الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خَرْدَلٍ} وزن حبة خردل {فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ} أي في أخفى مكان فيهما {يَأْتِ بِهَا اللهُ} فيحاسب عليها {لَطِيفٌ} باستخراجها، يصل علمه إلى كل خفي {خَبِيرٌ} بمكانها، عالم بكنه الأشياء وحقائقها {وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ} من الشدائد، وبسبب الأمر والنهي {إِنَّ ذلِكَ} المذكور من كل ما أمر به ونهى عنه {مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} معزوماتها التي يعزم عليها لوجوبها، أو من الأمور المعزومة التي قطعها الله قطع إيجاب {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنّاسِ} لا تمله عنهم ولا تولّهم صفحة وجهك، كما يفعل المتكبرون، والأصعر: المعرض بوجهه كبرا، مأخوذ من الصّعر، وهو داء يعتري البعير فيلوي منه عنقه {مَرَحاً} خيلاء وبطرا {إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ} أي يعاقب كل متبختر في مشيه، فخور على الناس. وهو علة للنهي. والمختال: فاعل الخيلاء، وهي التبختر في المشي كبرا، والفخور من الفخر: وهو المباهاة بالمال والجاه ونحو ذلك.
{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} توسط فيه غير مختال ولا مستضعف، وغير مسرع ولا مبطئ وفي الحديث الذي رواه أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة وهو ضعيف:«سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن» والمقصود بقول عائشة في عمر رضي الله عنهما: «كان إذا مشى أسرع» أنه يسير ما فوق دبيب المتماوت {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} أي أنقص منه وأقصر أو اخفض {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ} أي أقبحها وأزعجها وأصعبها على السامع {لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} أوله زفير وآخره شهيق.
المناسبة:
بعد أن بيّن الله تعالى فساد اعتقاد المشركين وأن المشرك ظالم ضال، ذكر ما يدل على ضلالهم وظلمهم بمقتضى الحكمة والعلم المرشد إلى الإقرار بوحدانيته، وإن لم يكن هناك نبوة، فإن لقمان توصل إلى إثبات التوحيد وإطاعة الله والتزام مكارم الأخلاق دون نبي ولا رسول.
وهذا إشارة إلى أن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم لازم فيما لا يعقل معناه، إظهارا للتعبد، ولازم من باب أولى فيما يدرك بالعقل معناه.
التفسير والبيان:
{وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلّهِ، وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} أي وتالله لقد أعطينا لقمان
(1)
الحكمة وهي التوفيق
(1)
روى ابو القاسم الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتخذوا السودان، فإن
إلى العمل بالعلم والفهم، وشكر الله وحمده على نعمه وأفضاله، وحب الخير للناس، واستعمال الأعضاء فيما خلقت له من الخير والنفع.
وهذا دليل على أن لقمان الحكيم هداه الله إلى المعرفة الصحيحة، من غير طريق النبوة.
ومن يشكر الله على ما منحه وأعطاه ربه، فيطيعه ويؤدي فرضه، فإنما يحقق النفع والثواب لنفسه، وينقذها من العذاب، كما قال تعالى:{مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ، وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها} [فصلت 46/ 41] وقال عز وجل: {وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} [الروم 44/ 30].
ومن جحد نعمة الله عليه، فأشرك به غيره، وعصى أوامره، فإنه يسيء إلى نفسه، ولا يضر ربّه، فإن الله غني عن العباد وشكرهم، لا يتضرر بذلك، فلا تنفعه طاعة، ولا تضره معصية، وهو المحمود في السماء والأرض بلسان الحال أو المقال، وإن لم يحمده أحد من الناس.
ثم ذكر تعالى وصية لقمان (وهو كما ذكر ابن كثير لقمان بن عنقاء بن سدون) لابنه (وهو ثاران في قول السهيلي والطبري والقتبي) فقال:
{وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لاِبْنِهِ، وَهُوَ يَعِظُهُ: يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ، إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} واذكر حين أوصى لقمان ابنه بوصية أو موعظة، حرصا عليه؛ لأن الأب يحب ابنه وهو أشفق الناس عليه، فقال له: يا ولدي، اعبد الله ولا تشرك به شيئا، فإن الشرك أعظم الظلم، أما إنه ظلم فلكونه وضع الشيء في غير موضعه، وأما كونه أعظم الظلم فلتعلقه بأصل الاعتقاد وتسويته بين الخالق والمخلوق، وبين المنعم وحده وبين غير المنعم أصلا، وهي الأصنام والأوثان.
(1)
ثلاثة منهم من سادات أهل الجنة: لقمان الحكيم، والنجاشي، وبلال المؤذن» قال الطبراني: أراد الحبش (تفسير ابن كثير: 447/ 3).
والآية عطف على معنى ما سبق، وتقديره: ولقد آتينا لقمان الحكمة حين جعلناه شاكرا في نفسه، وحين جعلناه واعظا لغيره.
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت آية {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ، أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام 82/ 6] شقّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أيّنا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه ليس بذلك، ألا تسمع إلى قول لقمان: {يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ، إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}» .
ثم أمر الله تعالى ببرّ الوالدين، جريا على عادة القرآن، فإنه كثيرا ما يقرن الله تعالى في القرآن بين الأمر بعبادة الله واجتناب الشرك وبين الأمر ببرّ الوالدين، كما في قوله سبحانه:{وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً} [الإسراء 23/ 17]، فقال:
{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ، حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ، وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ، إِلَيَّ الْمَصِيرُ} أي وأمرنا الإنسان وألزمناه ببرّ والديه وطاعتهما، وأداء حقوقهما، ولا سيما برّ الأم التي حملته في ضعف فوق ضعف، من الحمل إلى الطلق إلى الولادة والنفاس، ثم الرضاع والفطام في مدة عامين والتربية ليلا ونهارا، كما قال تعالى:{وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ} [البقرة 233/ 2] وقد بيّن الحديث النبوي أحقية الأم بالبرّ، فأوصى بها ثلاث مرات، ثم أوصى بالأب في المرة الرابعة، فجعل له ربع المبرة.
لقد وصيناه، أي أمرناه وعهدنا إليه بالشكر لي أي لله على نعمتي عليك، وبالشكر للوالدين؛ لأنهما سبب وجودك، ومصدر الإحسان إليك بعد الله تعالى. وقوله تعالى:{أَنِ اشْكُرْ لِي} لبيان علة الوصية أو وجوب امتثالها، و {الْإِنْسانَ} هنا في رأي الزمخشري تفسيرية، والجملة بيان لفعل التوصية، إذ هو متضمن معنى القول، أي قلنا له:{اُشْكُرْ لِي} .
وكذا علة الأمر بطاعة الله وطاعة الأبوين أو السبب فيه: هو أن المصير أو المرجع إلي، فسأجزيك على ذلك أوفر الجزاء في الآخرة. وهذا تهديد وتخويف من عاقبة المخالفة والعقوق والعصيان، كما هو وعد بالجزاء الحسن على امتثال أمر الله وطاعته وبرّ الوالدين وصلتهما.
وهذه الآية وما بعدها من كلام لقمان الذي وصى به ابنه، أخبر الله عنه بذلك، فلما بيّن لقمان لابنه أن الشرك ظلم ونهاه عنه، كان ذلك حثّا على طاعة الله، ثم بيّن أن الطاعة تكون للأبوين، وبيّن السبب في ذلك.
وقيل: هو من كلام الله قاله للقمان، أي قلنا له:{اُشْكُرْ} ، وقلنا له:
{وَوَصَّيْنَا} ، وقيل: هذه الآية اعتراض بين وصية لقمان تؤكد النهي عن الشرك، قال القرطبي: والصحيح أن هذه الآية وآية العنكبوت السابقة:
{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً} [8] نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص وأمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية التي حلفت ألا تأكل حتى يرتد سعد، وعليه جماعة من المفسرين
(1)
. والمختار عند المفسرين أن هذه الآية إلى آخر الآيتين بعدها كلام مستأنف من الله تعالى، جاء معترضا بين وصايا لقمان لابنه، تأكيدا للنهي عن الشرك.
ثم قيّد الله طاعة الأبوين مستثنيا حقوقه تعالى، فقال:
{وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، فَلا تُطِعْهُما} أي وإن ألحّ والداك في الطلب، وحرصا عليك كل الحرص على أن تتابعهما في دينهما، وتشرك بي في عبادتي غيري مما لا تعلم أنه شريك لي، فلا تقبل منهما ذلك، ولا تطعهما فيما أمراك به من الشرك أو المعصية، فإنه لا طاعة لمخلوق في
(1)
تفسير القرطبي: 63/ 14، البحر المحيط: 186/ 7 وما بعدها.
معصية الخالق. والمراد بنفي العلم نفي الشريك، أي لتشرك بي ما ليس بشيء وهي الأصنام.
{وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً، وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ، ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي لا يمنعك عدم طاعتك لأبويك في الشرك والمعصية من أن تصاحبهما في الدنيا بالمعروف، بأن تحسن إليهما، فتمدهما بالمال عند الحاجة، وتطعمهما وتكسوهما، وتعالجهما عند المرض، وتواريهما عند الموت في القبور، وتبرّ صديقهما، وتفي بعهدهما. وقوله {مَعْرُوفاً} أي صحابا معروفا على مقتضى الكرم والمروءة، أو مصاحبا حسا بخلق جميل، وحلم واحتمال، وبرّ وصلة.
وقوله: {فِي الدُّنْيا} تهوين شأن الصحبة، فهي لأيام محدودة، وسنوات معدودة، سريعة الزوال والانقضاء. والمعروف هنا: ما يعرفه الشرع ويرتضيه، وما يقتضي به الكرم والمروءة في إطعامهما وكسوتهما والإحسان إليهما في القول والفعل.
وإياك والمحاباة في شأن الدين، فالزم سبيل المؤمنين التائبين في دينك، ولا تتبع في كفرهما سبيلهما فيه، وإن كنت مأمورا بحسن مصاحبتهما في الدنيا.
ثم إليّ مرجعك ومرجعهما، فأجازيك على إيمانك، وأجازيهما على كفرهما، وأخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا من خير أو شر. والجملة مقررة لما قبلها ومؤكدة لوجوب الإحسان إلى الوالدين وبرهما وطاعتهما في غير معصية.
ثم أخبر تعالى عن بقية وصايا لقمان الحكيم النافعة، ليمتثلها الناس ويقتدوا بها، فقال:
1 -
الحسنة والسيئة أو المظلمة والخطيئة، لو كانت تساوي وزن أو مثقال حبة خردل، ولو كانت في أخفى مكان كجوف صخرة، أو في أعلى مكان كالسماوات، أو في أسفل موضع كباطن الأرض، لأحضرها الله يوم القيامة حين الحساب، ووزن الأعمال، والمجازاة عليها خيرا أو شرا، كما قال تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ، فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} [الأنبياء 47/ 21] وقال سبحانه:
{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة 7/ 99 - 8]. وقوله: {فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ} يراد به المبالغة والانتهاء في التفهيم.
إن الله لطيف العلم، يصل علمه إلى كل شيء خفي، فلا تخفى عليه الأشياء، وإن دقت ولطفت وتضاءلت، خبير عالم بكنه الأشياء، يعلم ظواهر الأمور وبواطنها.
والمقصود من الآية بيان سعة علم الله، فهو يعلم الغيب والشهادة، ويطلع على جميع أعمال عباده، لموافاتهم بجزائها يوم القيامة.
2 -
{يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ، وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ، إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} أي بعد أن منعه من الشرك، وخوفه بعلم الله وقدرته، أمره بصالح الأعمال اللازمة للتوحيد وهي الصلاة أي العبادة لوجه الله مخلصا، وإقامتها أي أداؤها كاملة بحدودها وفروضها وأوقاتها، وهي عماد الدين، ودليل الإيمان واليقين، ووسيلة القربى إلى الله وتحقيق رضوانه، كما أنها تساعد على اجتناب الفحشاء والمنكر، وصفاء النفس.
والأمر بالمعروف أي أمر النفس والغير بما هو معروف شرعا وعقلا، كمكارم الأخلاق، ومحاسن الأفعال، مما يهذب النفس ويدعو إلى التحضر والتمدن، كما قال تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها، وَقَدْ خابَ مَنْ دَسّاها} [الشمس 9/ 91 - 10].
والنهي عن المنكر، أي منع النفس والآخرين من المعاصي والمنكرات المحرّمة شرعا والقبيحة عقلا، والتي تغضب الله، وتوجب عذاب جهنم.
والصبر على الأذى والشدائد والأوامر الإلهية، فإن الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر يؤذى عادة، فطلب منه الصبر. وقد بدئت الوصايا بالصلاة؛ لأنها عماد الدين وختمت بالصبر؛ لأنه أساس المداومة على الطاعات، وعماد رضوان الله، كما قال تعالى:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة 45/ 2].
{إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} أي إن ذلك المذكور مما أمر الله به ونهى عنه، ومنه الصبر على أذى الناس، لمن الأمور الواجبة المعزومة، أي المقطوعة قطع إيجاب وإلزام
(1)
، ويكون المصدر «عزم» بمعنى المفعول.
وبعد أمره بما يكمل نفسه وغيره، نهى عن أشياء وحذر من أشياء، فقال:
1 -
{وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنّاسِ} أي لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلموك تكبرا واحتقارا، والمعنى: لا تتكبر فتحتقر عباد الله، ولا تتكلم وأنت معرض، بل كن متواضعا سهلا هينا لينا منبسط الوجه، مستهل البشر، كما
جاء في الحديث النبوي الذي رواه مسلم عن أبي ذر الغفاري: «لا تحقرنّ من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط، وإياك وإسبال الإزار، فإنها من المخيلة، والمخيلة لا يحبها الله» .
2 -
{وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ} أي لا تسر في الأرض مختالا بطرا متبخترا، جبارا عنيدا، فإن تلك المشية يبغضها، والله يكره كل مختال معجب في نفسه، فخور على غيره، كما قال تعالى:
(1)
ومنه الحديث: «لا صيام لمن لم يعزم الصيام من الليل» أي لم يقطعه بالنية، ومنه الحديث الآخر:«إن الله يحب أن يؤخذ برخصة، كما يحب أن يؤخذ بعزائمه» .
[الإسراء 37/ 17]. و
قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الجماعة (أحمد وأصحاب الكتب الستة) عن ابن عمر: «من جرّ ثوبه خيلاء، لا ينظر الله إليه يوم القيامة» . والفخور: هو الذي يعدد ما أعطي، ولا يشكر الله تعالى».
وروى ابن أبي الدنيا عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طوبى للأتقياء الأثرياء الذين إذا احضروا لم يعرفوا، وإذا غابوا لم يفتقدوا، أولئك مصابيح مجردون من كل فتنة غبراء مشتتة»
وروى أيضا عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
وروى يحيى بن جابر الطائي عن غضيف بن الحارث قال: جلست إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، فسمعته يقول: إن القبر يكلم العبد إذا وضع فيه، فيقول: يا ابن آدم، ما غرّك بي! ألم تعلم أني بيت الوحدة! ألم تعلم أني بيت الظلمة! ألم تعلم أني بيت الحق! يا ابن آدم ما غرّك بي! لقد كنت تمشي حولي فدّادا (مختالا متكبرا).
3 -
{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} أي امش مشيا متوسطا عدلا، ليس بالبطيء المتثبّط المتماوت الذي يظهر الضعف تزهدا، ولا بالسريع المفرط، الذي يثب وثب الشيطان،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة، وهو ضعيف:«سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن» ، وأما قول عائشة في عمر رضي الله عنهما:«كان إذا مشى أسرع في مشيته» فالمراد السرعة التي تتجاوز دبيب المتماوتين. وقد رأى عمر رجلا متماوتا، فقال له:«لا تمت علينا ديننا، أماتك الله» ، ورأى رجلا مطأطئا رأسه، فقال له:«ارفع رأسك، فإن الإسلام ليس بمريض» .
4 -
{وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ، إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} أي لا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه، وأخفضه، فإن شدة الصوت تؤذي آلة السمع، وتدل على الغرور والاعتداد بالنفس وعدم الاكتراث بالغير، واعتدال الصوت أوقر