الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملك الكامل] (1). ثم توفى صلاح الدين يوسف هذا في أيام عمه السلطان الملك الصالح [نجم الدين (2) أيوب] رحمه الله. [ورأيته وكان ضئيلا مصفر الوجه (3)]. وخلف ولدا صغيرا اسمه موسى ولقبه الملك الأشرف مظفر الدين، وهو الذى أقامه الترك سلطانا بمصر بعد قتل ابن عم أبيه الملك المعظم تورانشاه ابن الملك الصالح، على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر القبض على حسام الدين الحاجب عليّ
نائب الملك الأشرف بخلاط وقتله
كان الحاجب على من أهل الموصل، واتصل بخدمة السلطان الملك الأشرف وصار من أخص أصحابه وألزامه، وناب عنه بخلاط وأعمالها. وكان من أشد الناس مناصحة له وحفظا لبلاده، مع حسن السيرة والعدل في الرعية.
ووقف في وجه جلال الدين بن خوارزم شاه مع عظمته وكثرة جنوده - كما ذكرنا - مدة طويله، ودفعه عن خلاط بعد أن كاد يملكها، ثم دخل بلاد أذربيجان واحتوى منها على بلاد ومعا قل: فاتفق في هذه السنة أن سير إليه الملك الأشرف مملوكه عز الدين أيبك الأشرفى، وهو أكبر الأمراء عنده (4)، فقبض عليه واعتقله ثم قتله. ولم يعلم أحد من الناس السبب [في قتله (5)]؛
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة س ومثبت في م.
(2)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(3)
ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة س ومثبت في م.
(4)
في ابن الأثير (الكامل، ج 12، ص 485 حوادث سنة 626)«وهو أمير كبير في دولته» .
(5)
في نسخة م «فيه» والصيغة المثبتة من نسخة س.
فقيل إن السلطان الملك الكامل أمر أخاه الملك الأشرف بذلك لأشياء باطنة لم يطلع الناس عليها.
وكان رحمه الله حسن السيرة، كريما كثير البر والصدقات، عمر الخانات في طرق (1) السبيل من ذلك الخان الذى بين حران ونصيبين المعروف (2) به؛ ومن ذلك الخان الذى بين حمص ودمشق المعروف بخان برج العطش، وكان هناك برج منهدم قديم ليس فيه ماء فلذلك سمى [150 ب] برج العطش.
وكان أبدا مأوى قطاع الطريق فقلّ إن كان أحد يمر به منفردا فيسلم من الحرامية، فأصلح عمارة ذلك البرج، ووصله بخان كبير بناه بالحجر النحيت.
وعمل عليه بابا كبيرا وحفر فيه جبا (3) للماء، فصار منزلا للقوافل، وعاد الطريق به آمنا بعد أن كان مخوفا.
ثم لم يمهل الله عز الدين أيبك، [على قتل الحاجب على](4) بل أخذه سريعا، فإن جلال الدين بن خوارزم شاه لما ملك خلاط - على ما سنذكره إن شاء الله تعالى - قبض عليه مع غيره من أمراء الملك الأشرف. وكان للحاجب على مملوك هرب إلى جلال الدين، فلما قبض جلال الدين على عز الدين أيبك، مملوك الملك الأشرف، قال ذلك المملوك لجلال الدين:«هذا قتل أستاذى» .
وطلبه من جلال الدين، فسلمه إليه فقتله بأستاذه. وحكى أن الملك الأشرف
(1) في نسخة م «الطرق» والصيغة المثبتة من نسخة س.
(2)
في نسخة م «المعرف» وهو تصحيف والصيغة المثبتة من نسخة س.
(3)
في نسخة م «صهريجا» والصيغة المثبتة من نسخة س.
(4)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
رأى في منامه الحاجب عليا قد دخل عليه، وعند الملك الأشرف مملوكه عز الدين أيبك، فوضع الحاجب منديله في عنق أيبك وأخذه وخرج. وكان ذلك بعد أخذ جلال الدين لخلاط وقبضه على أيبك. فلما أصبح الملك الأشرف قال:
«قد مات أيبك، رأيت في المنام كذا وكذا» . [فبينما هو يحدث إذ جاء من أخبره أن عز الدين أيبك قد قتل (1)].
ذكر منازلة [عسكر (2)] السلطان الملك الكامل [مدينة](3) حماه
ولما سلم السلطان الملك الكامل لأخيه الملك الأشرف دمشق (4)، تقدم إلى العساكر بالتوجه إلى حماة (5)، فخرجوا إلى جهة القصير (6) مبرزين، وضرب
(1) ما بين الحاصرتين من نسخة س، ووردت هذه القصة أيضا في ابن الأثير، الكامل، ج 12 ص 486.
(2)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(3)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(4)
وردت هذه الجملة في نسخة س «ولما فتحت دمشق وسلمها السلطان الملك الكامل للملك الأشرف» والصيغة المثبتة من نسخة م.
(5)
ذكر ابن الأثير (الكامل، ج 12 ص 486 حوادث 626) السبب الذى دفع الكامل إلى الإستيلاء على مدينة حماه وهو أن الملك المنصور محمد بن تقى الدين عمر صاحب حماه عندما «حضرته الوفاة حلّف الجند وأكابر البلد لولده الأكبر، ويلقب بالملك المظفر، وكان قد سيره أبوه إلى الملك الكامل، صاحب مصر، لأنه كان قد تزوج بابنته، وكان لمحمد ولد آخر اسمه قلج أرسلان، ولقبه صلاح الدين، وهو بدمشق، فحضر إلى مدينة حماه فسلمت إليه، واستولى على المدينة وعلى قلعتها، فأرسل الملك الكامل يأمره أن يسلم البلد إلى أخيه الأكبر، فإن أباه أوصى له به، فلم يفعل» .
(6)
القصير اسم لعدة مواضع والمقصود هنا الضيعة الواقعة في طريق حمص انظر: (ياقوت، معجم البلدان).
الدهليز السلطانى به. ثم رحل السلطان الملك الكامل من دمشق بعساكره المتوافرة، ووصل إلى مجمع المروج من أرض حمص، ثم رحل من مجمع المروج بمعظم عسكره إلى سلمية فنزل بها على قصد التوجه إلى الشرق للإشراف على بلاده التي تسلمها من الملك الأشرف.
وتقدم [الكامل (1)] إلى الملك المظفر تقى الدين محمود بن الملك المنصور أن يرحل ببعض العسكر إلى حماة ليحاصرها، وبعث معه الملك المجاهد أسد الدين [شيركوه](2) صاحب حمص، والملك العزيز والملك الصالح إبنا الملك العادل.
فنازل الملك المظفر بمن معه من العساكر حماة. وكان صاحبها [151 ا] الملك الناصر قلج أرسلان قد استعد للحصار، وهيأ أسباب الامتناع، وجعل في قلعة حماة من الذخائر والعدد شيئا كبيرا. ولو امتنع بقلعتها لم يتمكن الملك الكامل من أخذها إلا بعد مطاولة (3) كثيرة. ولو طلب عنها عوضا - وهو فيها - يرتضيه لأجيب إليه ولحلف الملك الكامل له عليه. وكان الملك الكامل قد تعلق طمعه بها، فلو سلمها الملك الناصر إليه على عوض يأخذه منه لأخذها لنفسه. وكان أرضى الملك المظفر ببعض بلادها، لكنه استعجل النزول إلى الملك الكامل، فلم يتحصل على غرض.
(1) أضيف ما بين الحاصرتين للتوضيح.
(2)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(3)
في نسخة س «منازلة» .
ذكر إستيلاء الملك المظفر تقى الدين [ابو الفتح (1)] محمود بن الملك
المنصور على حماة [وبلادها (2)]
ولما نازل العسكر حماة نصبوا عليها المجانيق (3) من جهة الباب (4) الغربى، فنزل (5) الملك الناصر إلى البلد ومضى إلى سور باب (6) الغربى، وصعد إليه (7) ورأى من كثرة العساكر المحيطة به والمجانيق (8) المنصوبة على البلد ما هاله، وتمكن الرعب في قلبه. ووقعت حجرة من حجارة المنجنيق فأصابت رجلا كان واقفا على السور قريبا من الملك الناصر فأذهبت (9) قحف رأسه، وظهر دماغه من تحت القحف.
وكان الملك الناصر عنده خوروجبن فارتاع لذلك، وأضمر في نفسه العزم على النزول إلى خاله السلطان الملك الكامل. وكان نزول العسكر على حماة في [أوائل (10)] شهر رمضان وفى [آخر (11)] زمان البطيخ وشدة الحر. واستمر الحال والحصار إلى أول العشر الأخير (12) من الشهر، والسلطان الملك الكامل مقيم بسلمية من شماليها. وفى سلمية يومئذ نواب الملك المظفر [تقى الدين وقد بنى
(1) ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(2)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(3)
في نسخة س «المناجنيق» والصيغة المثبتة من نسخة م.
(4)
في نسخة م «باب» والصيغة المثبتة من نسخة س.
(5)
في نسخة م «ونزل» والصيغة المثبتة من نسخة س.
(6)
كذا في نسختى المخطوطة.
(7)
في نسخة س «فوقه» والصيغة المثبتة من نسخة م.
(8)
انظر حاشية 3 من هذه الصفحة.
(9)
في نسخة س «فطيرت» والصيغة المثبتة من نسخة م.
(10)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(11)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(12)
في نسخة م «الآخر» والصيغة المثبتة من نسخة س.
قلعتها التي هى داخل البلد (1)]، وكانت [سلمية (2)] في يده من سنة عشرين وستمائة كما تقدم ذكره (3).
وفى العشر الأخير (4) من شهر رمضان نزل الملك الناصر قلج أرسلان سحرا (5) من قلعة حماة بعد أن أرسل إلى الملك المجاهد [أسد الدين (6)] صاحب حمص يخبره أنه ينزل إليه ويمضى معه إلى خدمة السلطان الملك الكامل، فركب الملك المجاهد ووقف خارج البلد ينتظره. فلما نزل [إليه (7)] الملك الناصر مضى معه إلى المعسكر الكاملى [151 ب] بسلمية.
[وحكى لى أن ساعة خروج الملك الناصر من القلعة كان المؤذن بمنارة جامع القلعة يقول في تسبيحه: {قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ، وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ} (8)» وهذا اتفاق عجيب (9)].
ولما وصل الملك الناصر ودخل دهليز السلطان، ووقعت عينه عليه شتمه وانتهره (10)، وكان ممتلئا غيظا منه لأشياء بلغته عنه، وكان اعتماده على [خاله (11)] الملك الأشرف أوجب له إهمال جانب [خاله (12)] الملك الكامل. ثم أمر السلطان
(1) ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(2)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(3)
انظر ما سبق ص 128 - 129.
(4)
في نسخة م «الآخر» والصيغة المثبتة من نسخة س.
(5)
في نسختى المخطوطة «سحر» .
(6)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(7)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(8)
قرآن كريم، سورة آل عمران آية 26.
(9)
ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة س.
(10)
في نسخة س: «فلما دخل الملك الناصر على السلطان الملك الكامل صاح عليه وانتهره»
(11)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(12)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
باعتقاله فاعتقل. ثم بعث إليه يأمره أن يبعث إلى النواب بقلعة حماة علامة يعرفونها ليسلموا القلعة إلى نواب السلطان الملك الكامل، فأجاب إلى ذلك، وبعث العلامة إلى النواب يأمرهم بتسليم القلعة إلى نواب السلطان الملك الكامل.
وكان بالقلعة (1) الطواشيان بشير وشجاع الدين مرشد المنصوريان. وسير السلطان من قبله لأجل تسلم القلعة الأمير مجد الدين أخا الفقيه ضياء الدين عيسى الهكارى الصلاحى وسابق الدين مثقال الجمدار الناصرى الصلاحى. وكان هذا مثقال الجمدار - قبل أن يصير إلى الملك الناصر - أحد خدام العاضد خليفة مصر، ثم صار للسلطان الملك الناصر صلاح الدين، وعمّر عمرا طويلا إلى آخر أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل، فأدرك أول الدولة الأيوبية بمصر وآخرها.
ولما وصلت رسالة الملك الناصر إلى النواب بقلعة حماة وبها الطواشيان المذكوران، وجماعة من الخدام، والمماليك المنصورية، وجماعة من أولاد الملك المنصور، امتنعوا من ذلك، وأبوا أن يسلموا القلعة إلى الملك الكامل.
وأركبوا الملك المعز (2) بن الملك المنصور، شقيق الملك المظفر والملك الناصر، [أمهم جميعا ملكة خاتون بنت السلطان الملك العادل (3)]، ونادوا في حماة (4) بشعاره.
وكان يومئذ صبيا صغيرا، وقالوا هذا بدل الملك الناصر والبلد له.
(1) في نسخة س «بقلعة حماه» .
(2)
في نسخة س «العزيز» وهو تصحيف والصيغة المثبتة من نسخة م وسوف يرد الاسم صحيحا فيما يلى.
(3)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(4)
في نسخة م «الحماة» وهو تصحيف والصيغة المثبتة من نسخة س.
ولما وصل مجد الدين ومثقال الجمدار فتحوا لهما باب القصر فدخلا المدينة ولم يمكنو هما من الصعود إلى القلعة [152 ا]، وأنزلوا إليهما الملك المعز فاجتمع بهما وقال لهما:«هذه القلعة لى ولأخوتى يقوم بملكها أحدنا، وأى واحد منا مات كان فينا من يقوم مقامه. وليس بيننا وبين من يقصدنا إلا السيف» ثم رجع إلى القلعة. ورجع مجد الدين ومثقال الجمدار، وصاحت العامة (1) عليهما، ورجموهما بالحجارة، فرجعا إلى السلطان وأخبراه بذلك. فحينئذ أرسل السلطان الملك الكامل إلى الملك المظفر تقى الدين محمود يأمره أن يتفق مع مماليك أبيه على تسليم القلعة إليه. وكان [الملك المظفر (2)] نازلا بظاهر البلد مع العسكر محاصرا له، فراسلهم السلطان الملك المظفر في ذلك، فأجابوه إلى تسليم البلد والقلعة إليه. وأرسلوا إليه من يستحلفه لهم ويستحلفهم له (3)، فخرج إليه جماعة من الأعيان أحدهم خال (4) القاضى برهان الدين [اسماعيل (5)] بن أبى الدم رحمه الله وهو ابن عم القاضى شهاب الدين بن أبى الدم وكان يومئذ متولى القضاء بحماة. فاجتمعوا به بالجوسق الذى بناه الملك الناصر أخوه على العاصى شمالى تربة جدهما الملك المظفر تقى الدين عمر رحمه الله واستحلفوه لمن في القلعة، واشترطوا عليه أن لا يدخل البلد إلا بجماعته خاصة، وأن لا يدخله
(1) في نسخة س «عامة البلد» .
(2)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(3)
في نسخة م «من استحلفه على ذلك» والصيغة المثبتة من نسخة س.
(4)
في نسخة س «خالى» والصيغة المثبتة من نسخة م.
(5)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
أحد من عسكر الملك الكامل. فأجابهم (1) إلى ذلك، وواعدوه الوصول بجماعته إلى باب النصر ليلا ليفتحوه له.
ولما كان وقت السحر من الليلة التي وقع الاتفاق عليها (2)، ورد [الملك المظفر (3)] بجماعته إلى باب النصر [ومعه من أصحابه الأمير سيف الدين ابن أبى على - وقد ذكرنا تقدمه عنده وعلو منزلته بعد مفارقته ابن عمه حسام الدين ومصير حسام الدين إلى الملك الصالح نجم الدين (4) - وفى بعض أيام الحصار أصابت عينه نشابة فأذهبتها. وذكر لى أنه كان يقول للملك المظفر:
«أشتهى أن أراك صاحب حماة وأكون بعين واحدة» فقضى له أن جرى الأمر على وفق ما نطق به لسانه.
ولما ورد الملك المظفر بجماعته باب النصر فتح له (5)] فدخله بجماعته، ثم أغلق الباب ومضى إلى دار أبيه المعروفة بوزيره خطير الدين [152 ب] الأكرم بن الدخماسى بالجانب من حماة المعروف بالسوق الأعلى (6)، فنزلها.
وأصبح أهل البلد قاصدين بابه، ومهنئين له. [وجاءه إخوته ومماليك والده، والعسكر الذين بالبلد، وسروا به غاية السرور، مستبشرين بولايته، ومصير ملك والده إليه (7)]؛ فإن أهل حماه - كما قدمنا ذكره - كانوا قد حلفوا له
(1) في نسخة م «فأجاب» والصيغة المثبتة من نسخة س.
(2)
في نسخة س «ولما كان وقت السحر من الليلة الثانية لاجتماعهم به» .
(3)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(4)
انظر ما سبق ص 259.
(5)
ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة س.
(6)
في نسخة س «إلى دار أبيه المعروفه بدار الأكرم» .
(7)
ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة س.
بولاية عهد أبيه الملك المنصور سنة ست عشرة وستمائة (1). وجرى من تغلب أخيه على الملك ما جرى، وعاد الحق إلى نصابه، واستقر في أربابه، وفرحت الرعية بملكه؛ لما يعلمونه من شهامته وصرامته، ووفور عقله وكمال يقظته وفطنته. وكانوا خائفين من تغلب الملك الكامل على البلد، فأمنوا ذلك بدخول الملك المظفر إليه واستقراره به. وزال ما حذروه من زوال ملك البيت التقوى إلى غيره، فإن أهل هذا البلد جبلت قلوبهم على محبة هذا البيت الكريم، صغيرهم وكبيرهم لأنهم ربوا في صدقاتهم وإحسانهم، فالله تعالى يديم دولتهم [لهم](2) ليعيشوا في ظلها وكنفها. (3)
وكانت مدة ملك الملك الناصر قلج أرسلان بحماة وبلادها تسع سنين إلا نحو شهرين؛ فإن ابتداء ملكه كان في ذى القعدة سنة سبع عشرة وستمائة.
وأقام الملك المظفر في دار الأكرم يومين، وصعد في اليوم الثالث إلى القلعة [المحروسة (4)] وتسلمها. وجاء عيد الفطر من هذه السنة -[أعنى سنة ستة وعشرين وستمائة (5)]- وهو مالك حماة وبلادها، وعمره يومئذ نحو سبع وعشرين سنة، لأن مولده سنة تسع وتسعين وخمس مائة، ومولد أخيه الملك الناصر سنة ستمائة، بينهما سنة واحدة. ولما ملك [الملك المظفر (6)] حماة [فوض الأمور كلها صغيرها وكبيرها إلى الأمير سيف الدين على بن أبى على؛
(1) انظر ما سبق ص 64 - 65.
(2)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(3)
هذا دليل على ولاء وتقدير المؤرخ ابن واصل للبيت التقوى في حماه.
(4)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(5)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(6)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
فبقيت أمور الدولة كلها معدوقة (1) به. ثم] (2) انتزع السلطان الملك الكامل سلمية منه وسلمها إلى الملك المجاهد أسد الدين صاحب حمص - حسب ما كان (3) وقع عليه الاتفاق على غزة. وبقى في يد الملك المظفر حماة والمعرة وبعرين.
[ثم إن الملك الكامل أطلق الملك الناصر بعد رحيله من سلمية، وكتب إلى الملك المظفر أن يسلم إلى أخيه الملك الناصر بعرين وأن يحمل إليه ما في قلعة حماة من المال، وكان مبلغه على ما ذكر [153 ا] أربع مائة ألف درهم، فأجاب إلى ذلك. وقدم الملك الناصر إلى بعرين فسلم إليه الملك المظفر قلعتها فتسلمها. وبعث يستدعى المال المأذون في تسليمه إليه. فسير إليه الملك المظفر بعضه، فامتنع الملك الناصر من قبض ما بعث به الملك المظفر إليه ورده.
وقال: «لا أقنع إلا بجميع ما أمر لى السلطان الملك الكامل، ولا أنزل منه درهما واحدا» . فأخذ الملك المظفر الذى كان بعث به إليه، وامتنع أن يرسل إليه شيئا من المال، وبقى مع الملك المظفر من البلاد المعرة وحماة فقط (4)].
[وكان في خدمة الملك المظفر لما ملك حماة الشيخ شرف الدين عبد العزيز ابن محمد بن عبد المحسن بن منصور بن خلف الأنصارى الدمشقى. وكان أبوه زين الدين ينوب في القضاء بحماة عن القاضى ضياء الدين بن الشهرزورى لما
(1) في اللغة عدقه يعدقه بمعنى جمعه، انظر القاموس المحيط، والمعنى هنا أن أمور الدولة كلها مجموعة في يده.
(2)
ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة س.
(3)
في نسخة س «حسبما وقع» .
(4)
ورد ما بين الحاصرتين في قليل من التغيير في غير مكانه في نسخة س ورقة 261 ا - ب تحت عنوان «ذكر رحيل السلطان الملك الكامل رحمه الله تعالى إلى البلاد الشرقية» .
ولى الحكم بحماة. وأقره الملك المنصور بعده مدة يسيرة، ثم ولى قضاء بعرين ومات بها. وكان الشيخ شرف الدين فاضلا متأدبا، جيد النظم والترسل، وخدم مدة طويلة الملك الأمجد مجد الدين صاحب بعلبك. ثم صحب الأمير حسام الدين بن أبى على - الذى قدمنا ذكره (1). ثم اتصل بابن عمه الأمير سيف الدين فأوصله إلى الملك المظفر فخدمه، وأقام عنده بحماة. ومدحه لما ولى الملك بحماة بقوله] (2):
تناهى إليك الملك واشتد كاهله
…
وحل بك الراجى فحطت رواحله
ألا هكذا فليمنع المجدّ مانع
…
ألا هكذا فليبذل البذل باذله
ترحلت عن مصر فامحل روضها
…
ولما حللت الشام روّض ما حله
وعزّت (3) حماة في حمى أنت غابه
…
بصولته يحمى كليب ووائله
وقد طالما ذلت (4) بتدبير أهوج
…
يجنب مرجيه ويحرم سائله
فأضحى (5) عليها الشكر فرضا لفوزها (6)
…
بذى كرم فاضت عليها نوافله
سبقت إلى ورد العلى كل سابق
…
فما نال إلا فضل ما أنت نائله
وعدلت بالعدل الزمان وزدتّه
…
سناء، فاستوت أسحاره وأصائله
إذا فاعل رام ارتفاعا بفعله
…
ففعلك مرفوع لأنك فاعله
(1) انظر ما سبق ص 259.
(2)
ورد ما بين الحاصرتين مختصرا في نسخة س والصيغة المثبتة من م.
(3)
في س «فوعرت» وهو تصحيف، والصيغة المثبتة من نسخة م.
(4)
في نسخة م «ظلت» ، والصيغة المثبتة من نسخة س.
(5)
في نسخة س «فأمضى» والصيغة المثبتة من نسخة م لاستقامة المعنى.
(6)
في نسخة س «بقوتها» وهو تصحيف، والصيغة المثبتة من نسخة م.
وذى أمل أعطيته فوق سؤله
…
فغاضت أمانيه وفاضت مناهله
وغاو سبقت العذل بالسيف رادعا
…
له، فاهتدى لما أصاب مقاتله
أبرّ تقى الدين مجدا وسؤددا
…
فتمت عطاياه وتمت فضائله
وفاق على الأملاك معنى وصورة
…
فراق محياه وراقت (1) شمائله
هم القوم إن سيموا وعودا بآجل
…
سماهم جواد يسبق الوعد عاجله
وإن شغلتهم دمية (2) أو مدامة
…
بلهو فلا (3) هزل عن الجد شاغله
فما لبنى أيوب ملك مساجل
…
ولا (4) في بنى أيوب ملك يساجله
فكم فضّ ضيق حين زادت هباته
…
وضاق (5) فضاء حين زادت جحافله
مليك، لشمل المكرمات مجمّع
…
فلا جمع إلا وهو بالبذل شامله
وبحر طويل الباع منشرح الندى
…
بسيط المعالى، وافر الفضل كامله
يذل (6) معاديه ويعتز جاره
…
وترجى عطاياه وتخشى غوائله
وتلقى حصينات الدروع غنيمة
…
إذا ما التقى ماذيّها (7) وعوامله
دعاه إلى حب (8) المواضى مضاؤه
…
وهل يصحب الإنسان من لا يشاكله
وعمّ اليتامى والأرامل برّة
…
فكل الورى أيتامه وأرامله
(1) في نسخة س «ورقت» ، والصيغة المثبتة من نسخة م وهى أبلغ.
(2)
في نسخة س «ديمة» وهو تصحيف، والصيغة المثبتة من نسخة م.
(3)
في نسخة س «أفلا» وهو تصحيف، والصيغة المثبتة من نسخة م.
(4)
في نسخة س «وما» والصيغة المثبتة من نسخة م.
(5)
في نسخة س «وضاقت» ، والصيغة المثبتة من نسخة م.
(6)
في نسخة س «مذل» ، والصيغة المثبتة من نسخة م.
(7)
في نسخة س «أرماحها» ، والصيغة المثبتة من نسخة م، والماذية من الدروع البيضاء، والماذى السلاح كله من الحديد، انظر ابن منظور، لسان العرب، ج 20 ص 143.
(8)
في نسخة م «حل» والصيغة المثبتة من نسخة س وهى أبلغ.