الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهناك تشابه آخر بين السورتين من وجوه ثلاثة:
الأول-إن السورة السابقة بدئت بالجهاد وختمت به: {وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا} وبدئت هذه السورة بوعد المؤمنين بالغلبة والنصر، وهم يجاهدون في سبيل الله تعالى.
الثاني-إن الاستدلال في هذه السورة على أصول الاعتقاد وأهمها التوحيد جاء مفصلا للمجمل في السورة السابقة مثل قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [19]{فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} [20].
الثالث-ترتب على التفرقة بين المشركين وأهل الكتاب في السورة المتقدمة أن أبغض المشركون أهل الكتاب، وتركوا مراجعتهم في الأمور، وكانوا من قبل يراجعونهم في الأمور، وسبب البغضاء أن المشركين في جدالهم نسبوا إلى عدم العقل:{بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [63] وطلب مجادلة أهل الكتاب بالحسنى {وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [46] وكان أهل الكتاب يوافقون النبي في الإله، كما قال تعالى:{وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ} [46].
فلما غلب أهل الكتاب حين قاتلهم الفرس المجوس، فرح المشركون بذلك، فأنزل الله تعالى أوائل سورة الروم لبيان أن الغلبة لا تدل على الحق، وإنما قد يريد الله تعالى مزيد ثواب في المحب، فيبتليه ويسلط عليه الأعادي، وقد يختار للمعادي تعجيل العذاب الأدنى، دون العذاب الأكبر يوم القيامة.
مشتملات السورة:
افتتحت السورة بإثبات النبوة بالإخبار بالغيب، وهو انتصار الروم على الفرس في حرب تقع بينهما في غضون بضع سنوات (من 3 - 9 سنوات) ووقع الخبر كما أخبر القرآن، وتلك معجزة القرآن تثبت صدق النبي صلى الله عليه وسلم، وتتضمن البشارة بنصر جند الرحمن على حزب الشيطان.
ثم ذكرت أدلة الوحدانية وعظمة القدرة الإلهية بالتأمل في صفحة الكون والنظر في خلق السموات والأرض، والاعتبار بمأساة المكذبين الغابرين وعاقبتهم السيئة، وأردف بعدها أدلة البعث، والأمر بعبادة الله وحده، وذلك مقتضى الفطرة التي فطر الناس عليها.
ونوقش فيها المشركون وضربت لهم الأمثال في أن الشركاء ضعفاء عاجزون لا يملكون لأنفسهم يوم القيامة نفعا، ولا يتمكنون دفع الضر عن أحد، ولا يستطيعون خلق شيء وإيجاده ولا إمداد أحد بالرزق. وكشف القرآن حقيقة حال المشركين كما ذكر في السورة المتقدمة وهي لجوءهم إلى الله وقت الضر، وإشراكهم به وقت الرخاء، وأميط اللثام عن طبيعة الإنسان وهي الفرح بالنعمة، والقنوط حين الشدة إلا من آمن وعمل صالحا.
ونهى الله تعالى عن اتباع المشركين وغيرهم الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، ثم أمر تعالى بالتصدق على ذوي القربى والمساكين وابن السبيل، واجتناب أكل الربا، وتنمية المال بوجوه الحلال وتطهيره بالزكاة.
ثم قارنت السورة بين مصير المؤمنين في روضات الجنان فضلا من الله تعالى، ومصير الكافرين في نيران الجحيم جزاء أعمالهم وكفرهم، وحينئذ تظهر فائدة الإيمان والخير، وظلام الكفر والشر.
وأعقب ذلك إيراد بعض الأدلة الكونية الناطقة بقدرة الله والدالة على وحدانيته من إرسال الرياح مبشرات بالرحمة، وتسيير السفن في البحار، وتمكين المسافرين من التجارة وابتغاء فضل الله في أقطار الأرض، والدلائل الملحوظة في الأنفس من خلق ثم رزق، ثم إماتة، ثم إحياء.
وختمت السورة بتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عن إعراض قومه عن الإيمان برسالته بأنهم أغلقوا منافذ الهداية، وعطلوا طاقات الفكر والعقل عن النظر في وسائل