الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرويش:
بلفظ التكبير.
أسرة صغيرة من أهل بريدة جاء جدهم من أفغانستان ابتغاء طلب العقيدة الصحيحة، واسمه عبد الكريم، ولم يعرفه الناس فأسموه (الدرويش) على عادة أهل نجد في تسمية من لا يحسن التكلم بالعربية (درويش) وبخاصة إذا كان مسلمًا، وليست العربية لغته الأصيلة.
وعبد الكريم الدرويش من قبيلة رفيعة المستوى في أفغانستان، ولذلك كان لقبهم (الخان)، والخان في اللغة التركية الحديثة: الحاكم أو الملك، وإن كان صار يطلق الآن في باكستان وغيرها على من ينتمون إلى قبيلة معينة.
ذكروا أن سبب قدوم الشيخ عبد الكريم خان هذا الذي صار اسمه الدرويش أنه وقع في يده كتاب للشيخ محمد بن عبد الوهاب فرأى في أوله قول الشيخ رحمه الله (إعلم رحمك الله تعالى) فقال في نفسه: هذا الذي دعا للقارئ بالرحمة لابد أنه على حق، وسوف أذهب إليه، فتوجه من بلده قاصدًا مكة المكرمة للحج، ومعه رجل من جماعته اسمه (عبد الله) وكان قدومهما بالبحر عن طريق الخليج وعدن ومن هناك حجا وسأل عن أهل نجد فقيل له: إذا رأيت حجاجًا إبلهم سود فأسأل عنهم فوجدهم، وتوجه إلى نجد في أخر القرن الثالث عشر أو أول القرن الرابع عشر، وكان زاهدًا في الدنيا عابدًا معروفًا بالخير، فصار يتنقل في بلاد نجد للوعظ والإرشاد فأقام في بريدة والزلفي وتزوج في بريدة والبكيرية وسدير وله عقب صالحون، ومنهم أناس حملوا الشهادات العالية والعليا.
ذكروا أن الأمير عبد العزيز بن مساعد عندما كان أميرًا على بريدة
أعطاه أربعين ريالًا فأخذ منها ريالين وضعهما في بيته وقال: واحد ثوب للدرويش وواحد ثوب لحرمته، أو هرمته على حد تعبير بعضهم عنه.
ثم أخذ البقية وذهب للمسجد، ولكنه لا يريد أن يدخل إليه وهي معه فوضعها في كوة باب المسجد، فأخذها بعضهم وأخفاها.
فلما ذهب الدرويش ليأخذها لم يجدها فقال: شيطان أخذ شيطان.
رأي عبد الكريم الدرويش رجلًا متكبرًا يختال في مشيته، ولا يتكلم مع المستضعفين والفقراء، فأوقفه وبصق الدرويش في راحته أي باطن يده وهي يد الدرويش، وقال: له لا تكبر على الناس ترا أصلك من ذي أي من هذه البصقة من الماء التي ذكرها الله تعالى بأنها ماء مهين! ! !
اشترى الدويش أمير الأرطاوية ناقة بثمن غالٍ يزيد على 300 ريال وبلغ ذلك الدرويش فأخذ الأمير الدويش مع يده وقال: تعال، أوريك ناقتك التي أرخص من هذه، وقف به على النعش الذي يحمل عليه الموتى وقال: هذه ناقتك اللي توصلك للدار اللي ما تقدر تفارقها تحمل عليها بلاش.
مات عبد الكريم الدرويش عام 1345 هـ في الأرطاوية في سن التسعين، وكنت أعرف في صغري رجلًا اسمه الدرويش ذكر لي أنه ابن عبد الكريم الدرويش من زوجته التي تزوجها في بريدة، وله ابن أي حفيد لعبد الكريم الدرويش من مواليد 1256 هـ ولكنني نقلت عن بريدة فصار عملي في المدينة المنورة ثم الرياض ثم مكة المكرمة، ولم أتحقق من ذلك.
وما ذكرته عن سبب مجيئه إلى نجد هو ما حدثنا به الذين عرفوه وسألوه عن سبب قدومه، غير أن حفيده الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله بن الدرويش عبد الكريم آلف كتابًا عن جده بعنوان (الزاهد الشيخ عبد الكريم الدرويش: صور من حياته وكراماته) (الطبعة الأولى) كانت في عام 1425 هـ والطبعة الثانية
التي اطلعت عليها في عام 1436 هـ طبعت في طبعة مرامر للطباعة والتجليد في 117 صفحة.
وذكر سببًا آخر لقدومه وهو أنه أنكر على والده ما يصنع عند القبور من البدع فهم به القبوريون متهمينه بأنه وهابي فهرب منهم.
هذا ولا يعرف عند العامة والأعراب إلا عبد الكريم الدرويش ولكن طلبة العلم يسمونه عبد الكريم الخراساني، وخراسان القديمة موجود قسم منها في بلاد الأفغان لا يعرفها طلبة العلم إلَّا منه، وذلك يوضح أنه قدم من أفغانستان.
وسمعت والدي أكثر من مرة ينقل عن عبد الكريم الدرويش هذا قوله: إذا مات الأمير أي أمير البلدة أو القبيلة يقول ثلاثين أو خمسين منهم، ولو في الإمارة كل يقول: أنا أمير أنا أمير، وإذا مات العالم، قال الناس: شدوا الرحال، دوِّروا عالم.
وذلك لقلة العلماء وكثرة الأمراء.
وتروى عن عبد الكريم الدرويش قصص ونوادر من الكلمات منها ما سمعته عن أحدهم، قال: كان عبد الكريم الدرويش في الأرطاوية وكانت هجرة اللبادية رئيسهم الدويش وذلك بعد أن دين الأعراب أي دخلوا في الدين وتركوا حياة البادية، واستقروا في الهجر - جمع هجرة - وهي المستوطنة في البادية التي يبنيها الأعراب ابتداعًا ويقيمون فيها وهم على غاية من التدين، وقطع العلائق من الدنيا، حتى وصل ذلك ببعضهم إلى الغلو كما هو معروف.
وكان من عادة الناس في سائر نجد أن يصنعوا طعامًا في يوم الخميس من رمضان، يأكلونه ليلة الجمعة ويطعمون منه الفقراء وينوون ثوابه لبعض موتاهم.
وكان مع عبد الكريم الدرويش زوجته، فقال لها: يا فلانة: العادة في مثل هذه الليلة ليلة الجمعة أن يأتينا طعام من بيت أو أكثر من بيوت الإخوان فلماذا تطبخين
طعامًا ربما لا نحتاجه؟ فوافقته على ذلك، لم تطبخ لهم طعاما في ذلك اليوم.
ولكنهم لم يصلهم طعام من أي بيت فصاموا في السحر طاوين، وقال لها: هذا عقاب من الله عندما كنت توكلين على الله كان الطعام يجينا ويوم توكلنا على الناس ما جانا شيء وصمنا جائعين.
ولعبد الكريم الدرويش أبناء أكبرهم عبد الرحمن وتوفي ثم عبد الله اشتهر بأنه الذي ذبح ناقة الإمام عبد الرحمن الفيصل والد الملك عبد العزيز آل سعود، وحدثني بكيفية ذلك ابنه وهو حفيد الشيخ عبد الكريم الدرويش، وقد التقيته في الرياض قال:
كان الإخوان من طلبة العلم يعانون من نقص في الغذاء من ذلك أنهم إذا وجدوا العيش لم يجدوا الإدام.
وذلك في حدود العشر الخامسة من القرن الرابع عشر فذهب أبي وأخذ معه اثنين من أعوانه إلى ذلول وهي الناقة الطيبة المذللة للركوب وهي للإمام عبد الرحمن الفيصل والد الملك عبد العزيز وكانت باركة في مكان غير بعيد من بيته خارج الرياض فذبحها وأخذ يسلخ جلدها!
وفي هذه الأثناء رآه عبد للإمام عبد الرحمن فاسرع إلى سيده، قائلًا: يا عم، هذولا ناس يذبحون ناقتك، فلم يكد الإمام عبد الرحمن يصدق ذلك، إذْ لا يجرؤ أحد على ذبح ناقة لغيره فكيف إذا كانت ناقة والد الملك.
فلما رآها غضب، وقال بحدة لوالدي: وش بلاك على الناقة؟ فقال الدرويش: يا الإمام الإخوان محقِّين أي ليس عندهم دسم، ولهم مدة ما ذاقوا اللحم، قلت أذبح لهم الناقة ينتفعون بلحمها وأنتم تنتفعون بالأجر ولا يعجزكم أنكم تشرون غيرها.
وكان الإمام عبد الرحمن حليمًا، فخف غضبه، وقال: صدقت، الله يجعلها صدقة عليهم، ولم يعاقبه.
وقال لي بعض الإخوة: ربما كان إقدام عبد الله بن الدرويش على ذبح الناقة لكونها من بيت مال المسلمين حسب اعتقاده.
مات عبد الله بن الشيخ عبد الكريم الدرويش عام 1382 هـ عن نحو ثمانين سنة في الدمام.
وقد ترجم الشيخ صالح العمري للشيخ عبد الكريم الدرويش، فقال:
العالم العابد الورع الزاهد الشيخ عبد الكريم الخراساني: الشهير بالدرويش، يقال بأنه من ذرية خالد بن الوليد رضي الله عنه (1)، وأن أهله من ملوك خراسان، فر هاربًا بدينه مهاجرًا إلى ربه في هذه البلاد، تاركًا أهله وماله، وقد استوطن بريدة، ولازم العلماء ورجال الدين، ثم استوطن الزلفي والأرطاوية، عندما كانت غاصة برجال الدين والعلماء، وكان يجهر بكلمة الحق في كل مكان، وعند العلماء والملوك والأمراء لا تأخذه في الله لومة لائم، مع أنه غريب مهاجر، ولكنهم جميعًا كانوا يعرفون صدقه فلا يغضبهم قوله، وله كرامات عظيمة، حدثني الشيخ فهد العبد العزيز بن سعيد عن الشيخ محمد الناصر الوهيبي قال: سرنا لزيارة الشيخ عبد الله بن دخيّل والأخوان في المذنب ولم يكن معنا زاد فأدركنا الجوع والعطش، فاستقبل الشيخ عبد الكريم القبلة وقال لمن معه: إني داع فأمنوا ثم قال: (اللهم يا ذا الجود والكرم أرزقنا لبن بلا من ولا ثمن) ثم سرنا قليلًا فانحدرنا إلى مكان منخفض عنا، فإذا برعية من الإبل ومعها امرأة ترعاها فقالت المرأة للشيخ ورفقته: هل تريدون اللبن وألَّا نسكبه في الأرض؟ قالوا نريده، فأخذه وهو سقاء كبير ملآن باللبن الطيب فشربوا حتى اكتفوا.
(1) على قول من يقول إن لخالد رضي الله عنه عقبًا.