الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسلوب الجدال:
1 -
{وَقُولُوا: آمَنّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ، وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} أي إذا دعوتم أيها الرسول وأتباعه أهل الكتاب إلى الإيمان برسالة الإسلام، وأخبروكم عما لا يعلم صدقه ولا كذبه، فلا تصدقوهم؛ لأنه قد يكون كذبا أو باطلا، ولا تكذبوهم لأنه قد يكون حقا أو صحيحا، وإنما قولوا لهم: آمنا بالقرآن الذي أنزل إلينا وإليكم وإلى البشر كافة، وآمنا بالتوراة والإنجيل اللذين أنزلا إليكم أي نؤمن بالمنزّل فعلا على موسى وعيسى عليهما السلام، غير المبدّل ولا المؤول، ومعبودنا ومعبودكم الحق واحد لا شريك له، ونحن له خاضعون مطيعون أمره ونهيه.
أخرج البخاري والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالذي أنزل إلينا، وما أنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد، ونحن له مسلمون» .
وأخرج الإمام أحمد أن أبا نملة الأنصاري
(1)
أخبره أنه بينما هو جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل من اليهود، فقال: يا محمد، هل تتكلم هذه الجنازة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أعلم، قال اليهودي: أنا أشهد أنها تتكلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إذا حدثكم أهل الكتاب، فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله وكتبه ورسله، فإن كان حقا لم تكذبوهم، وإن كان باطلا لم تصدقوهم» .
وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإنهم يهدوكم وقد ضلّوا، إما أن تكذّبوا بحق، وإما أن تصدقوا بباطل» .
(1)
أبو نملة: هو عمارة، أو عمار، أو عمرو بن معاذ بن زرارة الأنصاري رضي الله عنه.
وأخرج البخاري عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة، وذكر كعب الأحبار، فقال:«إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك، لنبلو عليه الكذب» .
2 -
{وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ، فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ، وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ} أي كما أنزلنا الكتب على من قبلك من الرسل أيها الرسول، أنزلنا إليك هذا الكتاب (القرآن) فالذين آتيناهم الكتاب السابق من اليهود والنصارى، إذا أخذوا هذا القرآن، فتلوه حق تلاوته، كعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وأشباههما آمنوا وصدقوا بنزوله من عند الله، وكذلك بعض كفار قريش وغيرهم يؤمنون به؛ لأنه-كما عرفوا من لغة البيان-ليس من كلام البشر، وإنما هو من كلام الله الموحى به إلى نبيه.
وما يكذّب بآياتنا ويجحد حقها إلا من يستر الحق بالباطل، ويطمس معالم الهداية والنور، ويعاند في كفره ويستكبر، فلا يؤمن بالله وحده، ولا يشكر نعمة الله عليه. وهذا تنفير عما هم عليه من الشرك والباطل.
3 -
{وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ، وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ، إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ} أي وما كنت أيها الرسول في تاريخك مع قومك تقرأ من قبل نزول القرآن من كتاب آخر، ولا تعرف الكتابة ولا تستطيع أن تخط شيئا من الكتاب؛ إذ لو كنت قارئا وكاتبا لشك المشركون الجهلة فيما نزل إليك، وقالوا:
لعل ذلك مأخوذ من كتب سابقة، ولما لم يكن كاتبا ولا قارئا فلا وجه لارتيابهم.
قال مجاهد: كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يخطّ ولا يقرأ، فنزلت هذه الآية. وقال النحاس: الدليل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لقريش أنه لا يقرأ
ولا يكتب ولا يخالط أهل الكتاب، ولم يكن بمكة أهل الكتاب، فجاءهم بأخبار الأنبياء والأمم، وزالت الريبة والشك.
وقوله: {مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ} لتأكيد النفي، وكذلك قوله:
{وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} تأكيد أيضا، وذكر اليمين خرج مخرج الغالب، كقوله تعالى:{وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ} [الأنعام 38/ 6].
والخلاصة: أن صفة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة وتاريخه المعروف بين قومه: أنه رجل أمي لا يقرأ ولا يكتب، كما قال تعالى:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ، يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} [الأعراف 157/ 7].
فلا وجه أصلا للشك في أن هذا القرآن نزل من عند الله، لا بإيحاء بشر ولا ملك ولا جانّ، وبالرغم من نصاعة هذه الحقيقة، ومع علم قريش بأن محمدا صلى الله عليه وسلم أمي لا يحسن الكتابة، اتهموه بأخذه عن الكتب المتقدمة، كما حكى تعالى عنهم:{وَقالُوا: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها، فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفرقان 5/ 25].
وتأكيدا لما سبق أن القرآن منزل من عند الله، قال تعالى:
{بَلْ، هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ، وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظّالِمُونَ} أي بل إن هذا القرآن آيات واضحة الدلالة على الحق، وذلك أمر مستقر في قلوب العلماء من أهل الكتاب وغيرهم، ولكن ما ينكر وما يكذب بآيات الله النيّرة ويبخس حقها ويردها إلا الظالمون، أي المعتدون المكابرون الذين يعلمون الحق ويحيدون عنه، كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ، وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ} [يونس 96/ 10 - 97].