الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات اللغوية:
{خَلَقَ السَّماواتِ} استئناف كلام جديد {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها} العمد: جمع عماد: وهو الأسطوانة التي يعمد بها أي يسند به، و {تَرَوْنَها} إما صفة العمد أي بغير عمد مرئية، أو يعود الضمير إلى {السَّماواتِ} ، أي لا عمد لها أصلا، وأنتم ترونها بلا عمد، فهو استشهاد برؤيتهم لها غير معمودة {رَواسِيَ} جبالا ثوابت مرتفعة {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} أي لئلا تميد، أي تتحرك وتضطرب بكم {وَبَثَّ} نشر وفرق {زَوْجٍ كَرِيمٍ} صنف حسن، كثير المنافع. والآية دليل على عزة الله التي هي كمال القدرة، والحكمة التي هي كمال العلم، لتقرير أصل التوحيد.
{هذا خَلْقُ اللهِ} هذا الذي ذكر مخلوق الله {فَأَرُونِي} أخبروني يا أهل مكة وأمثالكم الكفار {ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} ماذا خلق الذين من غيره وهم آلهتكم التي أشركتموها بالله تعالى {بَلِ الظّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} بل: للانتقال والإضراب عن تبكيتهم إلى تسجيل الضلال عليهم، فهم في ضلال بيّن لا يخفى على ناظر، بإشراكهم. ووضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على أنهم ظالمون بإشراكهم.
المناسبة:
بعد قوله تعالى: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الدال على عزته وحكمته وكمال قدرته وعلمه وإتقان صنعه، ذكر الله تعالى الأدلة على قدرته العظيمة من خلق السموات والأرض وما فيهما وما بينهما، لتقرير وحدانيته، وإبطال الشرك، والتنبيه إلى وجوب اتباع الحق الذي جاءت به الرسل.
التفسير والبيان:
{خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها} أي من أدلة قدرته تعالى العظيمة، وحكمته السديدة أنه خلق السموات بغير أعمدة، لا مرئية ولا غير مرئية، والسموات كالأرض في الظاهر مبسوطة، وفي الحقيقة مستديرة، لقوله تعالى:
{كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء 33/ 21] والفلك: اسم لشيء مستدير، وهي على أي حال مخلوقة بقدرة الله، لا بالطبيعة، وهي فضاء والفضاء لا نهاية له، ولا تزول إلا بقدرة الله تعالى.
وليس لها عمد أصلا، بدليل رؤية الناس لها غير معمودة. وقيل: إن لها عمدا غير مرئية، والله عمدها بعمد لا ترى، وهي إمساكها بقدرته.
والخلاصة: أنه تعالى خلق السموات بغير أعمدة تستند إليها، بل هي قائمة بقدرة الله تعالى.
{وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} أي وجعل في الأرض جبالا شوامخ ثوابت أرست الأرض وثقلتها؛ لئلا تضطرب بأهلها، وتغمرها مياه البحار والمحيطات المحيطة بها، والتي تكوّن أكثر الكرة الأرضية.
{وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ} أي وذرأ فيها ونشر ووزع من أصناف الحيوان التي لا يحصي عددها، ولا يعلم أشكالها وألوانها إلا الذي خلقها.
{وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً، فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} أي وأنزلنا من السحاب مطرا يكون سببا لإنبات كل صنف كريم، أي حسن المنظر، كثير المنفعة.
ثم وبخ الله تعالى أولئك المشركين الذين يتركون عبادة الخالق ويشتغلون بعبادة المخلوق، فقال:
{هذا خَلْقُ اللهِ، فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ، بَلِ الظّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي هذا الذي ذكر من المخلوقات هو من خلق الله وفعله وتقديره وحده لا شريك له في ذلك، والخلق بمعنى المخلوق، فأخبروني أيها الكفرة ماذا خلق الذين تعبدونهم من غيره من الأصنام والأنداد. وقوله:{خَلْقُ} واقع على هاء محذوفة، تقديره: فأروني أي شيء خلق الذين من دونه، أو أروني الأشياء التي خلقها الذين من دونه.
وبعد توبيخهم على شركهم، وصفهم تعالى بما يترتب عليه وهو الضلال، فهم