المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فقه الحياة أو الأحكام: - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ٢١

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌طريقة إرشاد أهل الكتاب

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌أسلوب الجدال:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض مطالب المشركين التعجيزيةالإتيان بمعجزات حسية واستعجال بالعذاب

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأمر بالهجرة عند تعذر إقامة الشعائر الدينية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (60):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الصبر والتوكل:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌اعتراف المشركين بالإله الخالق الرازق المحيي

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بيان حال الدنيا واضطراب أوضاع الكفار فيها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الروم

- ‌تسميتها:

- ‌موضوعها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مشتملات السورة:

- ‌الإخبار بالغيب في المستقبل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحث على التفكر في المخلوقات الدالةعلى وجود الله ووحدانيته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إثبات الإعادة والحشر وبيان ما يكون وقت الرجوع إلى الله

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تنزيه الله تعالى وحمده في جميع الأحوال

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض أدلة الوحدانية والقدرة والحشر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌دعاء الأرق:

- ‌إثبات الوحدانية من واقع البشر

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأمر باتباع الإسلام دين الفطرة والتوحيد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سوء حال بعض الناس بالرجوع إلى الله أحياناثم الشرك والنكول

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الترغيب بالنفقة وأنواع العطاء وضمان الرزقوإثبات الحشر والتوحيد

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء المفسدين والكافرين وجزاء المؤمنين

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الاستدلال بالرياح والأمطار على قدرة الله وتوحيده

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تسلية النبي صلى الله عليه وسلم عما يلقاه من الإعراض عن دعوته

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أطوار حياة الإنسان

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أحوال البعث ومقارنتها بأحوال الدنيا

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مهمة القرآن في بيان أدلة العقيدةوأمر النبي بالصبر على الأذى والدعوة

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة لقمان

- ‌تسميتها:

- ‌موضوعها:

- ‌صلتها بما قبلها أو مناسبتها لما قبلها:

- ‌مشتملات السورة:

- ‌خصائص القرآن وأوصاف المؤمنين به

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إعراض الكافرين عن القرآن وإقبال المؤمنين عليه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حكم الغناء عند الفقهاء:

- ‌الاستدلال بخلق السموات والأرض على وحدانية الله وإبطال الشرك

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة لقمان الحكيم ووصيته لابنه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌توبيخ المشركين على الشرك مع مشاهدة دلائل التوحيد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سلامة منهج المؤمن وسوء طريقة الكافر

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إثبات وجود الله وسعة علمهوشمول قدرته على البعث وكل شيء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (28):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأمر بتقوى الله وبيان مفاتح الغيب

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة السجدة

- ‌تسميتها وفضلها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌موضوعها:

- ‌مشتملاتها:

- ‌إثبات النبوة (الرسالة)

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌دلائل التوحيد والقدرة الإلهية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إثبات البعث وحال الكفار يوم القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صفة المؤمنين في الدنيا وجزاؤهم عند ربهم في الآخرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء المؤمنين وجزاء الفاسقين

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عقد الصلة بين الرسالتينإنزال التوراة على موسى عليه السلام وموقف اليهود منها

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تأكيد ثبوت التوحيد والقدرة والحشر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الأحزاب

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌موضوعها:

- ‌مشتملاتها:

- ‌الأمر بتقوى الله واتباع الوحي والتوكل على الله

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تعدد القلب والظهار والتبني

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌قصة زيد بن حارثة في السيرة والسنة النبوية:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مكانة النبي صلى الله عليه وسلم ومهمته وتشريع الميراث بقرابة الرحم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌غزوة الأحزاب أو الخندق وبني قريظة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (12):

- ‌نزول الآية (23):

- ‌المناسبة:

- ‌أضواء من السيرة على غزوة الأحزاب أو غزوة الخندق:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌أولا-وصف الغزوة:

- ‌ثانيا-موقف اليهود والمنافقين من المسلمين:

- ‌ثالثا-موقف المؤمنين:

- ‌رابعا-نهاية المعركة أو الإجلاء:

- ‌خامسا-حصار بني قريظة:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تخيير زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بين الدنيا والآخرةومقدار ثوابهن وعقابهن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: ‌فقه الحياة أو الأحكام:

{لِيَسْئَلَ الصّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ، وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً} اللام في {لِيَسْئَلَ} قيل: إنها لام الصيرورة، أي أخذ الميثاق على الأنبياء، ليصير الأمر إلى السؤال عما فعلوا، كما قال تعالى:{وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف 6/ 7].

قال الرازي: يعني أرسل الرسل، وعاقبة المكلفين إما حساب وإما عذاب؛ لأن الصادق محاسب، والكافر معذب

(1)

. والظاهر-كما قال أبو حيان-أنها لام التعليل، لام كي، أي بعثنا الرسل، وأخذنا عليهم المواثيق في التبليغ، لكي يجعل الله خلقه فرقتين: فرقة يسألها عن صدقها، على معنى إقامة الحجة، فتجيب بأنها قد صدقت الله في إيمانها وجميع أفعالها، فيثيبها على ذلك؛ وفرقة كفرت، فينالها ما أعد لها من العذاب، فالصادقون المسؤولون على هذا المعنى: هم المؤمنون، والهاء في {صِدْقِهِمْ} عائدة عليهم، ويجوز أن يراد: وليسأل الأنبياء، أو ليسأل عن الوفاء بالميثاق الذي أخذه عليهم أو ليسأل الأنبياء عن تبليغهم الرسالة إلى قومهم، وفي هذا تنبيه: أي إذا كان الأنبياء يسألون فكيف بمن سواهم؟

(2)

أو ليسأل المبلّغين الذين بلغتهم الرسل. وعلى هذا، يكون المعنى:

وأخذنا من الأنبياء ميثاقهم في تبليغ الدعوة إلى دين الله، لكي نسأل المرسلين عن قيامهم بواجب التبليغ، ومعرفة ما أجابتهم به أممهم، ولأجل إثابة المؤمنين على إيمانهم وصدقهم، وعقاب الكافرين من أممهم المكذبين رسلهم الذين أعد الله لهم عذابا شديدا مؤلما موجعا هو عذاب جهنم. فقوله تعالى:{وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ} معطوف على قوله: {أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ} .

‌فقه الحياة أو الأحكام:

يستنبط من الآيات ما يأتي:

(1)

تفسير الرازي: 197/ 25

(2)

البحر المحيط: 213/ 7

ص: 250

1 -

النبي صلى الله عليه وسلم أرأف وأعطف وأشفق على المؤمنين من أنفسهم؛ لأن أنفسهم تدعوهم إلى الهلاك، وهو يدعوهم إلى النجاة.

2 -

آية {النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} أزال الله تعالى بها أحكاما كانت في صدر الإسلام؛ منها:

أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يصلّي على ميّت عليه دين، فلما فتح الله عليه الفتوح

قال كما جاء في الصحيحين: «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفّي وعليه دين فعليّ قضاؤه، ومن ترك مالا فلورثته» .

وفي الصحيحين أيضا «فأيكم ترك دينا أو ضياعا فأنا مولاه» والضياع: مصدر ضاع، ثم جعل اسما لكل ما يتعرض للضياع من عيال وبنين لا كافل لهم، ومال لا قيّم له. وسميت الأرض ضيعة؛ لأنها معرضة للضياع، وتجمع ضياعا.

قال بعض العلماء: يجب على الإمام أن يقضي من بيت المال دين الفقراء اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه قد صرح بوجوب ذلك عليه، حيث

قال: «فعلي قضاؤه» .

3 -

جعلت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين في وجوب التعظيم والبرّ والإجلال، وحرمة النكاح على الرجال، وتحريم النظر إليهن، وحجبهن عن الرجال، بخلاف الأمهات. وهذه الأمومة لا توجب ميراثا كأمومة التبني، وجاز تزويج بناتهن، ولا يجعلن أخوات للناس، ولا أخوالهن أخوال المؤمنين وخالاتهم، فقد تزوج الزبير أسماء بنت أبي بكر الصديق، وهي أخت عائشة، ولم يقل: هي خالة المؤمنين. ولا يقال لمعاوية وأمثاله خال المؤمنين.

وهن في قول أمهات الرجال خاصة، لا أمهات الرجال والنساء، عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة قالت لها: يا أمّه؛ فقالت لها: لست لك بأمّ، إنما أنا أمّ رجالكم. قال ابن العربي: وهو الصحيح

(1)

.

(1)

أحكام القرآن: 1497/ 3

ص: 251

وقال القرطبي: لا فائدة في اختصاص الحصر في الإباحة للرجال دون النساء، والذي يظهر لي أنهن أمهات الرجال والنساء؛ تعظيما لحقّهن على الرجال والنساء. يدل عليه صدر الآية:{النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} وهذا يشمل الرجال والنساء ضرورة؛ فيكون قوله: {وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ} عائدا إلى الجميع

(1)

.

4 -

قوله تعالى: {وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ} ناسخ للتوارث بالحلف والمؤاخاة في الدين، وللتوارث بالهجرة؛ لأن المراد بأولي الأرحام ذوي القرابة مطلقا أيا كان نوعهم، والمراد بالمؤمنين الأنصار، وبالمهاجرين قريشا، وقد فسر الإمام الشافعي رضي الله عنه الآية بذلك، وتبعه في هذا أبو بكر الرازي الجصاص من الحنفية. إلا أن الجصاص يرى فيها دليلا للحنفية على توريث ذوي الأرحام، لا من حيث إن الآية قد أريد منها هذا النوع الخاص من الوارثين، بل من حيث إن الآية اقتضت أن ذا القرابة مطلقا أولى من غيره، وأما تقديم بعض ذوي القرابة على بعض، فهذا له أدلته الخاصة.

ويقتضي ذلك أن يكون ذو الرحم (هو الصنف الذي يدلي إلى الميت بواسطة الأنثى) أولى من بيت المال، فتكون الآية حجة على من قدم بيت المال عليهم.

وظاهر الآية يدل على أن ذا الرحم أولى من مولى العتاقة، ويرى بعضهم أن مولى العتاقة مقدم على ذوي الأرحام، وهو أولى من الرد؛ لأنه من العصبات، والعصبات أولى بالميراث من غيرهم،

وقد روي أن ابنة حمزة أعتقت عبدا، ومات وترك بنتا، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم نصف ميراثه لابنته ونصفه لابنة حمزة. ونوقش

(1)

تفسير القرطبي: 123/ 14

ص: 252

هذا بأنه لم يقل لنا الرواة: هل كان للميت ذو رحم، حتى يتم الدليل.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الحاكم والبيهقي عن ابن عمر: «الولاء لحمة كلحمة النسب» ونوقش هذا أيضا بأن التشبيه يقتضي مطلق الاستحقاق، ولكنه لا يدل على تقديمه على غيره.

5 -

قال قوم: لا يجوز أن يسمّى النبي صلى الله عليه وسلم أبا؛ لقوله تعالى: {ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ} ولكن يقال: مثل الأب للمؤمنين؛ كما

قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود: «إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلّمكم» . وقال القرطبي: والصحيح أنه يجوز أن يقال: إنه أب للمؤمنين، أي في الحرمة لا في النسب، وأما قوله تعالى:

{ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ} فهو في النسب. وقرأ ابن عباس: «من أنفسهم، وهو أب لهم، وأزواجه أمهاتهم» وهي في مصحف أبيّ.

6 -

لا مانع من الإحسان لغير الوارثين في الحياة، والوصية عند الموت لهم؛ لقوله تعالى:{إِلاّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً} أي إن ذلك جائز.

وقال محمد بن الحنفية: «إنها نزلت في جواز وصية المسلم لليهودي والنصراني»

(1)

أي أنه تجوز الوصية للقريب والوليّ وإن كان كافرا؛ لأن الكافر ولي في النسب لا في الدين، فيوصى له بوصية. ويكون معنى الآية: وأولو الأرحام من المؤمنين والمهاجرين بعضهم أولى بميراث بعض، إلا إذا كان لكم أولياء من غيرهم، فيجوز أن توصوا إليهم.

7 -

رسالات الأنبياء في الأصول العامة كأصول الاعتقاد والأخلاق واحدة، وهم متناصرون متعاونون فيما بينهم، ويكمّل بعضهم رسالة البعض الآخر؛ لقوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ..} . الآية، أي أخذنا عهدهم على الوفاء بما أوحي إليهم، وأن يبشر بعضهم ببعض، ويصدّق بعضهم بعضا، وذلك

(1)

أحكام القرآن للجصاص: 355/ 3

ص: 253

حكم قديم مسطور حين كتب الله ما هو كائن، وحين أخذ الله تعالى المواثيق من الأنبياء، وهو عهد وثيق عظيم على الوفاء بما التزموا من تبليغ الرسالة، وأن يصدق بعضهم بعضا.

وقد خص الله تعالى خمسة أنبياء بالذكر (وهم محمد ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى). تفضيلا لهم؛ لأنهم أولو العزم من الرسل وأئمة الأمم، ولأنهم أصحاب الشرائع والكتب. وقدّم محمدا صلى الله عليه وسلم في الذكر؛ لما

رواه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ..} . فقال: «كنت أولهم في الخلق، وآخرهم في البعث، فبدأ بي قبلهم»

(1)

.

8 -

قوله تعالى: {لِيَسْئَلَ الصّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} فيه أربعة أوجه

(2)

:

أحدها-ليسأل الأنبياء عن تبليغهم الرسالة إلى قومهم، وفي هذا تنبيه؛ أي إذا كان الأنبياء يسألون، فكيف من سواهم؟ الثاني-ليسأل الأنبياء عما أجابهم به قومهم.

الثالث-ليسأل الأنبياء عن الوفاء بالميثاق الذي أخذه عليهم.

الرابع-ليسأل الأفواه الصادقة عن القلوب المخلصة، كما قال تعالى:

{فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ، وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف 6/ 7].

وفائدة سؤال الأنبياء: توبيخ الكفار، كما قال تعالى لعيسى عليه السلام:

{أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ} [المائدة 116/ 5].

(1)

لكن فيه راو ضعيف.

(2)

تفسير القرطبي: 128/ 14

ص: 254