الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم توجه في سنة ست وعشرين وستمائة إلى دمشق لإبرام العقد فأبرمه ظاهر دمشق كما ذكرنا (1). ثم في هذه السنة سيره الملك العزيز إلى الديار المصرية لإحضارها فتوجه إلى مصر في محفة وعمره تسع وثمانون سنة، وقد صار من الكبر (2) منطويا (3). وتوجه في خدمته جماعة من الفضلاء والأعيان من جملتهم الشيخ نجم الدين بن الخباز رحمه الله. فأقام القاضى بهاء الدين ابن شداد بالديار المصرية إلى أن خرجت هذه السنة.
وفى هذه السنة سافر السلطان الملك الأشرف إلى الديار المصرية (4) فأقام عند أخيه السلطان الملك الكامل متنزها في الديار المصرية إلى أن خرجت السنة.
ذكر خروج التتر في هذه السنة إلى البلاد وما فعلوه
من سفك الدماء والإفساد
لما كسر السلطان جلال الدين بن [علاء الدين (5)] خوارزم شاه، وهلك بعض عسكره، وضعف الباقون منهم طمعت التتر في البلاد، فخرجوا
(1) انظر ما سبق ص 254 - 255.
(2)
في نسخة م «وقد صار للكبر» والصيغة المثبتة من نسخة س.
(3)
في نسخة س «منطوى» وهو تصحيف والصيغة المثبتة من نسخة م. وذكر ابن خلكان (وفيات الأعيان، ج 2 ص 357) عند ترجمته لابن شداد أن «الهرم كان قد أثر فيه حتى صار كفرخ الطائر من الضعف لا يقدر على الحركة للصلوات وغيرها إلا بمشقة عظيمة» .
(4)
وردت هذه الجملة في نسخة س «وسافر في هذه السنة الملك الأشرف إلى خدمة أخيه السلطان الملك الكامل» والصيغة المثبتة من نسخة م.
(5)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
في هذه السنة من بلاد ماوراء النهر وقصدوا بلاد أذربيجان. وكانت بلاد ماوراء النهر - بعد تخريبهم إياها [163 ب] كسمرقند وبخارا وغيرهما - قد عمرت وصلحت أحوالها. وأما مدينة خوارزم فإنه عمرت مدينة تقاربها عظيمة. وأما مدائن خراسان فبقيت خرابا يبابا لا يجسر أحد من المسلمين أن يسكنها. وكانت التتر تدخل كل حين طائفة منهم إليها وينهبون ما يجدونه فيها، والبلاد خاوية على عروشها، ولم يزل الأمر كذلك إلى أن ظهر (1) منهم في سنة خمس وعشرين وستمائة [طائفة، وجرى بينهم وبين جلال الدين ما قدمنا ذكره].
فلما كانت هذه السنة - أعنى سنة ثمان وعشرين وستمائة - (2)] وجرى على جلال الدين من الهزيمة ما ذكرناه، أرسل إمام (3) الإسماعيلية - وهو صاحب الألموت (4)،
(1) في نسخة س (ظهرت) والصيغة المثبتة من نسخة م وكذلك من ابن الاثير، الكامل، ج 12 ص 495 (حوادث سنة 628).
(2)
ما بين الحاصرتين مذكور في الهامش في نسخة س ومثبت في م.
(3)
كذا في نسختى المخطوطة وفى ابن الاثير (الكامل، ج 12 ص 495)«مقدم الإسماعيليه» .
(4)
عن أصل قلعة ألموت - من نواحى قزوين - ذكر ابن الأثير في حوادث سنة 494 هـ «أن ملكا من ملوك الديلم كان كثير التصيد فأرسل يوما عقابا وتبعه فرآه قد سقط على موضع هذه القلعة. فوجده موضعا حصينا فأمر ببناء قلعة عالية فسماها آله موت، ومعناه بلسان الديلم تعليم العقاب» . وعند ما أخذ حسن الصباح يبحث أثناء رحلاته عن قاعدة نائية حصينة صعبة المنال يستطيع منها أن يوجه هجماته ضد الدولة السلجوقية، وقع اختياره على قلعة ألموت إذ وجدها مشيدة على شعب ضيق على قمة صخرة عالية في قلب جبال البرز، وتتحكم في واد مزروع مغلق طوله نحو ثلاثين ميلا وعرضه نحو ثلاثة أميال. ووجد الصباح أيضا أن هذه القلعة على ارتفاع أكثر من 6000 قدم فوق سطح البحر، وأنها شيدت فوق قاعدة الصخرة ولا يمكن الوصول إليها إلا بواسطة ممر ضيق منحدر حلزونى. وكان الوصول إلى الصخرة يتم خلال الممر الضيق لنهر ألموت بين منحدرات شديدة وشعاب معلقة أيضا. وكانت قلعة ألموت عند ما استولى عليها حسن الصباح سنة 1090 م بيد رجل علوى اسمه مهدى كان قد أخذها من السلاجقة. واتخذ الصباح ودعاة الإسماعيلية من بعده هذه القلعة مقرا وقاعدة للدعوة الإسماعيلية للاستيلاء على قلاع جديدة ولكى يخرج الدعاة منها لنشر الدعوة في كل مكان، انظر ابن الأثير، الكامل، ج 10، ص 316 - 317 انظر أيضا:
Bernard Lewis، The Assassins pp. 42 - 44.
والترجمة العربية للدكتور سهيل زكار (بيروت 1971)، ص 57 - 58.
[وما معها من الحصون ببلاد العجم مثل كردكوه (1) وغيرها، وله بالشام الحصون المعروفة وله النواب بها - فعرّف التتر ضعف جلال الدين بالهزيمة الكائنة عليه من الملك الأشرف وسلطان الروم (2)]، وحثهم على قصده عقيب هذا الضعف، وضمن لهم الظفر به للوهن الذى صار إليه.
وكان جلال الدين - كما قدمنا ذكره - قبيح السيرة، سيء التدبير جدا.
وهو الذى أفسد حاله وحال المسلمين التابعين (3) لفساد حاله؛ [فأول أفعاله الردية التي صدرت منه ونفرت الناس وخوفتهم منه (4)] أنه أول ما ظهر أمره عقيب خروجه من [بلاد (5)] الهند وحلوله في أصفهان أنه قصد خوزستان وقصد مدينة ششتر (6) وهى للخليفة (7)، وسار إلى دقوقا وهى أيضا للخليفة فنهبها، وقتل كل من وجد فيها من المسلمين، وفعل من الإفساد [وسفك الدماء أعظم من (8)] فعل التتر الكفار.
(1) كردكوه من قلاع الإسماعيلية المشهورة ذكرها أبو الفدا (تقويم البلدان، ص 466) عند وصفه لزابلستان وقال أن معنى هذا الاسم «جبل مدور لأن معنى لفظة كرد المدور ومعنى كوة الجبل» . انظر أيضا لسترنج، بلدان الخلافة الشرقية، ص 405 (الترجمة العربية).
(2)
ورد ما بين الحاصرتين في نسخة س في بعض الأختصار والصيغة المثبتة من نسخة م.
(3)
في نسخة م «التابع» وهو تصحيف والصيغة المثبتة من س.
(4)
ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة س وورد بدلها «فلا جزاه الله عن الإسلام خيرا» .
(5)
ما بين الحاصرتين من نسخة س وساقط في نسخة م.
(6)
ششتر هى مدينة تستر أعظم مدن خوزستان، انظر ياقوت، معجم البلدان؛ أبو الفدا، تقويم البلدان، ص 314 - 315.
(7)
ورد بعدها في نسخة س «فنهبها» واللفظ غير وارد في م وكذلك غير مذكور في ابن الأثير، الكامل، ج 12 ص 495.
(8)
ما بين الحاصرتين من نسخة س وورد بدلها في نسخة م «والسفك» .
ثم ملك أذربيجان [وهرب صاحبها أزبك مظفر الدين بن البهلوان إلى حصن من حصونه فمات به، وكان طول عمره مشتغلا باللهو والطرب (1)].
ثم عادى (2) السلطان علاء الدين - سلطان الروم - والملك الأشرف والملك الكامل، وعادى أيضا الكرج، ولم يبق له صديقا من ملوك الأطراف غير الملك المعظم صاحب دمشق ومظفر الدين صاحب إربل. واتفق موت الملك المعظم، ولم يكن لمظفر الدين تلك القوة فصارت كلمة الجميع متفقة عليه وأيديهم سواء في حربه ومجاهدته. وانضاف إلى ذلك سوء السيرة في الرعية والإقدام على سفك الدماء. ولما [164 ا] ملك (3) خلاط بذل سيفه فيها، وفعل أكثر مما تفعله الكفرة، وأساء إلى صاحب الألموت، وأطرح جانبه، وقصد بلاده في سنة أربع وعشرين وستمائة، فقتل (4) الإسماعيلية أميرا من أمرائه كان مقطعا من قبله كنجة (5)، فغضب لذلك جلال الدين ونهب بلاد الإسماعيلية نهبا شنيعا، وخرب ضياعهم، وقتل أهلها، وسبى الحريم، واسترق الأولاد، وعمل فيهم الأعمال الفظيعة.
ولما وصلت رسل الإسماعيلية في هذه السنة - أعنى سنة ثمان وعشرين وستمائة - إلى التتر يحرضونهم على قصد جلال الدين (6)، قصدت طائفة منهم
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة م ومثبت في س.
(2)
في نسخة م «فعادى» والصيغة المثبتة من س.
(3)
في نسخة س «فتح» والصيغة المثبتة من نسخة م.
(4)
في نسخة م «لقتل» وهو تصحيف والصيغة المثبتة من نسخة س.
(5)
كان اسم هذا الأمير أورخان وقد اغتاله الإسماعيلية لإغارته على بعض معاقلهم انظر:
Lewis، The Assassins. P. 84 .
(6)
عن العلاقات الودية بين الإسماعيلية والمغول أعداء الخوارزمية، انظر:
Lewis، op. cit، P. 86.
بلاده، واستولوا على الرى وهمذان وما بينهما من البلاد، ولم يتمكنوا من أصفهان وإنما ملكوها بعد هلاك جلال الدين، لوقوع الاختلاف بين أهلها.
ثم قصدوا في هذه السنة بلاد أذربيجان فجاسوا خلالها ينهبون ويقتلون من ظفروا به، وجلال الدين لا يقدم على لقائهم، ولا يقدر على منعهم من البلاد، وقد ملىء منهم رعبا وخوفا، وانضاف إلى ذلك أن عسكره اختلفوا عليه وتفرقت كلمتهم.
[ذكر واقعة غريبة وقعت لجلال (1) الدين]
قد وقعت لجلال الدين واقعة غريبة تؤذن بفساد عقله واختلال مزاجه؛ وهو أنه كان له مملوك يحبه محبة شديدة مفرطة يقال له قلج، وكان خصيا، فاتفق موته بعد الكسرة، فحزن عليه جلال الدين حزنا شديدا وأظهر من الجزع والهلع ما لا مزيد عليه، ولم يسمع من أحد بمثله، ولا لمجنون ليلى.
وكان موته بمكان بينه وبين توريز عدة فراسخ، فمشى الناس في جنازته هذه المسافة كلها، ومشى هو بعض الطريق راجلا، حتى ألزمه أمراؤه ووزيره بالركوب فركب. ولما قرب من توريز أرسل إلى أهل البلد يأمرهم بالخروج من البلد لتلقى التابوت، ففعلوا. وأنكر عليهم كونهم لم يبعدوا، ولم يظهر عليهم من الحزن والبكاء أكثر مما فعلوا. وأراد أن يعاقبهم على ذلك فشفع فيهم أمراؤه فتركهم.
ثم إنه لم يدفن ذلك المملوك وإنما كان يستصحبه معه [164 ب] حيث سار وهو يلطم ويبكى، وامتنع من الأكل والشرب. وكان إذا قدم إليه
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة س ومثبت في م.
الطعام يقول: «احملوا من هذا إلى قلج (1)» . ولم يتجاسر أحد أن يتفوه عنده أنه مات. وأنه قيل له يوما أنه مات فقتل الذى قال ذلك. وكانوا يحملون إلى قلج (2) الطعام، ثم يعودون إليه ويقولون إنه:«يقبل الأرض ويقول (3) إننى الآن أصلح مما كنت» . فلحق أمراءه من الغيظ والأنفة لهذا الأمر السيىء ما شوش قلوبهم عليه. فذكر عز الدين بن الأثير [في تاريخه (4)] أنهم فارقوه وانحازوا عنه مع وزيره، وأنه بقى حيران لا يدرى ما يصنع لا سيما لما خرج التتر عليه، فحينئذ دفن الغلام، وراسل الوزير، واستماله وخدعه إلى أن حضر عنده.
فلما وصل إليه بقى عنده أياما، ثم قتله جلال الدين (5).
هذا ما حكاه ابن الأثير، وحكى لى الأمير حسام الدين بن أبى على عن بعض من أخبره أن الغلام (6) كان يحمل مع جلال الدين من منزلة إلى منزلة، وإذا نزل أحضر التابوت وجعل قريبا منه بحيث يراه، وإذا أكل وشرب بعث له شيئا من المأكول أو المشروب، وبقى كذلك مدة. وفى بعض الأيام تقدم وزير السلطان (7) إلى التابوت - وهم سائرون - فأمر بإنزاله فأنزل، ثم أمر من حفر له حفيرة فحفرت، ثم أمر بدفنه فيها. ولما نزل جلال الدين في خيمته
(1) في نسخة س «قليج يعنى ذلك المملوك الميت» والصيغة المثبتة من نسخة م.
(2)
في نسخة س «المملوك الميت» والصيغة المثبتة من م.
(3)
في نسخة س «ويقول لك» والصيغة المثبتة من م وكذلك من ابن الأثير (الكامل، ج 12 ص 497).
(4)
ما بين الحاصرتين من نسخة س وساقط من م.
(5)
انظر ابن الأثير، الكامل، ج 12 ص 497.
(6)
في نسخة س «المملوك الميت» والصيغة المثبتة من م.
(7)
في نسخة س «وزير جلال الدين» والصيغة المثبتة من م.