الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر الثعلبي مرفوعا عن أسماء بنت يزيد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا جمع الله الأولين والآخرين، جاء مناد، فنادى بصوت تسمعه الخلائق كلّهم: سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم، ثم يرجع فينادي: ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع، فيقومون، وهم قليل، ثم يرجع، فينادي: ليقم الذين كانوا يحمدون الله على كل حال في السرّاء والضّرّاء، فيقومون وهم قليل، فيسرّحون جميعا إلى الجنة، ثم يحاسب سائر الناس» .
ثم ذكر الله تعالى جزاء أولئك المؤمنين الموصوفين بما تقدم فقال:
{فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ، جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} أي فلا يعلم أحد على الإطلاق من الملائكة والرسل عظمة ما أخفى الله لهم في الجنات من النعيم المقيم واللذات التي لم يطلع على مثلها أحد، جزاء عدلا مقابلا لصالح أعمالهم التي أخفوها فلم يراءوا بها الناس، فأخفى الله ثوابهم.
روى البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} .
وروى الحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: «إنه لمكتوب في التوراة: لقد أعدّ الله تعالى للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر، ولا يعلم ملك مقرّب، ولا نبي مرسل، وإنه في القرآن:
{فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} .
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
1 -
من صفات المؤمنين أنهم يخرون سجدا لله تعالى على وجوههم، تعظيما
لآياته، وخوفا من سطوته وعذابه، وأنهم يقرنون التسبيح أي التنزيه بالتحميد، فيقولون في سجودهم: سبحان الله وبحمده، سبحان ربي الأعلى وبحمده؛ أي تنزيها لله تعالى عن قول المشركين.
وهم أيضا ينقادون لأمر ربهم، فلا يستكبرون عن عبادته، كما استكبر أهل مكة وأمثالهم بعدهم عن السجود لله تعالى.
2 -
ومن صفات المؤمنين أيضا: ملازمة قيام الليل، أي صلاة التهجد في الثلث الأخير من الليل، وقيل عن قتادة وعكرمة: التنفل ما بين المغرب والعشاء. ومع تجافي جنوبهم عن المضاجع هم أيضا في كل حال يدعون ربهم ليلهم ونهارهم، خوفا من العذاب، وطمعا في الثواب، ويتصدقون بفضول أموالهم وتلك هي النوافل بعد أداء الزكاة المفروضة.
وقد وردت أحاديث كثيرة ذكرت بعضها في فضل قيام الليل.
3 -
إن جزاء أولئك المؤمنين مفتوح وعظيم جدا، لا يعلم حقيقته غير الله عز وجل، فلا يدري أحد ما لهم من النعيم الذي لم تعلمه نفس ولا بشر ولا ملك.
وهذه الكرامة إنما هي لأعلى أهل الجنة منزلا، كما
جاء مبيّنا في صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «سأل موسى عليه السلام ربّه فقال: يا ربّ، ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يأتي بعد ما يدخل أهل الجنة الجنة، فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: أي ربّ، كيف وقد نزل الناس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت ربّ، فيقول: لك ذلك، ومثله، ومثله معه، ومثله ومثله ومثله، فقال في الخامسة: رضيت ربّ، فيقال: هذا لك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك، ولذّت عينك، فيقول: رضيت ربّ.