الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمقصود بالآية حمل اليهود على الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وتحريض المشركين وغيرهم على التصديق بتلك الرسالة، فإن التشابه بين الرسالتين قائم والمهمة واحدة، وكذلك تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عن حزنه الشديد بسبب إعراض قومه عن رسالته، فإن موسى عليه السلام لقي من قومه الأهوال وأنواع الأذى، فقالوا:{أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً} [النساء 153/ 4]، وقالوا:{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا} [المائدة 24/ 5]، واتخذوا العجل إلها ونحو ذلك.
{وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمّا صَبَرُوا، وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ} أي وجعلنا من بني إسرائيل قادة يدعون الناس إلى الخير والإيمان، بإذننا وتوفيقنا وإعانتنا لهم؛ لأنهم صبروا على طاعة دينهم وتصديق رسلهم واتباعهم، وعلى البلاء الذي تعرضوا له في الدنيا، كإيذاء فرعون لهم واستعباده إياهم، وكانوا بآياتنا الدالة على الوحدانية والقدرة مصدقين على وجه اليقين.
وهذا إيماء آخر إلى أن القرآن هاد للناس كالتوراة، وأن أتباعه هداة مخلصون، وهو أمر بالصبر والإيمان بأن وعد الله حق.
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} أي إن ربك يقضي يوم القيامة بين عباده فيما اختلفوا فيه من أمور الاعتقاد والدين والحساب والثواب والعقاب، والأعمال، فيثيب المطيع بالجنة، ويعاقب العاصي بالنار.
وهذا باعث آخر على الإيمان الصحيح والعمل الصالح، وتهديد ضمني لمن يعرض عن هداية الله التي صارت متمثلة بالقرآن بعد فقد التوراة وافتقاد الأصل الصحيح للإنجيل.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
لقد أنزل الله القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم كما أنزل التوراة على موسى عليه السلام، فالإيمان بهما والعمل بأحكامهما واجب، إلا أن فقد التوراة جعل العمل بالقرآن من الناحية الواقعية متعينا، كما أن المنزل عليه القرآن خاتم النبيين، ونسخت رسالته بنص القرآن وتشريعه الرسالات السماوية السابقة، حتى لو فرض بقاء شيء ثابت صحيح منها.
2 -
إن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم هم الدعاة إلى دين الله وشرعه، كما أن أتباع موسى عليه السلام كانوا قادة يقتدى بهم في الدين، ويدعون الناس إلى الإيمان بالأصل الصحيح للتوراة والإنجيل، وإطاعة الله فيما أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر، وذلك كله بإذن الله وتوفيقه. فحيث جعل الله كتاب موسى هدى، وجعل منهم أئمة يهدون، كذلك يجعل القرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم كتاب هدى، ويجعل من أمته صحابة يهدون.
3 -
إن اتخاذ بعض الناس أئمة سببه الصبر على الطاعة للدين، والرضا بأمر الله، والعمل على إعلاء كلمة الله، والصبر على البلاء والمحن في سبيل الله تعالى، فإن جعل الأئمة هادين يحصل بالصبر، وهذا أمر بالصبر والإيمان بأن وعد الله حق.
4 -
إن الله سبحانه هو القاضي العدل والحاكم المطلق بحق بين المؤمنين والكفار، فيجازي كلا بما يستحق، ويفصل بين المختلفين من أمة واحدة، كما يفصل بين المختلفين من الأمم.