الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذاك تسع: هن خمسة من قريش وهن عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة بنت أبي أمية، وأربعة من غير قريش: ميمونة بنت الحارث الهلالية، وزينب بنت جحش الأسدية، وجويرية بنت الحارث المصطلقيّة، وصفيّة بنت حييّ بن أخطب الخيبرية. فلما خيرهن رسول الله اخترن كلهن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. هذا وجه تعلق الآيات بما قبلها. أما مناسبة هذه الآيات للسورة فهي أن مكارم الأخلاق منحصرة في شيئين: التعظيم لأمر الله تعالى، والشفقة على خلق الله تعالى، وإلى هذا أشار صلى الله عليه وسلم
بقوله فيما رواه البزار عن أبي رافع: «الصلاة وما ملكت أيمانكم» . فلما أرشد الله سبحانه نبيه إلى ما يتعلق بجانب التعظيم لله بقوله:
{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ} [الأحزاب 1/ 33] ذكر ما يتعلق بجانب الشفقة، وبدأ بالزوجات، فإنهن أولى الناس بالشفقة، ولهذا قدمهن بالنفقة.
التفسير والبيان:
{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ: إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها، فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً} يأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بتخيير نسائه بين ملك الدنيا ونعيم الآخرة، والمعنى: يا أيها الرسول قل لأزواجك:
اخترن لأنفسكن إحدى حالين: إما المفارقة إن أحببتن وكان عظيم همكن التعمق في لذات الحياة الدنيا وزينتها ومتاعها ونعيمها، وحينئذ أعطيكن متعة الطلاق المستحقة وهي مال يهدى للزوجة المطلقة تطييبا لخاطرها، وأطلقكن طلاقا لا ضرر فيه ولا بدعة، وإما الصبر على ما عندي من ضيق الحال، وهو المذكور في الآية التالية.
أما متعة الطلاق: فهي كسوة أو هدية أو مال بحسب حال الزوج يسارا وإعسارا، كما قال تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ، عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ، وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ،
مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ، حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة 236/ 2] وأما الطلاق الذي لا ضرر فيه ولا بدعة: فهو ما يكون في حال الطهر مع استقبال العدة أي الابتداء بها، لا في الحيض؛ لقوله تعالى:{إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق 1/ 65].
{وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدّارَ الْآخِرَةَ، فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} أي وإن أردتن رضا الله ورسوله وثواب الآخرة وهو الجنة، فإن الله أعدّ للمحسنة منكن ثوابا عظيما، تستحقر زينة الدنيا دونه. وهذا دليل على أن من أراد الله ورسوله والدار الآخرة كان محسنا صالحا. وقوله:{تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدّارَ الْآخِرَةَ} فيه معنى الإيمان.
ولما خيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الدنيا والآخرة، اخترن جميعا الآخرة، فسرّ بذلك، وشكرهن الله على حسن اختيارهن، وكرّمهن، فقال:{لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ، وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ} [الأحزاب 52/ 33]{وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ، وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً} [الأحزاب 53/ 33].
وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم اثنتا عشرة، وهن أمهات المؤمنين، ولم يتزوج إلا بكرا واحدة هي السيدة عائشة، وكان زواجه بالأخريات تأليفا للقلوب، ومن أجل نشر الدعوة الإسلامية، وبناء الدولة، ووحدة الكلمة، وهن
(1)
:
1 -
خديجة بنت خويلد: أول زوجاته، تزوجها بمكة، وعاشت مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد النبوة سبع سنين، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت، وسنّه 54 عاما، وهي أول من آمن من النساء. وجميع أولاده منها غير إبراهيم.
2 -
سودة بنت زمعة بنت عبد شمس العامرية، دخل بها بمكة، وتوفيت بالمدينة.
(1)
تفسير القرطبي: 164/ 14 وما بعدها.
3 -
عائشة بنت أبي بكر الصديق، الصديقة بنت الصديق، العالمة الفقيهة راوية الحديث الكثير عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنى بها بالمدينة وهي بنت تسع، وبقيت عنده تسع سنين، ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بنت ثمان عشرة، ولم يتزوج بكرا غيرها.
4 -
حفصة بنت عمر بن الخطاب القرشية العدوية، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم طلّقها، فقال له جبريل:«إن الله يأمرك أن تراجع حفصة، فإنها صوّامة قوّامة» فراجعها.
5 -
أم سلمة: تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابنها سلمة على الصحيح، واسمها هند بنت أبي أمية المخزومية.
6 -
أم حبيبة، رملة بنت أبي سفيان، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة سبع من الهجرة ودخل بها بعد الهجرة بسبع سنين وكان وكيله في زواجها عمرو بن أمية الضّمري، وقد أصدقها النجاشي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة دينار، لما مات زوجها.
7 -
زينب بنت جحش: تزوجها بأمر الله بعد طلاقها من زوجها أسامة بن زيد، لإبطال التبني وآثاره. وكان اسمها برّة، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب.
8 -
زينب بنت خزيمة بن الحارث: تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ماتت بعد ثمانية أشهر، كانت تسمى في الجاهلية أمّ المساكين؛ لإطعامها إياهم.
9 -
صفية بنت حييّ بن أخطب الهارونية: تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أعتقها، وكانت من سبايا خيبر، اشتراها الرسول صلى الله عليه وسلم من دحية الكلبي بسبعة أرؤس.
10 -
ريحانة بنت زيد: تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم سنة ست، وماتت إثر حجة
الوداع، وكان زوجها قد قتل في الحرب، فتزوجها إكراما له ولأولاده.
11 -
جويرية بنت الحارث بنت أبي ضرار المصطلقيّة الخزاعية، من سبايا بني المصطلق، تزوجها في شعبان سنة ست، وكان اسمها برّة، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية.
12 -
ميمونة بنت الحارث الهلالية آخر امرأة تزوجها.
هؤلاء المشهورات من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وهن اللاتي دخل بهن، رضي الله عنهن.
وله نساء تزوجهن ولم يدخل بهن، منهن الكلابية واسمها فاطمة أو عمرة وهي المستعيذة، وأسماء بنت النعمان بن الجون، وقتيلة بنت قيس أخت الأشعث بن قيس، وعددهن عشر، وكان له من السراري سرّيّتان: مارية القبطية وريحانة، وأما من خطبهن فلم يتم نكاحه معهن ومن وهبت له نفسها فعددهن تسع، كأم هانئ بنت أبي طالب.
وبعد أن خيرهن واخترن الله ورسوله والدار الآخرة، وعظهن وهددهن بمضاعفة العذاب على المعصية فقال:
{يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ، وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً} أي يا نساء النبي وأمهات المؤمنين من يرتكب منكن معصية كبيرة ظاهرة القبح كالنشوز وعقوق الزوج وسوء الخلق، يكون عقابها مضاعفا، لشرف منزلتكن، وفضل درجتكن، وتقدمكن على سائر النساء، فأنتن أهل بيت النبوة، وكان تضعيف العذاب لهن يسيرا هينا على الله الذي لا يحابي أحدا لأجل أحد.
قال أبو حيان: ولا يتوهم أن الفاحشة: الزنى؛ لعصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم من