المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا-موقف اليهود والمنافقين من المسلمين: - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ٢١

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌طريقة إرشاد أهل الكتاب

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌أسلوب الجدال:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض مطالب المشركين التعجيزيةالإتيان بمعجزات حسية واستعجال بالعذاب

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأمر بالهجرة عند تعذر إقامة الشعائر الدينية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (60):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الصبر والتوكل:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌اعتراف المشركين بالإله الخالق الرازق المحيي

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بيان حال الدنيا واضطراب أوضاع الكفار فيها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الروم

- ‌تسميتها:

- ‌موضوعها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مشتملات السورة:

- ‌الإخبار بالغيب في المستقبل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحث على التفكر في المخلوقات الدالةعلى وجود الله ووحدانيته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إثبات الإعادة والحشر وبيان ما يكون وقت الرجوع إلى الله

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تنزيه الله تعالى وحمده في جميع الأحوال

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض أدلة الوحدانية والقدرة والحشر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌دعاء الأرق:

- ‌إثبات الوحدانية من واقع البشر

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأمر باتباع الإسلام دين الفطرة والتوحيد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سوء حال بعض الناس بالرجوع إلى الله أحياناثم الشرك والنكول

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الترغيب بالنفقة وأنواع العطاء وضمان الرزقوإثبات الحشر والتوحيد

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء المفسدين والكافرين وجزاء المؤمنين

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الاستدلال بالرياح والأمطار على قدرة الله وتوحيده

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تسلية النبي صلى الله عليه وسلم عما يلقاه من الإعراض عن دعوته

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أطوار حياة الإنسان

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أحوال البعث ومقارنتها بأحوال الدنيا

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مهمة القرآن في بيان أدلة العقيدةوأمر النبي بالصبر على الأذى والدعوة

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة لقمان

- ‌تسميتها:

- ‌موضوعها:

- ‌صلتها بما قبلها أو مناسبتها لما قبلها:

- ‌مشتملات السورة:

- ‌خصائص القرآن وأوصاف المؤمنين به

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إعراض الكافرين عن القرآن وإقبال المؤمنين عليه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حكم الغناء عند الفقهاء:

- ‌الاستدلال بخلق السموات والأرض على وحدانية الله وإبطال الشرك

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة لقمان الحكيم ووصيته لابنه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌توبيخ المشركين على الشرك مع مشاهدة دلائل التوحيد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سلامة منهج المؤمن وسوء طريقة الكافر

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إثبات وجود الله وسعة علمهوشمول قدرته على البعث وكل شيء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (28):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأمر بتقوى الله وبيان مفاتح الغيب

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة السجدة

- ‌تسميتها وفضلها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌موضوعها:

- ‌مشتملاتها:

- ‌إثبات النبوة (الرسالة)

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌دلائل التوحيد والقدرة الإلهية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إثبات البعث وحال الكفار يوم القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صفة المؤمنين في الدنيا وجزاؤهم عند ربهم في الآخرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء المؤمنين وجزاء الفاسقين

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عقد الصلة بين الرسالتينإنزال التوراة على موسى عليه السلام وموقف اليهود منها

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تأكيد ثبوت التوحيد والقدرة والحشر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الأحزاب

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌موضوعها:

- ‌مشتملاتها:

- ‌الأمر بتقوى الله واتباع الوحي والتوكل على الله

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تعدد القلب والظهار والتبني

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌قصة زيد بن حارثة في السيرة والسنة النبوية:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مكانة النبي صلى الله عليه وسلم ومهمته وتشريع الميراث بقرابة الرحم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌غزوة الأحزاب أو الخندق وبني قريظة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (12):

- ‌نزول الآية (23):

- ‌المناسبة:

- ‌أضواء من السيرة على غزوة الأحزاب أو غزوة الخندق:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌أولا-وصف الغزوة:

- ‌ثانيا-موقف اليهود والمنافقين من المسلمين:

- ‌ثالثا-موقف المؤمنين:

- ‌رابعا-نهاية المعركة أو الإجلاء:

- ‌خامسا-حصار بني قريظة:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تخيير زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بين الدنيا والآخرةومقدار ثوابهن وعقابهن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: ‌ثانيا-موقف اليهود والمنافقين من المسلمين:

وبني نصر، والآخرون: من قريش، وأما يهود بني قريظة فمن وجه الخندق.

{وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ، وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ، وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا} أي وإذ مالت الأبصار عن سننها، فلم تلتفت إلى العدو لكثرته، وبلغت القلوب الحناجر كناية عن شدة الخوف والفزع، وتظنون مختلف الظنون، فمنكم مؤمن ثابت الإيمان لا يتزحزح عن موقفه، واثق بنصر الله وبوعده، ومنكم منافق مريض الاعتقاد، ظن أن محمدا وأصحابه يستأصلون، وينتصر المشركون، ويسودون المدينة. قال الحسن البصري: ظن المنافقون أن المسلمين يستأصلون، وظن المؤمنون أنهم ينصرون.

{هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ، وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً} أي حينئذ اختبر الله المؤمنين، فظهر المخلص من المنافق، وحركوا واضطربوا اضطرابا شديدا من الفزع وتهديد العدو، فمن ثبت منهم هم المؤمنون حقا، ومن استبد القلق بهم هم المنافقون.

والامتحان من الله ليس لاستبانة الأمر له، بل لحكمة أخرى، هي أن الله تعالى عالم بما هم عليه، لكنه أراد إظهار الأمر لغيره من الأنبياء والملائكة.

‌ثانيا-موقف اليهود والمنافقين من المسلمين:

ثم أعلن الله تعالى موقف المنافقين ومؤيديهم، فقال:

{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاّ غُرُوراً} أي واذكروا حين قال المنافقون الذين أسلموا في الظاهر ولم تؤمن قلوبهم، وضعفاء العقيدة لحداثة عهدهم بالإسلام: ما وعدنا الله ورسوله من النصر على العدو إلا وعدا باطلا لا وجود ولا حقيقة له. والقائل: جماعة من اليهود والمنافقين نحو من سبعين رجلا، مثل معتّب بن قشير وطعمة بن أبيرق، فقال معتب حين رأى الأحزاب: يعدنا محمد فتح فارس والروم، وأحدنا لا يقدر أن

ص: 267

يتبرّز فرقا (خوفا) ما هذا إلا وعد غرور

(1)

. وأما مريض الاعتقاد فتحدث بما توسوس به نفسه لضعف إيمانه، وشدة ما هو فيه من ضيق الحال.

{وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ: يا أَهْلَ يَثْرِبَ، لا مُقامَ لَكُمْ، فَارْجِعُوا} أي واذكروا أيضا حين قالت طائفة من المنافقين، وهم أوس بن قيظي ومن وافقه على رأيه، أو عبد الله بن أبيّ وأصحابه: يا أهل المدينة، لا وجه لإقامتكم مع محمد وعسكره، ولا مسوغ لها مع هذه الحال من الذل والهوان، ولا قرار لكم هاهنا ولا مكان تقيمون فيه، فارجعوا إلى بيوتكم ومنازلكم في المدينة، لتسلموا من القتل والفناء. ويثرب: اسم للبقعة التي هي المدينة أو طيبة أو طابة. والطائفة:

تطلق على الواحد فأكثر.

{وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ: إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ، وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ، إِنْ يُرِيدُونَ إِلاّ فِراراً} أي وبسبب إشاعة الفتنة وبثّ روح الضعف عزم جماعة من المنافقين على الرجوع وهم بنو حارثة بن الحارث، وطلبوا الإذن من النبي صلى الله عليه وسلم في العودة إلى بيوتهم وترك القتال قائلين: إن بيوتنا سائبة ضائعة ليست بحصينة، أي فيها خلل يخاف منه دخول العدو والسارق ليأخذ المتاع ويفزع النساء والأولاد، فكذبهم الله بقوله:{وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ} أي ليس فيها خلل أو ثغرة، بل هي حصينة وليست كما يزعمون، وإنما قصدهم الفرار بسبب الخوف، والهرب من الزحف مع جيش المؤمنين الصادقين.

ثم بيّن الله تعالى مدى ضعف الإيمان ورقّته في قلوبهم وأن ذلك الفرار ليس لحفظ البيوت، فقال:

{وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها، ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها، وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلاّ يَسِيراً} أي ولو دخل الأعداء عليهم من كل جانب من جوانب المدينة، أو

(1)

الكشاف: 533/ 2، البحر المحيط: 217/ 7

ص: 268

البيوت، ثم طلب منهم الردة والعودة صراحة إلى الكفر ومقاتلة المسلمين، لجاؤوها أو لأعطوها من أنفسهم ولفعلوا ذلك سريعا، ولم يحافظوا على الإيمان ولم يستمسكوا به، وما مكثوا في استجابتهم وعطائهم ما طلب منهم إلا زمنا يسيرا من أدنى خوف وفزع، وهو مقدار ما يكون السؤال والجواب من غير توقف. أو ما تلبثوا بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا قليلا حتى يهلكوا.

وهذا دليل واضح على ضعف الإيمان في نفوسهم، فلا عجب إذا بادروا إلى التراجع والتسلل من المعركة. وهذه سمة المترددين الجبناء الذين اعتادوا على الهرب من مواقف الصمود ولقاء الشجعان، لذا قال تعالى:

{وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ، وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً} أي ولقد كان هؤلاء وهم بنو حارثة عاهدوا الله يوم أحد من قبل هذا الخوف ألا يولوا الأدبار، ولا يفرون من الزحف، ثم تابوا وعاهدوا الله ألا يعودوا لمثل ذلك. ثم هددهم تعالى وأوعدهم بقوله:{وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً} أي إن الله سيسألهم عن ذلك العهد والوفاء به يوم القيامة، ويجازيهم على نقضه وخيانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أمر لا بدّ منه. وقوله:{مَسْؤُلاً} معناه:

مطلوبا مقتضى حتى يوفى به.

ثم بيّن الله تعالى لهم عدم جدوى فعلهم، ووبخهم، فقال:

{قُلْ: لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ، وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاّ قَلِيلاً} أي أخبرهم أيها الرسول أن فرارهم ذلك لا يؤخر آجالهم، ولا يطوّل أعمارهم، فلن ينفعهم الهرب من لقاء الموت أو القتل في ميدان المعركة، فإن المقدّر كائن لا محالة، وربما كان فرارهم سببا في تعجيل أخذهم غرّة، وإذا ظلوا أحياء ونفعهم الفرار ونجوا من الموت كما يظنون، لم يكن تمتعهم بالتأخير بمتاع الدنيا بعد هربهم وفرارهم إلا تمتيعا قليلا أو زمانا يسيرا:

ص: 269

{قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى} [النساء 77/ 4]. قال الربيع بن خيثمة: وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه، أي إن فررتم من الموت أو القتل لا ينفعكم الفرار؛ لأن مجيء الأجل لا بدّ منه.

ثم أبان الله تعالى ما تقدم معرّفا لهم قدرته الكاملة عليهم، فقال:

{قُلْ: مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً} أي وقل لهم أيضا أيها الرسول: لا أحد يستطيع أن يمنعكم من مراد الله بكم، أو دفع السوء عنكم إذا قدره الله عليكم، أو تحقيق النفع والخير إذا أراده لكم. وقوله:

{أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً} معناه: أو يصيبكم بسوء إن أراد بكم رحمة، فاختصر الكلام. وقوله:{سُوءاً} أي هلاكا، وقوله:{رَحْمَةً} أي خيرا ونصرا وعافية.

وأكد هذا بقوله:

{وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً} أي ولا يجد هؤلاء المنافقون ومؤيدوهم من ضعفاء العقيدة ولا غيرهم مجيرا ولا مغيثا ولا نصيرا ينصرهم أو يشفع لهم.

ثم حذرهم بدوام علمه بالخائنين، فقال:

{قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ: هَلُمَّ إِلَيْنا} قد: هنا للتحقيق وليس للتقليل، والمعنى: إن الله ليعلم علما محيطا شاملا الذين يثبطون المسلمين عن شهود الحرب، تخذيلا ونفاقا، ويعلم القائلين لأصحابهم وخلطائهم من أهل المدينة: تعالوا إلى ما نحن فيه من الإقامة في الظلال والثمار، وقرّبوا أنفسكم إلينا، واتركوا محمدا والحرب معه. وهلّم: لغة أهل الحجاز، يسوّون فيه بين الواحد والجماعة، وأما تميم فيقولون: هلم يا رجل، وهلموا يا رجال، وهلمن يا نساء. والذي عليه النحويون أن هلم ليس صوتا، وإنما هو مركب مختلف في

ص: 270

أصل تركيبه، فقيل: هو مركب من ها التي للتنبيه ولم، وهو مذهب البصريين، وقيل: من هل وأم، وهو متعد ولازم، فالمتعدي كقوله:{قُلْ:}

{هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ} [الأنعام 150/ 6] أي أحضروا شهداءكم، واللازم كقوله: هلم إلينا، وأقبلوا إلينا، وقوله:{وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ} إما المنافقون قالوا للمسلمين:

ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس

(1)

، وهو هالك ومن معه، فهلم إلينا، وإما يهود بني قريظة قالوا لإخوانهم من المنافقين: تعالوا إلينا وفارقوا محمدا، فإنه هالك، وإن أبا سفيان إن ظفر لم يبق منكم أحدا. وإما رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال لشقيقه في قلب المعركة: هلم إلي، قد تبع بك وبصاحبك، أي قد أحيط بك وبصاحبك.

{وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاّ قَلِيلاً} أي ولا يأتي المنافقون القتال إلا زمنا قليلا أو شيئا قليلا إذا اضطروا إليه، خوفا من الموت، كقوله تعالى:{ما قاتَلُوا إِلاّ قَلِيلاً} [الأحزاب 20/ 33].

ثم ذكر الله تعالى صفات أخرى لهم، فقال:

1 -

{أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} هذه صفة البخل، أي بخلاء بأنفسهم وأحوالهم وأموالهم، فلا يعاونونكم في الحرب بنفس ولا بمال ولا بمودة وشفقة، وكذا عند قسمة الغنيمة. وأشحة: جمع شحيح على غير القياس، والقياس: أشحاء، مثل خليل وأخلاء. والصواب: أن يعم شحهم كل ما فيه منفعة المؤمنين.

2 -

{فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ، تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} وهذه صفة الجبن والخوف، والبخل شبيه الجبن، فلما ذكر البخل بيّن سببه وهو الجبن، والمعنى: فإذا بدأ حدوث الخوف ببدء المعركة والقتال،

(1)

أي هم قليل يشبعهم رأس واحد، وهو جمع آكل.

ص: 271

رأيتهم ينظرون إليك أيها النبي في تلك الحالة، كما ينظر المغشي عليه من معالجة سكرات الموت حذرا وخورا وضعفا، وهكذا خوف هؤلاء الجبناء من القتال.

3 -

{فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ} وهذه صفة سلاطة اللسان والإيذاء بالكلام والتفاخر الكاذب، والمعنى: فإذا تحقق الأمن غلبوكم باللسان وآذوكم بالكلام، وتفاخروا بأنهم أهل النجدة والشجاعة، وهم في ذلك كاذبون.

وسبب هذه الصفة، كما قال تعالى:

{أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ} أي وهم مع ذلك ليس فيهم خير، قد جمعوا الجبن والكذب وقلة الخير، فهم قليلو الخير في الحالتين، كثيرو الشر في الوقتين، يبخلون أولا وآخرا، أي أنهم حين البأس جبناء، وحين الغنيمة بخلاء، قال قتادة: أما عند الغنيمة فأشح قوم وأسوؤه مقاسمة، يقولون: أعطونا أعطونا، قد شهدنا معكم، وأما عند البأس فأجبن قوم وأخذله للحق.

ثم ذكر الله تعالى سبب مرضهم وجميع صفاتهم وهو ضعف الثقة بالله، فقال:

{أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا، فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ، وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً} أي إن أولئك المنافقين هم في الواقع غير مصدقين بالله ورسوله، ولم يؤمنوا حقيقة، وإن أظهروا الإيمان لفظا، فأبطل الله أعمالهم التي كانوا يأتون بها مع المسلمين، وكان ذلك الإحباط سهلا هينا عند الله، بمقتضى عدله وحكمته.

وتساءل الزمخشري بقوله: هل يثبت للمنافق عمل، حتى يرد عليه الإحباط؟ فأجاب: لا، ولكنه تعليم لمن عسى يظن أن الإيمان باللسان إيمان، وإن لم يواطئه القلب، وأن ما يعمل المنافق من الأعمال يجزى عليه، فبين أن إيمانه ليس بإيمان، وأن كل عمل يوجد منه باطل

(1)

.

(1)

الكشاف: 534/ 2

ص: 272

ثم ذكر الله تعالى أن صفاتهم القبيحة في الجبن والبخل والخوف ملازمة لهم على الدوام، وليست مجرد أمر عارض مؤقت، فقال:

{يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا} أي يظنون من شدة الخوف والفزع أن أحزاب الكفر من قريش وغطفان وبني قريظة لم يرحلوا ولم ينهزموا، وأن لهم عودة إلى الحصار والحرب؛ فكأنهم عند حضورهم غائبون عن الساحة حيث لا يقاتلون، مع أن الأحزاب رحلوا وانهزموا ولن يعودوا.

{وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ، يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ} أي وإن يعد الأحزاب إلى قتالكم، يتمنوا أنهم لا يكونون حاضرين معكم في المدينة وبين المقاتلين، بل يكونون في البادية يسألون عن أخباركم وما كان من أمركم مع عدوكم للشماتة بكم، وانتظار وقوع السوء بكم، وجبنا وخورا في العزائم.

{وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلاّ قَلِيلاً} أي ولو كان هؤلاء المنافقون معكم في ساحة المعركة لما قاتلوا إلا قتالا يسيرا وزمنا قليلا، لاستيلاء الجبن والضعف عليهم.

ثم لفت نظرهم ونظر غيرهم إلى ضرورة التأسي بالقائد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:

{لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ، وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً} هذا أمر من الله تعالى بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب وغيره في أقواله وأفعاله وأحواله، وصبره ومصابرته ومجاهدته وانتظار الفرج من ربه عز وجل، والمعنى: لقد كان لكم أيها المؤمنون قدوة صالحة ومثل أعلى يحتذي به، فهلا اقتديتم وتأسيتم بشمائله صلى الله عليه وسلم، فهو مثل أعلى في الشجاعة والإقدام والصبر والمجالدة، إذا كنتم تريدون ثواب الله وفضله، وتخشون الله وحسابه،

ص: 273