الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المناسبة:
بعد بيان أدلة التوحيد والبعث وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم، ختم الله السورة بوصف إجمالي للقرآن وهو أنه كتاب العبر والأمثال لإزالة الأعذار، والكتاب المخلص غاية الإخلاص للبشرية بتقديم الإنذارات الكافية، ثم أردفه ببيان تحقيق جميع أهدافه على يد الرسول صلى الله عليه وسلم الذي بلغ الغاية القصوى في تبليغ دعوته، وأنه لم يبق منه تقصير.
فإن طلب الكفار شيئا آخر غير القرآن وهذا النبي، فذلك عناد، لم يفدهم بعده أي بيان؛ إذ من هان عليه تكذيب دليل، سهل عليه تكذيب الأدلة كلها.
التفسير والبيان:
{وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} أي ولقد بينا لهم الحق ووضحناه، وضربنا لهم فيه الأمثال الدالة على وحدانية الخالق وعلى البعث وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم، ليستبينوا الحق ويتبعوه، ولم يحصل تقصير من جانب الرسول صلى الله عليه وسلم في تبليغ الدعوة إلى الله، فإن طلب الناس شيئا بعد ذلك، فهو عناد، ومن هان عليه تكذيب دليل، لم يصعب عليه تكذيب الدلائل كلها كفرا وعنادا، لذا قال:
{وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا: إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ مُبْطِلُونَ} أي وتالله لو رأوا أي آية كانت، سواء كانت باقتراحهم أو غيره، لا يؤمنون بها، ويعتقدون أنها سحر وباطل، وما أنتم أيها الرسول والمؤمنون إلا جماعة مبطلون تأتون بالباطل وتتبعونه؟!.
وذلك كما قالوا في انشقاق القمر ونحوه: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ
رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ، وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ، حَتّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ} [يونس 96/ 10 - 97].
وترتب على إعراضهم عن الإيمان عنادا واستكبارا الطبع على القلوب كما قال تعالى:
{كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} أي مثل ذلك الختم وحجب الخير والحق يختم الله على قلوب الجهلة الذين لا يتعلمون ولا يعلمون حقيقة الآيات البينات في القرآن المجيد، لسوء استعدادهم، وإصرارهم على تقليد الأسلاف، واعتقاد الخرافات.
ثم أمر الله رسوله بالصبر على مخالفتهم وأذاهم وعنادهم، فقال:
{فَاصْبِرْ، إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ} أي فاصبر أيها الرسول على أذى المشركين وتابع في تبليغ رسالتك، فإن وعد الله الذي وعدك به من نصره إياك عليهم وظفرك بهم، وجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة، حق ثابت لا شك فيه، ولا بد من إنجازه والوفاء به.
{وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} ولا يحملنك على الخفة والقلق جزعا مما يقول الذين لا يوقنون بالله واليوم الآخر، فإنهم قوم ضالون، واثبت على ما بعثك الله به، فإنه الحق الذي لا محيد عنه، بل الحق كله منحصر فيه. وهذا إشارة إلى وجوب مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على الدعوة إلى الإيمان.
روى ابن جرير وابن أبي حاتم وابن أبي شيبة وابن المنذر والحاكم والبيهقي أن رجلا من الخوارج نادى عليا رضي الله عنه، وهو في صلاة الغداة (الفجر) فقال:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ، وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ} [الزمر 65/ 39] فأنصت له عليّ حتى فهم ما قال، فأجابه وهو في الصلاة:{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ، وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} .