الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«فهم من قد عرفتهم، فإن اخترتهم، فاذهب معهم، وإن اخترتني فأنا من تعلم» . فقال زيد: ما أنا بمختار عليك أحدا أبدا، أنت معي بمكان الوالد والعم، قال: أبوه وعمه: أيا زيد، أتختار العبودية؟ قال: ما أنا بمفارق هذا الرجل، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حرصه عليه، قال:«اشهدوا أنه حر، وأنه ابني يرثني وأرثه» ، فطابت نفس أبيه وعمه، لما رأوا من كرامة زيد عليه صلى الله عليه وسلم، فلم يزل في الجاهلية يدعى زيد بن محمد حتى نزل القرآن:{اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ} فدعي زيد بن حارثة.
فقه الحياة أو الأحكام:
يستنبط من الآيات ما يأتي:
1 -
أعلم الله عز وجل أنه لا أحد بقلبين، وإنما هو قلب واحد، فإما فيه إيمان وإما فيه كفر، ولا يجتمع في القلب الكفر والإيمان، والهدى والضلال، والإنابة والإصرار.
وفي هذا رد على بعض أهل مكة الذين كانوا يقولون: إن لي في جوفي قلبين، أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد صلى الله عليه وسلم.
وهو ردّ أيضا على المنافقين الذين هم على درجة من النفاق، متوسطة بين الإيمان والكفر؛ إذ ليس هناك إلا قلب واحد فيه إيمان أو كفر.
2 -
أبطل الله تعالى في هذه الآية حكم الظهار الجاهلي، وهو قول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي، فتصبح محرمة على التأبيد، أما في الإسلام فالحرمة مؤقتة تنتهي بالكفارة.
3 -
التبني حرام في الإسلام؛ لأنه يصادم الحقيقة، والأولى والأعدل أن ينسب الرجل إلى أبيه نسبا، ويحرم على الإنسان أن يتعمد دعوة الولد لغير
أبيه، على النحو الذي كان في الجاهلية. فإن لم يكن كذلك، كما يقول الكبير للصغير تلطفا أو تحننا وشفقة: يا ابني أو يا بنيّ، فالظاهر عدم الحرمة، لكن أفتى بعض العلماء بكراهته سدا لباب التشبه بالكفار.
4 -
نسبة الإنسان إلى أبيه من التبني خطأ، بأن يسبق اللسان إليه من غير قصد، لا إثم ولا مؤاخذة فيها، لقوله تعالى:{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ، وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} .
كذلك لا إثم في نسبة شخص كان في الأصل منسوبا إلى أبيه بالتبني، وجرى الإطلاق على سبيل الشهرة، كالحال في المقداد بن عمرو، فإنه غلب عليه نسب التبني، فلا يكاد يعرف إلا بالمقداد بن الأسود؛ فإن الأسود بن عبد يغوث كان قد تبنّاه في الجاهلية وعرف به، فلما نزلت الآية، قال المقداد: أنا ابن عمرو؛ ومع ذلك فبقي الإطلاق عليه، ولم يحكم أحد بعصيان من ناداه بذلك، وكذلك سالم مولى أبي حذيفة، كان يدعى لأبي حذيفة، وغير هؤلاء.
وذلك بخلاف الحال في زيد بن حارثة؛ فإنه لا يجوز أن يقال فيه:
زيد بن محمد؛ إذ لم يشتهر به بعد التحريم والنهي، فإن قاله أحد متعمدا عصى؛ لقوله تعالى:{وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} .
5 -
وكما يحرم التبني، يحرم انتساب الشخص إلى غير أبيه، وهو يعلم أنه غير أبيه، بل هو من الكبائر إذا كان على النحو الجاهلي، فقد كان الرجل منهم ينتسب إلى غير أبيه وعشيرته، وجاء في السنة الوعيد الشديد عليه،
أخرج الشيخان وأبو داود عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ادّعى إلى غير أبيه، وهو يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام» .
وأخرج الشيخان أيضا: «من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا»
وأخرجا أيضا عن أبي ذرّ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس من رجل ادّعى لغير أبيه، وهو يعلمه، إلا كفر» . والكفر: إذا اعتقد إباحة ذلك، فإن لم يعتقد إباحته، فمعنى كفره: أنه أشبه فعله فعل الكفار أهل الجاهلية، أو أنه كافر نعمة الله والإسلام عليه.
6 -
هناك فرق بين التبني المنهي عنه والاستلحاق الذي أباحه الإسلام، فالتبني: هو ادعاء الولد مع القطع بأنه ليس ابنه، وأما الاستلحاق الشرعي:
فهو أن يعلم المستلحق أن المستلحق ابنه أو يظن ذلك ظنا قويا، بسبب وجود زواج سابق غير معلن. فإن كان من زنى فلا يجوز الاستلحاق.
7 -
يباح أن يقال في دعاء من لم يعرف أبوه: يا أخي أو يا مولاي إذا قصد الأخوة في الدين والولاية فيه، وكان المدعو تقيا. فإن كان فاسقا فلا يدعى بذلك، ويكون حراما؛ لأننا نهينا عن تعظيم الفاسق.
8 -
دل قوله تعالى: {وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ} على أنه ينبغي أن يكون قول الإنسان إما عن حقيقة يقرها العقل السليم أو عن شرع ثابت، فمن تزوج بامرأة فولدت لستة أشهر ولدا، وكانت الزوجة سابقا زوجة شخص آخر يحتمل أن يكون الولد منه، فإنا نلحقه بالزوج الثاني لقيام الفراش أي رابطة الزوجية.
9 -
قوله تعالى: {وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً} يدل على أنه سبحانه يغفر الذنوب للمستغفر، ويرحم المذنب التائب.