الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً، فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ} أي وتالله لئن بعثنا ريحا ضارة، أو سامة، حارة أو باردة على نبات أو زرع أو ثمر، فرأوا ذلك الزرع قد اصفر، ومال إلى الفساد بعد خضرته، لظلوا من بعد ذلك الفرح والبشر، يجحدون نعم الله التي أنعم بها عليهم.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
من دلائل كمال قدرة الله إرسال الرياح مبشرات بالمطر؛ لأنها تتقدمه، والغيث والخصب أثر من آثار رحمة الله، ومن خواص الرياح أيضا عند هبوبها تسيير السفن في البحر، وبالسفن ينتقل الركاب والتجار، وتحمل البضائع من قطر إلى آخر، فتكون وسيلة الرزق بالتجارة، وكل ذلك من نعم الله وأفضاله التي تستوجب الشكر بالتوحيد والطاعة.
2 -
النبوة والرسالة من نعم الله أيضا التي تتطلب التصديق والتأييد، ولكن استبداد الكافرين وعنادهم يدفعهم إلى التكذيب برسالات الرسل قديما وحديثا، فقد أرسل الله رسلا كثيرين إلى مختلف الأمم والأقوام والشعوب، مؤيدين بالمعجزات والحجج النيرات، فكذبوهم وآذوهم وسخروا منهم، وكفروا برسالاتهم، فانتقم الله ممن كفر، ونجّى المؤمنين ونصرهم على أعدائهم، وسنة الله الثابتة أنه ينصر عباده المؤمنين، وهذا خبر صدق، والله لا يخلف الميعاد، ولا خلف في خبره.
3 -
أخبر الله تعالى أيضا عن كيفية تكون السحاب، وهو أن الله يرسل الرياح، فتحرك الغيوم وتنقلها من مكان إلى آخر، ثم ينشرها ويجمعها في الجو على وفق مشيئته وإرادته وحكمته، ويجعلها قطعا متفاوتة الأحجام والأوزان
والنوعية، تارة تكون خفافا، وتارة تصبح ثقالا مملوءة بالماء، فإذا أنزل المطر على بعض العباد فرحوا بنزول المطر عليهم.
وكانوا قبل نزول المطر عليهم يائسين حزينين لاحتباس المطر عنهم، وأكد تعالى وجود ظاهرة اليأس والاكتئاب قبل إنزال المطر، ليدل على شدة حال الناس، ثم تغيرها إلى حال البشر والفرح، فكلمة {مِنْ قَبْلِهِ} للتأكيد عند أكثر النحويين، كما في قوله تعالى:{فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النّارِ خالِدَيْنِ فِيها} [الحشر 17/ 59]. وقال الرازي: والأولى أن يقال: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ} أي من قبل إرسال الرياح، وذلك لأنه بعد الإرسال يعرف الخبير أن الريح فيها مطر أو ليس فيها مطر، فقبل المطر إذا هبت الريح، لا يكون مبلسا، وإنما قد يكون راجيا غالبا على ظنه المطر برؤية السحب وهبوب الرياح، فقال:{مِنْ قَبْلِهِ} أي من قبل ما ذكرنا من إرسال الرياح وبسط السحاب، لبيان حال حدوث الإبلاس أي اليأس
(1)
.
4 -
إن النتيجة الطبيعية لإنزال المطر هي الدلالة بذلك على أن من قدر عليه قادر على إحياء الموتى. وقوله تعالى: {إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} نوع من القياس يقال له: قياس الغائب على الشاهد، أو استدلال بالشاهد على الغائب، أي إثبات البعث بناء على ثبوت ظاهرة مشابهة هي إحياء النبات.
5 -
المشركون مضطربون قلقون في عقيدتهم، فتراهم عند إقبال الخير فرحين به، وعند ظهور السوء يائسين مكتئبين، ومثال ذلك: أنهم إن أحرقت الريح زرعهم، فاصفر ثم يبس، كفروا وجحدوا وجود الخالق، وتنكروا لمن أنعم عليهم
(1)
تفسير الرازي: 133/ 25، وكذلك قال أبو حيان في البحر المحيط (179/ 7): ما ذكره ابن عطية والزمخشري من فائدة التأكيد في قوله: مِنْ قَبْلِهِ غير ظاهر.