الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتحرك وينمو، وأنعم عليكم بالحواس مفاتيح المعرفة وصمامات الأمان، فمنحكم السمع الذي تسمع به الأصوات، والأبصار التي تبصر بها المرئيات، والعقول التي تفكرون بها، وتميزون بين الخير والشر، والحق والباطل.
وهكذا يلاحظ التدرج في الخلقة وأطوار الإنسان، فهو ينشأ أولا من مادة هي الطين اللازب، ثم تصبح هذه المادة ذات إفرازات حية، يتم بها تكوين الجنين، ثم تتحرك المادة بالروح التي هي من الحق تعالى، فيصبح خلقا جديدا سويا في أحسن تقويم، فتبارك الله أحسن الخالقين.
{قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ} أي أنكم أيها الناس لا تقابلون هذه النعم بالعرفان والوفاء، والشكر والامتنان، وإنما تشكرون ربكم قليلا على هذه النعم التي رزقكم الله تعالى، باستعمال تلك الحواس في طاعة الله واتباع مرضاته.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
هناك دلائل كثيرة على توحيد الله وكمال قدرته ليسمعوا القرآن ويتأملوه، منها إبداع السموات والأرض وإيجادها بعد العدم، وبعد أن لم تكن شيئا، في أجزاء من الزمن الله أعلم بمقدارها، وقد قرّبها لعقولنا وعبر عن طولها بقوله {فِي سِتَّةِ أَيّامٍ} .
وقد اختلف المفسرون في تفسير هذه الأيام الستة، فقال ابن عباس: إن اليوم من الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض مقداره ألف سنة من سنيّ الدنيا.
وقال الضحاك: في ستة آلاف سنة؛ أي في مدة ستة أيام من أيام الآخرة.
2 -
والاستواء على العرش استواء يليق بجلال الله وكماله دون تحديد ولا
حصر، وهو الأصح أو التمكن والسلطة على الكون المخلوق حاصل مع خلق السموات والأرض، فليست {ثُمَّ} للترتيب، وإنما هي بمعنى الواو.
3 -
إن الله عز وجل ولي المؤمنين الذي يتولى مصالحهم وناصرهم وشفيعهم، فإذا تجاوز الناس رضاه لم يجدوا لأنفسهم وليا، أي ناصرا ينصرهم ولا شفيعا يشفع لهم، وعليه، ليس للكافرين من ولي يمنع عنهم العذاب، ولا شفيع يتوسط لهم فيرفع عنهم العقاب.
فهل من متذكر معتبر في قدرة الله ومخلوقاته؟! 4 - ويأتي الأمر بعد الخلق، للدلالة على عظمة الله، فإن نفاذ أمر الله في الكون دليل على عظمته، لذا كان الأمر والتدبير في الكون وإنزال القضاء والقدر، ونفاذ هذا التدبير من مظاهر عظمة الله تعالى، ومجموع هذه الأوامر النافذة كلها عائد إلى الله يوم القيامة، فقوله:{ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} معناه يرجع ذلك الأمر والتدبير إليه بعد انقضاء الدنيا، {فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ} هو يوم القيامة، وقد يكون لشدة أهواله وبحسب أحوال بعض الناس في مدة مقدارها خمسون ألف سنة، كما قال تعالى:{تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج 4/ 70].
ورأى الزمخشري في الكشاف أن المراد من الأمر: المأمور به من الطاعات والأعمال الصالحة ينزله مدبرا من السماء إلى الأرض، ثم يصعد إليه المأمور خالصا في مدة متطاولة لقلة عمال الله والخلّص من عباده وقلة الأعمال الصاعدة؛ لأنه لا يوصف بالصعود إلا الخالص، ثم يثبت ذلك الأمر الصاعد ويصير إلى الله في كل وقت إلى أن تبلغ المدة آخرها في يوم القيامة الذي هو من أيام الله، ويوم الله كألف سنة، ثم يدبر الله أيضا الأمر ليوم آخر، وهلم جرا إلى أن تقوم الساعة
(1)
(1)
الكشاف: 522/ 2 - 523
5 -
الله تعالى في خلقه وتدبيره وحسمه أمر الدنيا بالقيامة يعلم ما غاب عن الخلق وما حضرهم، فلا تفوته مصلحة، ولا تخفى عليه خافية من أعمال المخلوقات. وفي هذا الكلام معنى التهديد والوعيد، يراد به أن أخلصوا أفعالكم وأقوالكم، فإني أجازي عليها.
6 -
لله القدرة البالغة التي لا توصف عظمتها وحدودها، فقد خلق أصل الإنسان من طين، ثم جعل ذريته يتناسلون كذلك من ماء ممتهن ضعيف، ثم أكمله وأتمه وعدّله ونفخ فيه الروح، وخلق فيه حواس السمع والبصر والعقل أدوات المعرفة ووسائل إدراك الحق والهدى، وتلك نعم عظمي تستحق الشكر والوفاء بالمعروف، لكن أكثر الناس كافرون لا يشكرون، وقليل من عباده الشكور.
ويلاحظ أن الترتيب في السمع والأبصار والأفئدة على مقتضى الحكمة؛ لأن الإنسان يسمع أولا الأمور فيفهمها، ثم يبصر الأمور، ثم يحصل له بعد السمع والبصر الإدراك التام والذهن الكامل، فيستخرج الأشياء مما سمع ورأى.
وسبب ذكر السمع مصدرا، والأبصار والأفئده اسما، فجمع الأبصار والأفئدة ولم يجمع السمع: هو لحكمة هي أن الإنسان لا يسمع في زمان واحد كلامين على وجه يضبطهما، ولا اختيار لمحل السمع وهو الاذن، ويدرك في زمان واحد صورتين فأكثر بالعين ويعيهما ويستبينهما في القلب، ولمحل البصر وهو العين شبه اختيار، فإنها تتحرك إلى جانب مرئي دون غيره، وكذلك الفؤاد محل الإدراك له نوع اختيار، فذكر في السمع المصدر الذي هو القوة، وفي الأبصار والأفئدة الاسم الذي هو محل القوة.