الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعريفات الدخيل:
وللأستاذ سليمان بن صالح الدخيل تعريفات وشرح لمصطلحات وتعبيرات كانت تعتبر بمثابة الألغاز عند أهل الأمصار آنذاك كأهل العراق أوردها صاحب الكتاب المذكور، ومن نماذجها:
العرائف:
جاءت لفظة العرايف بمعان شتى في لغة أهل نجد الحاليين، فنحن نذكر هنا أهمها، ثم نذكر في الآخر المعنى الذي عقدنا له هذا البحث فنقول: العرائف جمع عرافة بكسر الأول ويراد بها أولًا: ما يعرف به الشيء أي يعلم به بعد ضياعه أو فقده فيشمل الضالة، والذاهبة، والضائعة، والمسروقة، والمبطوحة، والعبد الأبق، والبعير الشارد، وغيرها، وإذا عرف الرجل ماله الضائع فوجده عند رجل آخر أو عند قوم غير قومه أطلق على ذلك المال اسم (العرافة) باسم المصدر فيقول صاحبه والمطالب به "عرافتي كذا أي مالي المفقود الذي وجد الآن هو عند فلان".
ومنهم من لا يطلق على الأشياء المفقودة اسم العرافة إلا بعد المطالبة بها أو حين الشروع بالمطالبة، ومنهم من يطلقها عليها حين العرف بها (أي حين العلم بها)، فإذا قيل مثلًا: الشيء الفلاني عرافة فهم السامعون أن الشيء الفلاني الضائع قد صار إلى غير صاحبه أو قد وجد عنده وهو لغيره.
وسواء كان حافظ المفقود رجلًا واحدًا أو قومًا، لأن المشروط في العرافة أن يكون الشيء منتقلًا إلى آخر بغير طريقة مشروعة عندهم لأن المشروعات عندهم هي البيع والشراء والمبادلة والكسب وغارة الضحى، وما شاكل ذلك في الغزوات من أخذ وسلب وغيرهما.
والعرافة عندنا هي غير العارفة، لأنك رأيت ما نريد بالأولي، فأما
العارفة فهو عندنا وعند أهل البادية جميعًا بمنزلة القاضي عند المتحضرة، وسمي بالعارفة على وزن فاعل مع تاء في الآخر، وهي تاء المبالغة كالراوية لا تاء التأنيث لأنه يعرف المتحاكمين إليه بالحق ويحكم به أو لأنه يعرفهم بحق كل واحد منهم حينما ارتضوه حكمًا لهم، وكان الأقدمون من العرب يسمونه الحاكم، وهو مشتق من الحكم لا من الحكمة كما يتوهمه قوم من الكتاب ومنهم أكثم بن صيفي وحاجب بن زرارة والأقرع بن حابس وعامر بن الظرب وهاشم بن عبد مناف وعبد المطلب بن هاشم.
وإذ علمت ما هي العرافة فأعلم الآن أنه يجوز عليها القرع، أما القرع عندنا، فهو عبارة عن التنبيه والإخطار أو بعبارة أخرى هو أن ينبه صاحب الضائعة لمن عنده حينما عرفها أنها له فيقول: إن عرافتي الفلانية هي عند فلان بن فلان أو عند العرب الفلانيين أو في المحل الفلاني وهي (مقروعة أو مقروع عليها أو مقروعة عليه)، وله وجه فصيح في اللغة من قرع السهم القرطاس إذا أصابه، لأن الإنسان إذا أصاب شيئًا مطلق الحرية بسهم من سهامه أخذه له فكيف لا يأخذه وهو له في الأصل، ولهذا لا يجوز للرجل أن يبيع العرافة أو المقروعة كما لا يجوز لأحد أن يشتريها إلى أن تنتهي المحكمة، فإن باعها خسر ثمنها أو ما يقابلها ودفعه إلى صاحبها الأول.
ويجوز لصاحبها بعد القرع أي بعد التنبيه أن يأخذها إن وجدها عند آخر وهو الذي وجدت عنده أخيرًا، أما هذا صاحبها الأخير فله حق استرجاع ثمنها من صاحبها الغير الشرعي وهو الذي وصلت منه إليه (وعلى تعبيرهم: الذي درجت منه إليه) وأما إذا انتهت المحاكمة بعد القرع فإن أثبت المدعي أنها له أخذها منه ودفع صاحبها إلى أن يتتبع الذي وجدت عنده إن كانت درجت إليه من أحد، فإن لم يثبت أنها له سقط القرع وجاز لذاك التصرف فيها، ولهذا البحث فروع كثيرة يطول ذكرها وليس هذا محلها.
ولكن هناك شيئًا وهو هل يجوز القرع على من وجدت عنده العرافة (الضائعة أو نحوها) إذا كان من أعراب أو من قبيلة معادية لقبيلة القارع أو لا؟
قلنا: إن بعضهم لا يجوز القرع في مثل هذا المقام وسببه أن القرع لا يتمشى حكمه على العدو، لكن إذا تم الصلح بين القبيلتين وكان قد اشترط رد العرائف أرجعت في إبان الصلح، هذا إذا لم تكن قد انتقلت (وبتعبيرهم إذا لم تكن قد درجت) من عند من علمت أنها عنده ببيع أو شراء أو مبادلة أو ضياع قبل الصلح، أما إذا كانت قد درجت إلى آخر في حين عداوتهم فالقرع يسقط عن ذلك الرجل، فإذا صار الصلح فما لم يكن قد وقع عليه شرط رد العرائف لا يعاد، والعكس بالعكس، أي إذا درجت إلى آخر وهم في حين المحاربة لا يشملها شرط إرجاع العرائف في إبان الصلح كما تقدم بيانه ويجوز القرع بعد الصلح إن لم يعلم بالعرافة إلا بعد الصلح فقط.
وقد جوز البعض الآخر القرع في حين العداوة وذلك إن كانت العرافة قد درجت إلى من وجدت عنده قبل حدوث العداوة (أي في زمن الصلح) ثم نشأت بعد ذلك فنشبت المحاربة جاز لصاحبها أن يقرعها ويشهد على ذلك شهودًا، فإذا تم الصلح طالب بها إن أراد وخاصم مناوئه عليها إذ تجري عليها الشروط المتقدم ذكرها بتمامها بدون أن يثلم منها حرف واحد.
أما المحكمة فتجري عند القاضي إن كان المتخاصمون في المدن، أو عند الأمير إن كان حولهم أمير، أو عند العارفة إن كان هناك عارفة، وإن أصدر أحد هؤلاء المحكمين أمرًا فلا يجوز لأحد تغييره أو الجري بخلاف ما قضى.
بقي علينا هنا أن نذكر أمر المغصوبة، وهل تعد عرافة وهل يقدر صاحبها أن يسترجعها أم لا؟ قلنا: إن بعضهم ينفي ذلك لأن حكم المغصوبة داخل في حكم الغنيمة، ولهذا تسمي باسم المغصوبة حين المطالبة بها أو حين المحاكمة.