الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن ظهرت فارس غرمت إلى ثلاث سنين، فناحبه، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره،
فقال صلى الله عليه وسلم: «زايده في الخطر
(1)
وماده في الأجل» فخرج أبو بكر، فلقي أبيا، فقال: لعلك ندمت، فقال: لا، تعال أزايدك في الخطر، وأمادّك في الأجل، فاجعلها مائة قلوص إلى تسع سنين، قال: قد فعلت، فلما أراد أبو بكر الهجرة، طلب منه أبي كفيلا بالخطر إن غلب، فكفل به ابنه عبد الرحمن، فلما أراد أبيّ الخروج إلى أحد، طلبه عبد الرحمن بالكفيل، فأعطاه كفيلا، ومات أبيّ من جرح جرحه إياه النبي صلى الله عليه وسلم في الموقعة، وظهرت الروم على فارس لما دخلت السنة السابعة، فأخذ أبو بكر الخطر من ورثة أبي،
وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«تصدّق به» . وقد كان هذا قبل تحريم القمار، لأن السورة مكية، وتحريم الخمر والميسر بالمدينة. واستدل به الحنفية على جواز العقود الفاسدة في دار الحرب.
والآية من دلائل النبوة، لأنها إخبار عن الغيب.
التفسير والبيان:
{الم} هذه الحروف المقطعة التي تقرأ هكذا: «ألف، لام، ميم» للتنبيه على إعجاز القرآن، كما تقدم في أمثالها، وتنبيه السامع على الاستماع بقلبه لما يلقى إليه بعدها.
{غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ، وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ} أي غلبت فارس قوم الروم في أقرب أرض الروم إلى بلاد العرب في مشارف الشام، بين الأردن وفلسطين، وسيغلب الروم فارس في بضع سنين (ما بين الثلاث إلى العشر من السنين) من تاريخ الوقعة الأولى، وتلك الأيام نداولها بين الناس.
(1)
الخطر: السبق الذي يتراهن عليه أي الرهن الذي يخاطر عليه.
وهذا إخبار بالغيب عن أمر في المستقبل، أيده الواقع، وقد نزلت الآيات كما بينا حين غلب سابور ملك الفرس على بلاد الشام وما والاها من بلاد الجزيرة وأقاصي بلاد الروم، فاضطر هرقل ملك الروم حتى ألجأه إلى القسطنطينية، وحاصره فيها مدة طويلة، ثم عادت الدولة لهرقل. فبعد نزول سورة الروم سنة 622 م ببضع سنين في سنة 627 م أحرز هرقل أول نصر حاسم للروم على الفرس في نينوى على نهر دجلة، وانسحب الفرس لذلك من حصارهم للقسطنطينية، ولقي كسرى أبرويز مصرعه سنة 628 م على يد ولده (شيرويه).
ولقد كانت هاتان الدولتان مسيطرتين على العالم القديم: فارس في الشرق، والروم في الغرب، وكانتا تتنازعان السيادة على بلاد الشام وغيرها.
{لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} أي الأمر كله من قبل الغلبة ومن بعدها، فتغلب إحدى الدولتين على الأخرى بقضاء الله وقدره، فهو يقضي في خلقه بما يشاء:{وَتِلْكَ الْأَيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ} [آل عمران 140/ 3] فليس الانتصار دائما عن قوة مادية ذاتية، وإنما القوة إحدى وسائل النصر، والمعول في النهاية إرادة الله وقدرته، فقد يتغلب الضعيف على القوي، والقليل على الكثير:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ، وَاللهُ مَعَ الصّابِرِينَ} [البقرة: 249/ 2].
{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ} أي ويوم ينتصر الروم النصارى أصحاب قيصر ملك الشام على فارس أصحاب كسرى الوثنيين المجوس، يفرح المؤمنون بنصر الله أهل الدين والكتاب على من لا دين له ولا كتاب.
{يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} أي ينصر الله من يريد على الأعداء، فهو الفعال لما يريد، وهو القوي الذي لا يغلب، المنتقم من أعدائه،
المعزّ أولياءه بقوته وقدرته، الرحيم بعباده المؤمنين، فلا يدع القوي يتحكم بالضعيف، ولا يعاجل بالانتقام على الذنوب، كما قال تعالى:{وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ، وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} [فاطر 45/ 35].
روى الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم والبزار عن أبي سعيد الخدري قال:
لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس، فأعجب ذلك المؤمنين، ففرحوا به، وأنزل الله:{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ، يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} .
وقال جماعة آخرون: بل كان نصر الروم على فارس عام الحديبية. والمهم أنه لما انتصرت الروم على الفرس، فرح المؤمنون بذلك؛ لأن الروم أهل كتاب في الجملة، فهم أقرب إلى المؤمنين من المجوس، كما قال تعالى:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا، وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا: إِنّا نَصارى.} . الآية [المائدة 82/ 5].
{وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ} أي هذا الذي أخبرناك به يا محمد من أنا سننصر الروم على فارس وعد حق من الله، وخبر صدق، والله لا يخلف الميعاد، ولا بد من وقوعه، لأن سنة الله أن ينصر أقرب الطائفتين المقتتلتين إلى الحق، ولكن أكثر الناس لا يعلمون بحكم الله وأفعاله القائمة على العدل، لجهلهم بالسنن القائمة في الكون.
{يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا، وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ} أي أكثر الناس لهم علم ظاهري بالدنيا وعلومها المادية كتدبير شؤون المعيشة، وتحصيل الأموال والمكاسب من تجارة وزراعة وصناعة وغيرها، ولكنهم غافلون عن أمور الدين والآخرة، كأنهم عديمو الفكر والنظر، لا ينظرون إلى المستقبل