الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد أنجز الله وعده، فكانت أرزاق المهاجرين في المدينة أكثر وأوسع وأطيب، وصاروا بعد زمن قصير حكام البلاد في سائر الأقطار والأمصار. ونظير الآية قوله تعالى:{وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاّ عَلَى اللهِ رِزْقُها، وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها، كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ} [هود 6/ 11].
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يلي:
1 -
الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام مطلوبة واجبة حال وجود أذى الكفار وتعذر إقامة شعائر الدين، فعلى المسلم أن يتلمس عبادة الله في أرضه مع صالحي عباده، فإن كان في حال مضايقة من إظهار الإيمان في أرض، فهاجر إلى أرض أخرى، فإن أرض الله واسعة، لإظهار التوحيد بها. وهذا كان مناسبا للمؤمنين في صدر الإسلام حيث هاجروا من مكة مهد الشرك والوثنية إلى المدينة الطيبة المطهرة، ثم ارتفع الوجوب ولم تعد الهجرة واجبة بعد فتح مكة، وإنما بقيت الهجرة بمعنى هجر السوء وترك ما نهى الله عنه.
والآية نزلت في الهجرة قبل الفتح، لا في الهجرة مطلقا في كل زمان ومن أي بلد، ولكن بعمومها تعد مستندا للقول بوجوب الهجرة على الدوام عند الإمكان إذا لم يتمكن المسلم من إقامة شعائر دينه.
2 -
رغّب الله في الهجرة السابقة من مكة إلى المدينة بتحقير أمر الدنيا ومخاوفها وبيان أن البشر كلهم ميتون ومحشورون إلى الله، وما عليهم إلا المبادرة إلى طاعة الله والهجرة إليه وإلى ما يمتثل.
3 -
وعد الله المؤمنين العاملين بسكنى الجنة تحريضا منه تعالى، وذكر الجزاء الذي ينالونه وهو دخول الجنان التي تجري من تحتها الأنهار وإسكانهم المنازل العالية.
روى مسلم في صحيحة عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أهل الجنة ليتراؤون أهل الغرف من فوقهم، كما تتراؤون الكوكب الدرّيّ الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم، قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدّقوا المرسلين» .
وروى الترمذي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة لغرفا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها، فقام إليه أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله؟ قال: هي لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلّى الله بالليل والناس نيام» .
4 -
من أهم صفات المؤمنين الذين يستحقون الجنان: الصبر على الأذى وعلى مشاق التكاليف الشرعية، والتوكل على الله، فهما صفتان يدلان على العلم بالله تعالى، وهما صفتان مناسبتان أيضا للهجرة والجهاد موضوع الآيات.
5 -
بدد الله سبحانه مخاوف المهاجرين ومخاطر المغتربين، فأبان أن الموت حتمي في أجل مسمى، فلا يزيد العمر ولا ينقص، سواء أكان الشخص مقيما في موطنه، أم مسافرا مغتربا بعيدا عن بلده، كما قال سبحانه:{أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ، وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء 78/ 4].
وأبان أيضا أن الرزق مكفول ومقسوم منه تعالى، كما قال تعالى:{وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ} [الذاريات 22/ 51] ومن رحمته سبحانه أنه ييسر الرزق رغدا لكل دابة كل يوم، رغم ضعفها، وأنها لا تدخر شيئا لغد، سواء أكانت الدابة في جوف الأرض أم في ظاهرها أم في أعماق المياه، أم في أعالي الفضاء.