يزرع القمح على أرضه المعروفة بقليب العيدي في المتينيات ولكنه تركها لعجزه عن وجود من يدينه ونزل بريدة من دون أن تكون له وسيلة للعيش، مثل كثير من الناس في ذلك الوقت.
وكان من عادة أهل المدن والقرى الذين لا نخيل لهم أن يشتري الشخص نخلة من أرباب النخيل القريبة من البلد يخرف منها الرطب عندما يطيب ثم يجد آخرها.
ولكن ذلك يحتاج إلى أن يكون لديه ثمن تلك النخلة والعيدي لم يكن ممن يملكون ثمنها فكان يخرج إلى النخيل القريبة يظهر كأنه يريد شراء نخلة فيأكل من الرطب وأطايب البسر يظهر كأنما هو يجرب أكلها.
ومرة خرج في مثل ذلك الوقت الذي يكون عادة في منتصف شهر أغسطس إلى القويع، وفعل مثل ما كان يفعله مع الدبيخي فلاح صاحب نخل هناك، فقال له الدبيخي: ما أظن إنك تبي تشري أظن أنك بس تبي تأكل.
فقال العيدي: كيف، الله يهديك: الدراهم عند إبراهيم العبودي في دكانه، والله إن الدراهم بدكان العبودي إبراهيم، فاطمئن الدبيخي إلى قوله، وأكل من رطب النخلة التي أشتري ثمرتها من الدبيخي بثلاثة ريالات ونصف، ثم أخذ معه عدة شماريخ علقها في يده أعطاها له الدبيخي من بسر تلك النخلة المنقط.
وفي المساء ذهب العيدي إلى العبودي وهم عم والدي وله دكان فيه طبعًا