الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطائرة في حال سيرها مستحيلًا فكذلك الاستقرار على ظهر الأرض لو كانت تسير بالسرعة الهائلة التي زعموها بطريق الأولى ولما كانت الأرض ذلولًا للخلائق وفرشًا ومهدًا لهم دل ذلك على أنها ثابتة ساكنة فهذه الآية والآيات الخمس قبلها من أوضح الأدلة على سكون الأرض وثباتها.
ومضى الشيخ الدويش في إيراد الأدلة المشابهة على أن الأرض قرار وأنها أرساها الله بالجبال، أما قوله في الطائرة النفاثة وقياسه الأرض عليها فإنه يصح إذا وجدت طائرة نفاثة في حجم الأرض، ووجد شيء صغير بالنسبة إليها مثل ابن آدم، فإنه لا يسقط منها كما هو معروف في القواعد التي خلقها الله لهذا الكون.
ثم قال:
فصل: في ذكر الإجماع على وقوف الأرض وسكونها:
ذكر الشيخ عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي الإسفراييني التميمي وكان في آخر القرن الرابع من الهجرة وأول القرن الخامس في آخر كتابه الفرق بين الفرق جملة مما أجمع عليه أهل السنة قال فيها، وأجمعوا على وقوف الأرض وسكونها وأن حركتها إنما تكون بعارض يعرض لها من زلزلة ونحوها خلاف قول من زعم من الدهرية أن الأرض تهوي أبدًا لأن الخفيف لا يلحق ما هو أثقل منه في انحداره.
إلى أن قال:
فصل: في ذكر أدلة عقلية على ثبات الأرض واستقرارها:
من ذلك ما هو مشاهد من سير السحاب المسخر بين السماء والأرض فإنا نراه عندنا في البلاد النجدية في فصلي الشتاء والربيع وأكثر فصل الخريف يأتي في الغالب من المغرب ويذهب نحو المشرق وفي بعض الأحيان
من جهة الشمال ويذهب نحو الجنوب ويأتي أيضًا من جهة الجنوب ويذهب نحو الشمال، وربما أتي من ناحية المشرق وذهب نحو المغرب وفي فصل الصيف وهو الذي تسمية العامة القيظ ليس له اتجاه معتاد بل يأتي من المشرق ومن المغرب ومن الجنوب ومن الشمال وفي نواحي الحجاز يأتي في الغالب من جهة القطب الجنوبي ويذهب نحو القطب الشمالي وربما أتي من جهة المشرق وذهب نحو المغرب وبالعكس وربما أتي من جهة الجنوب وذهب نحو الشمال وبالعكس، وسيره من جميع الجهات متقارب لا يختلف بعضه عن بعض بالسرعة إلَّا بسبب ريح شديد تسوقه ولو كانت الأرض تسير كما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لاختلف سير السحاب بسبب سير الأرض ولم يذهبُ إلى جهة المشرق أبدًا لأن الأرض تفوته بسرعة سيرها فقد زعم المتأخرون من أهل الهيئة الجديدة أنها تسير في الثانية أكثر من ثلاثين كيلومتر وأنها تقطع في اليوم الواحد أكثر من خمسمائة ألف فرسخ ولما كان سير السحاب من جميع الجهات مقاربا بعضه بعضًا دل ذلك على أن الأرض قارة ساكنة. انتهى.
أقول: هذا ناشيء عن عدم الإحاطة بالموضوع فالسحب والطائرات تسبح في الجو التابع للأرض المتصل بها وليس منفصلًا عنها فهو يدور معها أيضًا وهذا ظاهر، وإنما قصدنا من إيراد ما ذكر بيان وقوف بعض الناس في هذا الزمان على الثقافة القديمة ونبذ الجديد، أما استقرار الناس على الأرض وإرساء الجبال عليها فلا يخالف فيه أحد، والجميع يعرفون أن الأرض مستقرة، ولكنهم يقولون: إنها تدور بمن وما عليها، وهذا أبلغ في بيان القدرة الآلهية في الخلق، وعظمة الخالق عز وجل.
والمشكل في هذا الأمر ما جزم به الشيخ عبد الله الدويش من أن القرآن يدل على عدم دوران الأرض فإذا وجد هذا من عرف معرفة حقيقية بأنها تدور أعتقد بأن القرآن خالف الواقع.
وقد ذكر الأستاذ عبد الكريم بن صالح الطويان الشيخ عبد الله بن محمد الدويش بالورع والزهد، في ذكر لمحة رويت عنه في حفظ الوقت، فقال:
أحد طلبة العلم، ممن فرغوا أنفسهم للعلم والعبادة، توفي رحمه الله في (بريدة) عام 1408 هـ عن عمر لم يتجاوز الأربعين عامًا (1)، سمعت قبل أيام شخصًا يتحدث عنه، قال: سمعت أحدهم يروي عنه قوله: "هذه الشجرة التي في منزلي أفتح لها حنفية الماء كل يوم وأرى أني أفقد بهذه اللحظات وقتًا هامًا من أوقات الطلب"، وهذه الرواية ذكرتني مقالًا لعالم آخر مضى إلى ربه قبل عدة قرون، هو ابن الجوزي رحمه الله يقول: "كنت آكل الخبز اليابس، وأشرب عليه الماء من نهر دجلة.
وترجم له الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام رحمه الله، فقال بعد حذف ما يتعلق بالنسب:
الشيخ عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد الدويش، ولد الشيخ عبد الله في عام 1373 هـ بمدينة الزلفي، وقد تربى في كنف والده، إذ توفيت والدته وهو رضيع، ثم ترعرع ونشأ نشأة مباركة، عُرف من خلالها بالصفات الحميدة والأخلاق الطيبة، من العفاف والطهارة وحسن الخلق.
وكان ملازمًا لخدمة والده منذ الصغر، فأثرت فيه هذه الملازمة، مما
(1) وهو الشيخ عبد الله بن محمد الدويش، أحد العلماء الزهاد المنقطعين للعبادة والتعليم، توفي رحمه الله في مدينة بريدة يوم 27/ 10/ 1408 هـ عن عمر لم يتجاوز الأربعين سنة، حزن عليه محبوه، ورثاه تلاميذه، ومنهم الأخ الأستاذ/ صالح بن عبد الكريم العبودي، الذي قال فيه قصيدة طويلة جيدة منها:
أبكيك يا صاحب الإتقان منطرحًا
…
بين الدفاتر تروي مسند الخبر
أبكيك يا مشعل التقوى إذا نسخت
…
شمس النهار بليل غائب القمر
ومنها:
يا زاهدًا بحطام قل تاركه
…
اليوم جزت حثيثًا دونما خطر
انتهى من حاشية الأستاذ عبد الكريم الطويان.
جعله في نفس والده محبوبا إليه، يعز عليه مفارقته.
وكان آية في سرعة الحفظ والفهم مع الذكاء المتوقد، وكانت هذه الصفات الموجودة فيه هي التي دفعته إلى طلب المزيد من العلم والمعرفة، وطلب العلم من مظانه.
بدأ بطلب العلم صغيرًا بجدٍ واجتهاد، فأحب الرحلة لذلك، فقدم مدينة بريدة عام 1391 هـ وبدأ الدراسة فيها على أيدي العلماء العاملين، فنزل في المسجد في إحدى غرفه، وذلك في مسجد الشيخ محمد بن صالح المطوع رحمه الله، فكان في كل مراحل طلبه للعلم بارزًا ونابغًا.
فأدرك العلم الكثير في وقت قصير، وكان سعيه دائمًا في تحصيل العلم وإدراكه، واقتناء المؤلفات الجيدة في جميع مصادر العلوم الشرعية كالحديث ومصطلحه ورجاله، والتفسير وأصوله، والفقه وأصوله وغير ذلك.
وكان مكبًا على كتب السلف الصالح، ولذلك تجده شديد التأثر بهم وبأحوالهم، وذلك ظاهر في سلوكه وطريقته في حفظ الوقت، ومعاملة الطلاب وغير ذلك من السلوك المستقيم.
وكان أشد تأثرا بشيخي الإسلام ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وتلاميذهما من أئمة هذه الدعوة.
وكان واسع الأفق، جيد الفهم والحفظ لما يقرأ ويُلقي عليه، وشاهد ذلك بروزه في وقت قصير، فقد قيل إنه يحفظ الأمهات الست وغيرها من كتب الحديث، وكان عنده من كل فن طرف جيد، لأنه كان مكبًا على دراسة هذه الفنون، فكان عالمًا بالعقيدة والتوحيد والتفسير والفقه والنحو.
لذا أعجب به علماء زمنه (1).
(1) علماء نجد في ثمانية قرون، ج 4، ص 386 - 387.