الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما السرية التي سيرها جنكزخان إلى مدينة خوارزم (1)، فإنها كانت أعظم السرايا لعظم البلد. فوصلوا إليها وبها عسكر ورجال شجعان من أهل البلد، فحصروها خمسة أشهر، وقتل من الفريقين خلق كثير، إلا أن القتل في التتر [كان (2)] أكثر لاحتماء المسلمين بالسور. فاستمد التتر ملكهم جنكزخان فأمدهم بخلق كثير، فزحفوا إلى البلد زحفا متتابعا، فملكوا طرفا من البلد. فاجتمع أهل البلد وقاتلوهم في الموضع الذى ملكوه، فلم يقدروا على إزاحتهم عنه، ولم يزالوا يقاتلونهم والتتر يملكون محلّة (3) بعد محلة، وكلما ملكوا محلة قاتلهم المسلمون من المحلة التي تليهم، وكان النساء والصبيان يقاتلون مع الرجال.
ولم يزالوا كذلك حتى ملكوا البلد جميعه، وقتلوا كل من فيه، ونهبوه، ثم فتحوا الجسر الذى كان يمنع ماء جيحون عن ركوب البلد، فدخله الماء، وغرق البلد جميعه، وتهدمت أبنيته وبقى لجة ماء. ولما فرغ التتر من ملك خراسان وعادوا إلى ملكهم، جهز جيشا كثيفا وسيره إلى غزنة.
ذكر ما جرى بين جلال الدين خوارزم شاه وبين
التتر من الحروب ثم توجهه إلى بلاد الهند
وكان جلال الدين منكبرتى بن علاء الدين خوارزم شاه مقيما بغزنة وعنده [91 ا] من سلم من عسكر أبيه خوارزم شاه، وكانوا ستين ألفا، وكان العسكر الذى سيره جنكزخان إلى غزنة [نحو (4)] إثنى عشر ألفا. فلما وصلوا إلى أعمال
(1) ذكر ياقوت أن خوارزم ليس «اسما للمدينة إنما للناحية بجملتها» . وذكر أيضا أن عاصمة هذا الأقليم كانت تسمى الجرجانية على شاطئ جيحون. وزار ياقوت تلك المدينة قبل الغزو التترى بسنة واحدة، انظر ياقوت، معجم البلدان، مادتى خوارزم، والجرجانية.
(2)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(3)
المحلة هى المنزل، انظر القاموس المحيط.
(4)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
غزنة خرج إليهم جلال الدين مع العسكر [الذى كان (1)] عنده، ووقع المصاف بمكان يعرف ببلق (2). واقتتل الفريقان قتالا شديدا، فنصر الله تعالى المسلمين، وانهزم التتر، وقتلهم المسلمون كيف شاؤا. وعاد المنهزمون الذين سلموا إلى جنكزخان، فسير جنكزخان عسكرا أكثر من الأول مع بعض أولاده، فوصل إلى كابل، فتوجه العسكر الأسلامى إليه [مع جلال الدين (3)]. ووقع المصاف، واقتتلوا قتالا عظيما، فانهزم التتر هزيمة ثانية، وقتل منهم خلق [عظيم (4)]، وغنم المسلمون أموالهم وكانت عظيمة، وكان معهم من أسرى المسلمين خلق [عظيم (5)] فخلصوا من الأسر.
ثم [بعد ذلك (6)] جرت بين المسلمين فتنة لأجل قسمة الغنائم، لما يريده الله تعالى من بوار الأسلام. وحديث هذه الفتنة (7) أن أميرا منهم يقال له سيف الدين بغراق، تركى من الخلج (8)، وكان شجاعا مقداما، ذا رأى في الحرب ومكيدة، وكان اصطلى حرب التتر بنفسه، وقع بينه وبين أمير آخر يقال له ملك خان - بينه وبين السلطان جلال الدين نسب - خلف في الغنيمة، واقتتلوا فقتل بينهم أخ لبغراق، فقال بغراق:«أنا أهزم الكفار ويقتل أخى لأجل هذا السحت» . فغضب وفارق العسكر وسار إلى الهند، ومعه من العسكر ثلاثون ألفا كلهم يريده. واستعطفه جلال الدين بكل طريق، وسار بنفسه إليه، وذكّره الجهاد، وخوفه من الله تعالى، وبكى بين يديه، فلم يرجع
(1) في نسخة م «الذين» والصيغة المثبتة من نسخة س.
(2)
في نسخة م «بتلف» ، وفى نسخة س «تتلف» والصيغة الصحيحة المثبتة من ابن الأثير (الكامل، ج 12، ص 395). وبلق كانت ناحية بغزنة، انظر ياقوت (معجم البلدان).
(3)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(4)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(5)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(6)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(7)
عن هذه الفتنة انظر ايضا، النسوى، سيرة السلطان جلال الدين منكبرتى، ص 155 - 156.
(8)
الخلج موضع قرب غزنه من نواحى زابلستان، انظر ياقوت (معجم البلدان).
وسار مغاضبا. فبينما هم كذلك (1) إذ ورد الخبر بوصول جنكزخان في جموعه.
فلما رأى جلال الدين ضعف المسلمين لأجل من فارقهم من العسكر، لم يقدر على المقام، فسار نحو بلاد الهند، فوصل إلى ماء السند، وهو نهر كبير، فلم يجد من السفن ما يعبر فيه. وكان جنكزخان يقتص أثره مسرعا، فلم يتمكن جلال الدين من العبور حتى أدركه جنكزخان في التتر، فتصافوا للقتال، واقتتلوا قتالا كثيرا [91 ب] حتى قيل أن ما مضى من الحروب قبله كان لعبا بالنسبة إليه. ودام هذا القتال ثلاثة أيام، وقتل من الفريقين خلق كثير، وممن قتل فيه ملك خان المقدم ذكره، وكان القتل في التتر أكثر والجراح أعظم، فرجع التتر وأبعدوا ونزلوا [على بعد (2)].
ولما رأى المسلمون أنه لا مدد لهم، وأنهم لا يزدادوا إلا ضعفا، أرسلوا يطلبون السفن فوصلت إليهم فعبروا بها ذلك النهر. ولم يعلموا بما أصاب التتر من الجراح والقتل، ولو علموا بذلك لرجعوا إليهم، وكانوا ربما انتصروا عليهم، لكن إذا أراد الله أمرا هيأ أسبابه. ولما عبر جلال الدين النهر ومن معه [من العساكر (3)] وتوجهوا إلى الهند، قدم التتر إلى غزنة، وملكوها لوقتها لخلوها عن من يحامى عنها، وقتلوا [أهلها (4)] ونهبوا وسبوا الحريم، ولم يبقوا على أحد. ثم أحرقوها فأصبحت {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ (5)} ».
(1) في الأصل «فانهم لكذلك» والصيغة المثبتة من نسخة س ومن ابن الأثير (الكامل، ج 12، ص 397).
(2)
اضيف ما بين الحاصرتين للتوضيح من ابن الأثير (الكامل، ج 12، ص 397)؛ عن المصاف بين جلال الدين وبين جنكزخان على حافة ماء السند انظر، النسوى (سيرة السلطان جلال الدين، ص 158 - 159).
(3)
اضيف ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(4)
في نسختى المخطوطة «بها» والصيغة المثبتة من ابن الأثير، الكامل، ج 12 ص 397.
(5)
القرآن الكريم، سورة يونس، آية 24.