المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر عصيان الملك المظفر شهاب الدين غازى بن الملكالعادل على أخيه الملك الأشرف بخلاط - مفرج الكروب في أخبار بني أيوب - جـ ٤

[ابن واصل]

فهرس الكتاب

- ‌«الْجُزْء الرَّابِع»

- ‌مقدمة [للدكتور سعيد عباس الفاتح عاشور]

- ‌تنويه

- ‌[

- ‌ذكر وصول الملك المعظم إلى العسكر الكاملىّوتقرير قواعد أخيه الملك الكامل

- ‌ذكر حوادث في هذه السنة في الشرق

- ‌ذكر اعتضاد بدر الدين لؤلؤ بالملك الأشرف ودخوله في طاعته

- ‌ودخلت سنة ست عشرة وستمائة

- ‌ذكر الوقعة الكائنة بين بدر الدين لؤلؤ وعماد الدين زنكى بن أرسلانشاه وانهزام عماد الدين

- ‌ذكر وفاة نور الدين بن الملك القاهر وإقامةبدر الدين لؤلؤ أخاه ناصر الدين مقامه

- ‌ذكر الوقعة الكائنة بين بدر الدين لؤلؤ ومظفر الدين صاحب إربل وانهزام بدر الدين

- ‌ذكر ما تجدد لعماد الدين بن المشطوببعد إخراجه من مصر

- ‌ذكر تخريب البيت المقدس

- ‌ذكر استيلاء الفرنج على ثغر دمياط

- ‌ذكر بناء المنصورة ونزول الملك الكامل بها

- ‌ذكر ظهور التتر واستيلائهم على معظمبلاد المسلمين

- ‌ذكر ما جرى بين جلال الدين خوارزم شاه وبينالتتر من الحروب ثم توجهه إلى بلاد الهند

- ‌ذكر بقية حوادث سنة ست عشرة وستمائة

- ‌ودخلت سنة سبع عشرة وستمائة

- ‌ذكر خروج ابن المشطوب على الملك الأشرفثم انتصار الملك الأشرف عليه واعتقاله

- ‌ذكر إستيلاء الملك الأشرف على سنجار

- ‌ذكر وصول الملك الأشرف إلى الموصل واستقرارالصلح مع مظفر الدين [صاحب إربل

- ‌ذكر ما آلت إليه حال عماد الدين بن المشطوب

- ‌ذكر وفاة الملك المنصور صاحب حماة رحمه الله

- ‌ذكر سيرته رحمه الله

- ‌ذكر إستيلاء الملك الناصر بن الملكالمنصور على حماة

- ‌ ذكر إستيلاء الملك المظفر شهاب الدين غازى ابن الملك العادل على خلاط وبلادها مع ميافارقين

- ‌ذكر مسير الملوك والعساكر الأسلامية إلى مصر نجدة للسلطانالملك الكامل رحمه الله

- ‌ذكر نزول الفرنج في مقابلة السلطان الملكالكامل

- ‌ذكر قدوم الملوك والعساكر الإسلامية إلى مصر

- ‌ذكر فتح دمياط والنصرة على الفرنج

- ‌ودخلت سنة تسع عشرة وستمائة

- ‌ذكر الحرب بين الترك القفجاق وبين الكرج

- ‌ذكر نهب الكرج مدينة بيلقان

- ‌ذكر المتجددات بالموصل في هذه السنة

- ‌ذكر مسير السلطان الملك الأشرف إلى الديارالمصريه ومقامه بها عند أخيه السلطان الملك الكاملرحمهما الله

- ‌ذكر قصد الملك المعظم شرف الدين عيسىصاحب دمشق حماة وبلادها

- ‌ذكر استيلاء الملك المسعود بن الملك الكاملصاحب اليمن على مكة حرسها الله تعالى

- ‌ودخلت سنة عشرين وستمائة

- ‌ذكر رحيل الملك المعظم عن سلمية ورجوعه إلىدمشق وابتداء الوحشة بينه وبين أخويه باطنا

- ‌ذكر انتزاع سلمية من الملك الناصر صاحب حماهوتسليمها إلى أخيه الملك المظفر تقى الدين محمود

- ‌ذكر وصول الملك الأشرف إلى حلب بالخلع السلطانيةوالتقليد للسلطان الملك العزيز بن الملك الظاهر رحمه الله

- ‌ذكر الحرب بين عسكر خلاط والكرج

- ‌ودخلت سنة إحدى وعشرين وستمائة

- ‌ذكر عود التتر إلى الرى وهمذان

- ‌ذكر استيلاء غياث الدين بن خوارزم شاه علىبلاد فارس

- ‌ذكر عصيان الملك المظفر شهاب الدين غازى بن الملكالعادل على أخيه الملك الأشرف بخلاط

- ‌ودخلت سنة اثنتين وعشرين وستمائة

- ‌ ذكر وصول السلطان جلال الدين منكبرتى بن خوارزمشاه من الهند إلى البلاد وقوة أمره

- ‌ذكر الحرب في هذه السنة بين المسلمين والكرج

- ‌ذكر استيلاء جلال الدين خوارزم شاهعلى بلاد أذربيجان

- ‌ذكر وفاة الملك الأفضل نور الدين أبى الحسن على بن الملكالناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب - رحمهما الله

- ‌ذكر سيرته رحمه الله

- ‌ذكر وفاة الإمام الناصر لدين الله أبى العباس أحمد بن المستضيئ بنور الله رحمه الله

- ‌ذكر سيرة الأمام الناصر لدين الله رحمه الله

- ‌ودخلت سنة ثلاث وعشرين وستمائة

- ‌ذكر منازلة الملك المعظم مدينة حمص [125 ا]

- ‌ذكر رحيل الملك المعظم عن حمص وقدوم الملكالأشرف عليه ومقامه عنده بدمشق

- ‌ذكر إستيلاء جلال الدين بن خوارزم شاه على تفليس

- ‌ذكر مسير جلال الدين بن خوارزم شاهإلى كرمان لعصيان أهلها عليه

- ‌ ذكر الحرب بين عسكر الملك الأشرف وجلال الدين بن خوارزم شاه

- ‌ذكر منازلة مظفر الدين بن زين الدين صاحبإربل الموصل

- ‌ذكر حصر جلال الدين بن خوارزم شاه خلاط وهو الحصر الأول

- ‌ذكر سيرته رحمه الله

- ‌خلافة الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين بن الظاهر

- ‌ذكر إيقاع جلال الدين بن خوارزم شاه بالأيوانية

- ‌ ذكر الحرب في هذه السنة بين صاحب آمد وسلطان الروم

- ‌ودخلت سنة أربع وعشرين وستمائه

- ‌ذكر رجوع الملك الأشرف إلا بلاده وتخلصه من أخيهالملك المعظم

- ‌ذكر إستيلاء عساكر الملك الأشرف على بعض بلادجلال الدين ثم خروجها عنهم

- ‌ذكر وفاة السلطان الملك المعظم رحمه الله

- ‌[ذكر سيرته رحمه الله]

- ‌[ذكر أولاده رحمه الله]

- ‌ذكر استيلاء الملك الناصر داود بن الملك المعظم على مملكة والده

- ‌ودخلت سنة خمس وعشرين وستمائة

- ‌ ذكر مفارقة الملك العزيز بن الملك العادل ابن أخيه الملك الناصر ومضيه إلى أخيه الملك الكامل

- ‌ذكر قدوم الملك الأشرف إلى دمشق نجدة لابن أخيهالملك الناصر [داود بن الملك المعظم

- ‌ذكر مسير الملك الأشرف إلى نابلس وصحبته الملك الناصروصاحب حمص

- ‌ذكر وصول الملك الأشرف إلى معسكر أخيه الملك الكاملوما جرى بينهما من الاتفاق

- ‌ذكر ما تجدد في هذه السنة من الحرب بين التتروجلال الدين بن خوارزم شاه

- ‌ذكر قدوم الأنبرطور فردريك ملك الفرنج إلى عكا وعمارة صيدا

- ‌ذكر نهب السلطان جلال الدين خوارزم شاه أعمال خلاط

- ‌ودخلت سنة ست وعشرين وستمائة

- ‌ذكر منازلة السلطان الملك الكامل دمشق وحصاره لها

- ‌ذكر الوصلة بين الملك العزيز بن الملك الظاهرصاحب حلب وخاله السلطان اللملك الكاملبظاهر دمشق

- ‌ذكر استيلاء الملك الكامل على مدينة دمشق وتعويضالملك الناصر بن الملك المعظم عنها الكرك وما معها من البلاد

- ‌ذكر إستيلاء الملك الأشرف على دمشق بتسليم السلطانالملك الكامل إياها إليه

- ‌ذكر وفاة الملك المسعود صلاح الدين يوسفابن السلطان الملك الكامل صاحب اليمن رحمه الله

- ‌ذكر سيرته رحمه الله

- ‌ذكر القبض على حسام الدين الحاجب عليّنائب الملك الأشرف بخلاط وقتله

- ‌ذكر رحيل السلطان الملك الكامل إلى الشرق والوصلةبين الملك المظفر وبينه

- ‌ذكر رجوع السلطان الملك الكامل إلى الديار المصرية

- ‌ذكر محاصرة عسكر السلطان الملك الأشرف بعلبك

- ‌ذكر محاصرة السلطان جلال الدين بن [155 ا] خوارزم شاه خلاطومنازلته لها وهى المنازلة الثانية

- ‌ودخلت سنة سبع وعشرين وستمائة

- ‌ذكر استيلاء الملك الأشرف على بعلبك

- ‌ذكر مقتل الملك الأمجد صاحب بعلبك

- ‌ذكر سيرته رحمه الله

- ‌ذكر انتصار الملك المظفر صاحب حماة على الفرنج بظاهر حماة

- ‌ذكر حادثة غريبة

- ‌ودخلت سنة ثمان وعشرين وستمائة

- ‌[ذكر استقلال السلطان الملك العزيز غياث الدين محمد بن الملك الظاهرصاحب حلب بالسلطنة وقيامه بأعبائها

- ‌ذكر خروج التتر في هذه السنة إلى البلاد وما فعلوهمن سفك الدماء والإفساد

- ‌ذكر استيلاء التتر على مراغة

- ‌ذكر طاعة أهل أذربيجان للتتر

- ‌المصادر والمراجع

- ‌أولا: المصادر العربية

- ‌ثانيا: المراجع العربية

- ‌ثالثا: المراجع الأوربية

الفصل: ‌ذكر عصيان الملك المظفر شهاب الدين غازى بن الملكالعادل على أخيه الملك الأشرف بخلاط

‌ذكر عصيان الملك المظفر شهاب الدين غازى بن الملك

العادل على أخيه الملك الأشرف بخلاط

كنا قد ذكرنا (1) أن الملك الأشرف [موسى بن العادل أبى بكر بن أيوب (2)] أنعم على أخيه الملك المظفر شهاب الدين غازى خلاط وأعمالها، وهى مملكة عظيمة جدا، وهى التي يسمى أقليمها بأرمينية، وتناهز مملكته على ما قيل مملكة مصر. وأضاف إليه ميافارقين وحانى وجبل جور، ولم يقنع [الملك الأشرف (3)] له بذلك حتى جعله ولى عهده في جميع بلاده، وحلف له العساكر وجميع النواب بالبلاد، إذ لم يكن للملك الأشرف ولد ذكر.

وكنا ذكرنا (4) وقوع الوحشة بين الملك المعظم صاحب دمشق وأخويه الملك الكامل والملك الأشرف بسبب ما قدمنا ذكره من ترحيلهما إياه عن بلاد حماه. وكان قد طال مقام الملك الأشرف عند أخيه الملك الكامل، وبلغه عنهما اتفاق وتصاف شديد، وتوهم منهما أنهما يقصدان أخذ بلاده منه، فاستوحش لذلك فأرسل إلى مظفر الدين كوكبورى بن زين الدين على كوجك صاحب إربل يدعوه إلى الأتفاق معه، ويأمره أن يقصد بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل ويحصره. وكان بدر الدين [114 ب]- كما قدمنا ذكره - منتميا إلى الملك الأشرف، وكان مظفر الدين يعادى بدر الدين لؤلؤ ويبغضه لقلعه البيت الأتابكى واستيلائه على ولدى الملك القاهر؛ وهما ابنا بنت مظفر الدين التي هى من ربيعه خاتون أخت الملك العادل، ولأخذه من زوج إبنته الأخرى

(1) انظر ما سبق ص 89 - 91.

(2)

الأضافة للتوضيح.

(3)

اضيف ما بين الحاصرتين من نسخة س.

(4)

انظر ما سبق ص 127 - 128.

ص: 137

عماد الدين زنكى بن نور الدين بلاده. فأجاب مظفر الدين إلى ذلك وتجهز لقصد الموصل وحصارها.

وكاتب الملك المعظم أيضا أخاه الملك المظفر شهاب الدين يحسن له الخروج على الملك الأشرف ومحاربته، ووعدهما من نفسه أنه يخرج من دمشق في عساكره ويقصد البلاد الشرقية، وينتزعها من يد الملك الأشرف. فأجاب الملك المظفر [شهاب الدين غازى (1) بن العادل] أخاه الملك المعظم إلى ذلك، وعصى بخلاط على أخيه الملك الأشرف وأظهر مغاضبته (2)، والتجنى عليه، والخروج عن طاعته. فراسله الملك الأشرف [لما سمع بذلك (3)]، واستماله وعاتبه على ما فعل فلم يرعو (4) إلى ذلك، وأصر على خلافه. واتفق الملك المعظم والملك المظفر ومظفر الدين صاحب إربل على محاربة الملك الأشرف. ثم رحل الملك المعظم في عساكره من دمشق، ونزل القطنه (5) في البرية على نية قصد الشرق.

ذكر انتصار (6) الملك الأشرف على أخيه الملك المظفر

وانتزاع خلاط منه ثم عفوه عنه وإقراره على ميافارقين

ولما جرى ما ذكرناه أرسل الملك الأشرف إلى أخيه الملك الكامل يعرفه الحال، فأرسل الملك الكامل إلى أخيه الملك المعظم يقول له: «إن

(1) اضيف ما بين الحاصرتين للتوضيح.

(2)

في نسخة م «مخاطبته» وهو خطأ واضح والصيغة المثبتة من نسخة س.

(3)

اضيف ما بين الحاصرتين من نسخة س.

(4)

الرعو هو «النزوع عن الجهل وحسن الرجوع عنه» ، انظر القاموس المحيط.

(5)

ذكر ياقوت (معجم البلدان) أن «قطنا من قرى دمشق» .

(6)

في نسخة س «غضب» والصيغة المثبتة من م.

ص: 138

تحركت من بلدك سرت إليه (1) وأخذته منك»، فلما وصلت (2) إلى الملك المعظم رسالة أخيه بذلك خاف وعاد إلى دمشق. وجمع مظفر الدين صاحب إربل العساكر وسار إلى الموصل وحصرها ونازلها يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الآخرة من هذه السنة أعنى سنة إحدى وعشرين وستمائة؛ ظنا منه أن الملك الأشرف إذا سمع بمنازلة الموصل لا يقصد خلاط، ويخرج عليه [إخوته](3) الملك المظفر والملك المعظم، وتتخبط أحواله. فلما نازل [مظفر الدين (4)] الموصل لم يجد فيها مطمعا لأن صاحبها بدر الدين [لؤلؤ (5)] كان قد أحكم أمورها من استخدام الجند [على الأسوار (6)] والأستكثار [115 ا] من آلات الحرب والذخائر. وكان مما قوى طمع مظفر الدين في الموصل إن أكثر عساكرها سيرهم بدر الدين لؤلؤ إلى الملك الأشرف نجدة له على أخيه [الملك المظفر (7)]، فقل العسكر بها. وكان الغلاء شديدا في البلاد جميعها، بسبب ما ذكرنا من كثرة الجراد (8). وأقام مظفر الدين محاصرا لها عشرة أيام ثم رحل عنها يوم الجمعة لسبع (9) ليال بقين من جمادى الآخرة. وكان سبب رحيله عنها ما رآه من

(1) كذا في م وفى ابن الأثير، الكامل، ج 12، ص 422 وفى نسخة س «سيرت إليه العساكر» .

(2)

في نسخة م «وصل» والصيغة المثبتة من نسخة س ومن ابن الأثير، نفس المرجع والجزء والصفحة.

(3)

ما بين الحاصرتين من نسخة س.

(4)

ما بين الحاصرتين من نسخة س.

(5)

ما بين الحاصرتين من نسخة س.

(6)

اضيف ما بين الحاصرتين للتوضيح من ابن الأثير، ج 12، ص 423.

(7)

اضيف ما بين الحاصرتين من نسخة س.

(8)

انظر ما سبق ص 133.

(9)

في الأصل وفى ابن الأثير (الكامل، ج 12 ص 423)«لتسع» والصيغة المثبتة من نسخة س وهى الصيغة الصحيحة لأن 23 جمادى الآخرة سنة 621 يوافق يوم الجمعة 12 يوليو سنة 1224.

ص: 139

قوتها، وما بلغه من إستيلاء الملك الأشرف على خلاط. فرحل [مظفر الدين (1)] عائدا إلى بلده وأقام بالزاب.

وكان الملك الأشرف قد استدعى عسكر حلب فسار إليه عسكر قوى فيهم سيف الدين قلج وعلم الدين قيصر وحسام الدين بلدق، وسار بالعساكر إلى خلاط ومعه (2) مع عسكر حلب عساكر الجزيره وعسكر الموصل.

ولما قرب من خلاط خافه أخوه الملك المظفر، ولم يكن له قوة على لقائه ومحاربته، ففرق عساكره في البلاد لتحصينها، وانتظر أن يسير مظفر الدين صاحب إربل إلى ما يجاوره من الموصل وسنجار، وأن يسير أخوه الملك المعظم إلى بلاد الملك الأشرف فيضطر حينئذ الملك الأشرف إلى العود عنه.

فلم يحصل له ما تمناه من ذلك. وحصر الملك الأشرف خلاط، وكان أهل البلد يحبونه لعدله وحسن سيرته وفرط كرمه وسوء سيرة الملك المظفر شهاب الدين. فلما نازلها الملك الأشرف سلمها أهلها إليه يوم الأثنين ثانى عشر جمادى الآخرة من هذه السنة، وامتنع الملك المظفر بالقلعة. فلما جن الليل نزل إلى أخيه الملك الأشرف معتذرا إليه، فعاتبه الملك الأشرف ولم يعاقبه على ما ارتكب من عصيانه، وأبقى عليه ميافارقين. وهذه مكرمة للبيت الأيوبى لم يكن مثلها لأحد من الملوك قبلهم، فإن من كان قبلهم، وخصوصا آل سلجوق، كان إذا ظفر [أحد (3)] منهم بأخيه أو ابن عمه الخارج عليه لا يبقيه أصلا، بل إما أن يوسطه بالسيف أو يخنقه بوتر القوس، وأحسن أحواله أن يعتقله ويضيق عليه إلى أن يموت كمدا. وسيأتى من أخبار هذا البيت ما يؤكد ما ذكرناه. ثم

(1) ما بين الحاصرتين من نسخة س.

(2)

في نسخة س «وتبعه» .

(3)

ما بين الحاصرتين مذكور في هامش نسخة م وفى نسخة س «أحدهم» .

ص: 140

عاد الملك الأشرف وعساكر حلب في شهر رمضان من هذه السنة [115 ب]، وشتى الملك الأشرف بسنجار.

وفى هذه السنة انهدم من سور [قلعة (1)] حلب الأبراج التي تلى [باب (2)] الجبل من حد المركز وهى عشرة أبراج، وتساقطت مع أبدانها وذلك في سلخ ذى القعدة، ووافق ذلك شدة البرد في الاربعينيات (3)، فاهتم الأتابك شهاب الدين طغريل بعمارتها وتحصيل آلاتها، ولازمها بنفسه حتى أتمها.

وفى هذه السنة ورد إلى والدى رحمه الله كتاب من السلطان الملك المعظم رحمه الله يستدعيه إلى خدمته على يد عفيف الدين بن مراحل السلمانى (4). وكان مترددا في الرسائل بين الملك المعظم والملك الناصر صاحب حماه، فسافرنا من حماه في أواخر شعبان، فوجدنا منه رحمه الله إقبالا عظيما. ولازم والدى الأجتماع به والحضور في خدمته. وكان الملك المعظم رحمه الله في أكثر الأوقات يحاضر الفقهاء والعلماء ويباحثهم في دقائق العلوم، فطلب والدى منه المقام بالقدس الشريف لينقطع فيه للعباده. وتوقف الملك المعظم في إجابته إلى ذلك وقال للقاضى نجم الدين خليل بن المصمودى الحموى قاضى العسكر:«قل له يقيم بدمشق لأوليه أحد المنصبين القضاء أو الخطابة بجامع دمشق» ، فأبى والدى إلا المضى إلى القدس. ففوض السلطان [الملك

(1) اضيف ما بين الحاصرتين من ابن العديم، زبدة الحلب، ج 3 ص 196.

(2)

ما بين الحاصرتين من ابن العديم، نفس الجزء والصفحة، انظر حاشية 2: إذورد فيها أن الملك الظاهر فتح في سور القلعة بابا يسمى باب الجبل شرقى باب القلعة.

(3)

هى مدة أربعين يوما في الشتاء يكون البرد فيها قارسا، انظر:

Dozy، Supp .Dict .Ar، I، P. 504.

(4)

عن أخيه القاضى حجة الدين بن مراحل، انظر ما سبق ص 118.

ص: 141

المعظم (1)] إليه تدريس المدرسة الناصرية الصلاحية (2)، وهى المدرسة التي كان فوض صلاح الدين - رحمه لله - تدريسها إلى القاضى بهاء الدين بن شداد.

ووليها بعده جماعة أكابر منهم الشيخ فخر الدين بن عساكر (3) والشيخ تقى الدين بن الصلاح (4) رحمهما الله. فمضينا إلى القدس في أوائل سنة إثنتين وعشرين وستمائه وأقمنا به.

وفى هذه السنة سير الملك المعظم ولده الملك الناصر صلاح الدين داود إلى إربل ليكون عند عمته ربيعة خاتون بنت أيوب زوجة مظفر الدين بن زين الدين. وقصد بذلك توفيق (5) الحال بينه وبين مظفر الدين، وذلك بعد إتفاقهما على المعاضده والتظاهر والتوازر، وأن يكونا يدا واحدة وذلك لما استحكم من الوحشة بين الملك المعظم وأخويه الملك الكامل والملك الأشرف.

(1) ما بين الحاصرتين من نسخة س.

(2)

بنى هذه المدرسة السلطان نور الدين محمود بن زنكى بالقرب من البيمارستان النورى، ونسبت إلى الملك الناصر صلاح الدين بن أيوب، انظر النعيمى، الدارس في تاريخ المدارس، ج 1، ص 331 - 333.

(3)

كان ابو منصور عبد الرحمن بن محمد الملقب فخر الدين بن عساكر إمام وقته في علمه ودينه ودرس بالقدس ثم دمشق، وتخرج عليه جماعة من الأئمة والفضلاء وتوفى سنة 620 هـ، انظر ابن خلكان، وفيات، ج 1، ص 277 - 278.

(4)

في نسخة س «تقى الدين بن صلاح الدين» والصواب الصيغة المثبتة من نسخة م. وتقى الدين بن الصلاح هو الفقيه الشافعى أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الكردى الشهرزورى أحد فضلاء عصره في التفسير والحديث والفقه وأسماء الرجال، قام بالتدريس في عدة مدارس بدمشق منها المدرسة الناصرية الصلاحية والمدرسة الرواحية ودار الحديث وتوفى تقى الدين بدمشق سنة 643 هـ - 1245 م انظر ابن خلكان، وفيات، ج 1، ص 312 - 313.

(5)

في نسخة م «توثيق» والصيغة المثبتة من نسخة س.

ص: 142