المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌نزول الآية (28): {ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ}: نزلت الآية - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ٢١

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌طريقة إرشاد أهل الكتاب

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌أسلوب الجدال:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض مطالب المشركين التعجيزيةالإتيان بمعجزات حسية واستعجال بالعذاب

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأمر بالهجرة عند تعذر إقامة الشعائر الدينية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (60):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الصبر والتوكل:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌اعتراف المشركين بالإله الخالق الرازق المحيي

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بيان حال الدنيا واضطراب أوضاع الكفار فيها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الروم

- ‌تسميتها:

- ‌موضوعها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مشتملات السورة:

- ‌الإخبار بالغيب في المستقبل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحث على التفكر في المخلوقات الدالةعلى وجود الله ووحدانيته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إثبات الإعادة والحشر وبيان ما يكون وقت الرجوع إلى الله

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تنزيه الله تعالى وحمده في جميع الأحوال

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض أدلة الوحدانية والقدرة والحشر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌دعاء الأرق:

- ‌إثبات الوحدانية من واقع البشر

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأمر باتباع الإسلام دين الفطرة والتوحيد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سوء حال بعض الناس بالرجوع إلى الله أحياناثم الشرك والنكول

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الترغيب بالنفقة وأنواع العطاء وضمان الرزقوإثبات الحشر والتوحيد

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء المفسدين والكافرين وجزاء المؤمنين

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الاستدلال بالرياح والأمطار على قدرة الله وتوحيده

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تسلية النبي صلى الله عليه وسلم عما يلقاه من الإعراض عن دعوته

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أطوار حياة الإنسان

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أحوال البعث ومقارنتها بأحوال الدنيا

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مهمة القرآن في بيان أدلة العقيدةوأمر النبي بالصبر على الأذى والدعوة

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة لقمان

- ‌تسميتها:

- ‌موضوعها:

- ‌صلتها بما قبلها أو مناسبتها لما قبلها:

- ‌مشتملات السورة:

- ‌خصائص القرآن وأوصاف المؤمنين به

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إعراض الكافرين عن القرآن وإقبال المؤمنين عليه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حكم الغناء عند الفقهاء:

- ‌الاستدلال بخلق السموات والأرض على وحدانية الله وإبطال الشرك

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة لقمان الحكيم ووصيته لابنه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌توبيخ المشركين على الشرك مع مشاهدة دلائل التوحيد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سلامة منهج المؤمن وسوء طريقة الكافر

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إثبات وجود الله وسعة علمهوشمول قدرته على البعث وكل شيء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (28):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأمر بتقوى الله وبيان مفاتح الغيب

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة السجدة

- ‌تسميتها وفضلها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌موضوعها:

- ‌مشتملاتها:

- ‌إثبات النبوة (الرسالة)

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌دلائل التوحيد والقدرة الإلهية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إثبات البعث وحال الكفار يوم القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صفة المؤمنين في الدنيا وجزاؤهم عند ربهم في الآخرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء المؤمنين وجزاء الفاسقين

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عقد الصلة بين الرسالتينإنزال التوراة على موسى عليه السلام وموقف اليهود منها

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تأكيد ثبوت التوحيد والقدرة والحشر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الأحزاب

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌موضوعها:

- ‌مشتملاتها:

- ‌الأمر بتقوى الله واتباع الوحي والتوكل على الله

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تعدد القلب والظهار والتبني

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌قصة زيد بن حارثة في السيرة والسنة النبوية:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مكانة النبي صلى الله عليه وسلم ومهمته وتشريع الميراث بقرابة الرحم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌غزوة الأحزاب أو الخندق وبني قريظة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (12):

- ‌نزول الآية (23):

- ‌المناسبة:

- ‌أضواء من السيرة على غزوة الأحزاب أو غزوة الخندق:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌أولا-وصف الغزوة:

- ‌ثانيا-موقف اليهود والمنافقين من المسلمين:

- ‌ثالثا-موقف المؤمنين:

- ‌رابعا-نهاية المعركة أو الإجلاء:

- ‌خامسا-حصار بني قريظة:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تخيير زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بين الدنيا والآخرةومقدار ثوابهن وعقابهن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: ‌ ‌نزول الآية (28): {ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ}: نزلت الآية

‌نزول الآية (28):

{ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ} : نزلت الآية في أبيّ بن خلف وأبي بن الأسدين، ومنبّه ونبيه ابني الحجاج بن السباق، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى قد خلقنا أطوارا، نطفة ثم علقة ثم مضغة، ثم عظاما، ثم تقول: إنا نبعث خلقا جديدا جميعا في ساعة واحدة! فأنزل الله تعالى: {ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ} .

‌المناسبة:

بعد إقامة الأدلة على وحدانية الله بخلق السموات بغير عمد، وبإمداد خلقه بنعمه الظاهرة والباطنة، أبان الله تعالى أن المشركين معترفون بوجود الله، وأنهم يتضرعون إليه وحده وقت الشدة، ثم يعودون إلى كفرهم بعد النجاة. ثم أثبت تعالى وحدانيته بملكه ما في السموات وما في الأرض، ثم أقام الدليل على سعة علمه، وشمول قدرته على كل شيء، ومنه خلق الناس وبعثهم، وتعاقب الليل والنهار، وتسخير الشمس والقمر في دورة محددة، وتسيير السفن في البحار بتيسيره وتهيئة أسبابه، علما بأن المشركين يعترفون بتلك الآيات.

‌التفسير والبيان:

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ} أي وتالله لئن سألت هؤلاء المشركين بالله من قومك: من الذي خلق السموات والأرض؟ لأجابوا: هو الله الخالق، فهم معترفون بأن الله خالق السموات والأرض، غير منكرين له، لوضوح الأمر، وعدم وجود البديل، بحيث اضطروا إلى إعلان هذا الاعتراف بالله، ومع هذا فهم يعبدون معه شركاء، يعترفون أنها مخلوقة لله، ومملوكة له.

ص: 168

{قُلِ: الْحَمْدُ لِلّهِ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أي قل أيها الرسول: الحمد لله على اعترافكم، إذ قامت الحجة عليكم بإلجائكم إليه، وأن دلائل التوحيد واضحة، لا يكاد ينكرها أحد، ولكن أكثر المشركين لا يعلمون أنه ينبغي ألا يعبد مع الله غيره، وأن هذه الحجة تلزمهم، وتبين تناقضهم، وأنهم لم ينتبهوا مع وجود هذا التنبيه.

وبعد انتزاع هذا الاعتراف الصريح بوجود الله وتوحيده، استدل الله تعالى على ذلك بقوله:

{لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} أي لله جميع ما في السموات وما في الأرض ملكا وخلقا وعبيدا وتصرفا، وليس ذلك لأحد سواه، فلا يستحق العبادة غيره، لأنه الغني عما سواه، وكل شيء فقير إليه، وهم مملوكون له، محتاجون إليه، وهو المحمود في الأمور كلها، وعلى نعمه التي أنعم بها، وعلى ما خلق وشرع.

ومنعا لإيهام قوله تعالى: {لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} تناهي ملكه بحصره في الموجود في السموات والأرض، أبان تعالى أن في قدرته وعلمه عجائب لا نهاية لها، فقال:

{وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ، وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ، ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ، إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} أي ولو أن جميع أشجار الأرض جعلت أقلاما، وجعل البحر مدادا (حبرا) وأمده سبعة أبحر معه، فكتبت بها كلمات الله الدالة على عظمته وصفاته وجلاله، لتكسرت الأقلام، ونفد ماء البحر، ولو جاء أمثالها مددا، إن الله قوي لا يعجزه شيء، حكيم في صنعه، لا يخرج عن علمه وحكمته شيء، كامل القدرة، فيكون له مقدورات لا نهاية لها.

وإنما ذكرت السبعة على وجه المبالغة، ولم يرد الحصر، كما لم يرد أن هناك

ص: 169

سبعة أبحر موجودة محيطة بالعالم، والعرب تذكر السبعة والسبعين والسبع مائة، وتريد بذلك الكثرة.

والخلاصة: أن الآية تخبر عن عظمة الله وكبريائه وجلاله وكلماته التامة ومعلوماته وأسراره التي لا يحيط بها أحد، ولا اطلاع لبشر على كنهها وإحصائها، كما

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «سبحانك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» فمعلوماته تعالى لا نهاية لها. ويكون المراد بكلمات الله:

معلوماته، وقيل: هي ما في المعدوم، دون ما خرج من العدم إلى الوجود

(1)

.

ونظير الآية: {قُلْ: لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي، لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي، وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً} [الكهف 109/ 18] وليس المراد بقوله: {بِمِثْلِهِ} آخر مثل فقط، بل بأمثاله، لأنه مفرد مضاف فيعم، كما أن {كَلِماتُ} وإن كانت جمع قلة، تفيد هنا الكثرة، لأن جموع القلة إذا تعرفت بالألف واللام غير العهدية، أو أضيفت، عمّت، وصارت لا تخص القليل، والعام مستغرق جميع أفراده.

ولما بيّن الله تعالى كمال قدرته وعلمه وأن كلماته ومعلوماته لا يحيط بها أحد، أوضح أن هذا الخلق غير المنحصر قد أحاط به علما، وأنه قادر على البعث والمحشر كما قدر على الخلق أول مرة، فقال:

{ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ، إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} أي ما خلق جميع الناس وبعثهم يوم المعاد بالنسبة إلى قدرته إلا كسبة خلق نفس واحدة، الجميع هيّن عليه، كما قال:{إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ} [يس 82/ 36] وقال تعالى أيضا: {وَما أَمْرُنا إِلاّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر 50/ 54] أي لا يأمر بالشيء إلا مرة واحدة، فيكون ذلك الشيء، لا يحتاج

(1)

البحر المحيط: 192/ 7

ص: 170

إلى تكرار الأمر وتوكيده، وقال سبحانه:{فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ، فَإِذا هُمْ بِالسّاهِرَةِ} [النازعات 13/ 79 - 14] فمن لا نفاد لكلماته يقول للموتى: كونوا، فيكونوا.

وقوله: {إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} أي كما أن الله سميع لأقوال عباده، بصير بأفعالهم، كسمعه وبصره بالنسبة إلى نفس واحدة، كذلك قدرته عليهم كقدرته على نفس واحدة.

وبعد بيان تسخيره تعالى ما في السموات وما في الأرض، ذكر هنا بعض ما فيهما على وجه الخصوص، بقوله:{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ} ثم ذكر بعض ما في السموات بقوله: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} ثم أردفه ببعض ما في الأرض بقوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ} .

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ، وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ} أي ألم تشاهد أن الله في شأن تعاقب الليل والنهار، يزيد في زمن الليل على حساب النهار في الشتاء، ويزيد في ساعات النهار على حساب الليل في الصيف، فيأخذ من هذا ويضيفه إلى ذاك، فيطول أحدهما ويقصر الآخر.

{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى، وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} أي ذلّل النيرين لمصالح خلقه ومنافعهم، كل منهما يسير بسرعة إلى غاية محدودة، أو إلى يوم القيامة، وأن الله مطلع بدقة على جميع أعمالكم من خير وشر، ويجازيكم عليها، فهو الخالق العالم بجميع الأشياء.

ثم ذكر الله تعالى الهدف من بيان آياته فقال:

{ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ، وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ، وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} أي إنما يظهر الله لكم آياته، ويبين عجائب قدرته وحكمته، لتستدلوا بها على أنه الحق، أي الموجود الثابت المستحق للعبادة، وأن كل ما سواه

ص: 171

باطل زائل، فهو الغني عما سواه، وكل شيء فقير إليه، لأن جميع ما في السموات والأرض خلقه وعبيده، ولا يقدر أحد منهم على تحريك ذرة إلا بإذنه وقدرته ومشيئته، وأن الله تعالى هو العلي الذي لا أعلى منه، المرتفع على كل شيء، الكبير الذي هو أكبر من كل شيء، العظيم السلطان، فكل شيء خاضع له.

وبعد ذكر الآيات السماوية الدالة على وجود الله تعالى وقدرته ووحدانيته، ذكر آية أرضية، فقال:

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ} أي ألم تعلم أيها المخاطب أيضا أن الله سخر البحر لتجري فيه السفن بأمره، أي بلطفه وإحسانه وتهيئة الأسباب، ليرشدكم إلى معرفته، ويظهر لكم شيئا أو بعضا من قدرته، فإنه لولا ما جعل في الماء من قوة يحمل بها السفن، لما جرت.

إن فيما ذكر من الأدلة السماوية والأرضية لأدلة واضحة وعلامات نيّرة لكل صبّار (كثير الصبر) في الضراء، شكور في الرخاء، لأن المؤمن متذكر ربه، فيصبر إذا أصابته نقمة، ويشكر إذا أتته نعمة،

قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البيهقي عن أنس، وهو ضعيف:«الإيمان نصفان: فنصف في الصبر، ونصف في الشكر» .

ثم ذكر الله تعالى تناقض المشركين واضطرابهم من اللجوء إليه حين الضراء، ونسيانه حال السراء، فقال:

{وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ، دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ، فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ، وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاّ كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ} أي وإذا أحدقت بهم مخاطر الأمواج العالية التي تشبه الجبال والغمام، رجعوا إلى الفطرة، ودعوا الله دعاء حارّا، مخلصين له الطاعة، لا يشركون به غيره، مستغيثين به وحده، فلما رحمهم ونجوا بفضله من الأهوال المحدقة، ووصلوا إلى شاطئ البر والسلامة، فمنهم

ص: 172