الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر عصيان الملك المظفر شهاب الدين غازى بن الملك
العادل على أخيه الملك الأشرف بخلاط
كنا قد ذكرنا (1) أن الملك الأشرف [موسى بن العادل أبى بكر بن أيوب (2)] أنعم على أخيه الملك المظفر شهاب الدين غازى خلاط وأعمالها، وهى مملكة عظيمة جدا، وهى التي يسمى أقليمها بأرمينية، وتناهز مملكته على ما قيل مملكة مصر. وأضاف إليه ميافارقين وحانى وجبل جور، ولم يقنع [الملك الأشرف (3)] له بذلك حتى جعله ولى عهده في جميع بلاده، وحلف له العساكر وجميع النواب بالبلاد، إذ لم يكن للملك الأشرف ولد ذكر.
وكنا ذكرنا (4) وقوع الوحشة بين الملك المعظم صاحب دمشق وأخويه الملك الكامل والملك الأشرف بسبب ما قدمنا ذكره من ترحيلهما إياه عن بلاد حماه. وكان قد طال مقام الملك الأشرف عند أخيه الملك الكامل، وبلغه عنهما اتفاق وتصاف شديد، وتوهم منهما أنهما يقصدان أخذ بلاده منه، فاستوحش لذلك فأرسل إلى مظفر الدين كوكبورى بن زين الدين على كوجك صاحب إربل يدعوه إلى الأتفاق معه، ويأمره أن يقصد بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل ويحصره. وكان بدر الدين [114 ب]- كما قدمنا ذكره - منتميا إلى الملك الأشرف، وكان مظفر الدين يعادى بدر الدين لؤلؤ ويبغضه لقلعه البيت الأتابكى واستيلائه على ولدى الملك القاهر؛ وهما ابنا بنت مظفر الدين التي هى من ربيعه خاتون أخت الملك العادل، ولأخذه من زوج إبنته الأخرى
(1) انظر ما سبق ص 89 - 91.
(2)
الأضافة للتوضيح.
(3)
اضيف ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(4)
انظر ما سبق ص 127 - 128.
عماد الدين زنكى بن نور الدين بلاده. فأجاب مظفر الدين إلى ذلك وتجهز لقصد الموصل وحصارها.
وكاتب الملك المعظم أيضا أخاه الملك المظفر شهاب الدين يحسن له الخروج على الملك الأشرف ومحاربته، ووعدهما من نفسه أنه يخرج من دمشق في عساكره ويقصد البلاد الشرقية، وينتزعها من يد الملك الأشرف. فأجاب الملك المظفر [شهاب الدين غازى (1) بن العادل] أخاه الملك المعظم إلى ذلك، وعصى بخلاط على أخيه الملك الأشرف وأظهر مغاضبته (2)، والتجنى عليه، والخروج عن طاعته. فراسله الملك الأشرف [لما سمع بذلك (3)]، واستماله وعاتبه على ما فعل فلم يرعو (4) إلى ذلك، وأصر على خلافه. واتفق الملك المعظم والملك المظفر ومظفر الدين صاحب إربل على محاربة الملك الأشرف. ثم رحل الملك المعظم في عساكره من دمشق، ونزل القطنه (5) في البرية على نية قصد الشرق.
ذكر انتصار (6) الملك الأشرف على أخيه الملك المظفر
وانتزاع خلاط منه ثم عفوه عنه وإقراره على ميافارقين
ولما جرى ما ذكرناه أرسل الملك الأشرف إلى أخيه الملك الكامل يعرفه الحال، فأرسل الملك الكامل إلى أخيه الملك المعظم يقول له: «إن
(1) اضيف ما بين الحاصرتين للتوضيح.
(2)
في نسخة م «مخاطبته» وهو خطأ واضح والصيغة المثبتة من نسخة س.
(3)
اضيف ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(4)
الرعو هو «النزوع عن الجهل وحسن الرجوع عنه» ، انظر القاموس المحيط.
(5)
ذكر ياقوت (معجم البلدان) أن «قطنا من قرى دمشق» .
(6)
في نسخة س «غضب» والصيغة المثبتة من م.
تحركت من بلدك سرت إليه (1) وأخذته منك»، فلما وصلت (2) إلى الملك المعظم رسالة أخيه بذلك خاف وعاد إلى دمشق. وجمع مظفر الدين صاحب إربل العساكر وسار إلى الموصل وحصرها ونازلها يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الآخرة من هذه السنة أعنى سنة إحدى وعشرين وستمائة؛ ظنا منه أن الملك الأشرف إذا سمع بمنازلة الموصل لا يقصد خلاط، ويخرج عليه [إخوته](3) الملك المظفر والملك المعظم، وتتخبط أحواله. فلما نازل [مظفر الدين (4)] الموصل لم يجد فيها مطمعا لأن صاحبها بدر الدين [لؤلؤ (5)] كان قد أحكم أمورها من استخدام الجند [على الأسوار (6)] والأستكثار [115 ا] من آلات الحرب والذخائر. وكان مما قوى طمع مظفر الدين في الموصل إن أكثر عساكرها سيرهم بدر الدين لؤلؤ إلى الملك الأشرف نجدة له على أخيه [الملك المظفر (7)]، فقل العسكر بها. وكان الغلاء شديدا في البلاد جميعها، بسبب ما ذكرنا من كثرة الجراد (8). وأقام مظفر الدين محاصرا لها عشرة أيام ثم رحل عنها يوم الجمعة لسبع (9) ليال بقين من جمادى الآخرة. وكان سبب رحيله عنها ما رآه من
(1) كذا في م وفى ابن الأثير، الكامل، ج 12، ص 422 وفى نسخة س «سيرت إليه العساكر» .
(2)
في نسخة م «وصل» والصيغة المثبتة من نسخة س ومن ابن الأثير، نفس المرجع والجزء والصفحة.
(3)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(4)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(5)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(6)
اضيف ما بين الحاصرتين للتوضيح من ابن الأثير، ج 12، ص 423.
(7)
اضيف ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(8)
انظر ما سبق ص 133.
(9)
في الأصل وفى ابن الأثير (الكامل، ج 12 ص 423)«لتسع» والصيغة المثبتة من نسخة س وهى الصيغة الصحيحة لأن 23 جمادى الآخرة سنة 621 يوافق يوم الجمعة 12 يوليو سنة 1224.
قوتها، وما بلغه من إستيلاء الملك الأشرف على خلاط. فرحل [مظفر الدين (1)] عائدا إلى بلده وأقام بالزاب.
وكان الملك الأشرف قد استدعى عسكر حلب فسار إليه عسكر قوى فيهم سيف الدين قلج وعلم الدين قيصر وحسام الدين بلدق، وسار بالعساكر إلى خلاط ومعه (2) مع عسكر حلب عساكر الجزيره وعسكر الموصل.
ولما قرب من خلاط خافه أخوه الملك المظفر، ولم يكن له قوة على لقائه ومحاربته، ففرق عساكره في البلاد لتحصينها، وانتظر أن يسير مظفر الدين صاحب إربل إلى ما يجاوره من الموصل وسنجار، وأن يسير أخوه الملك المعظم إلى بلاد الملك الأشرف فيضطر حينئذ الملك الأشرف إلى العود عنه.
فلم يحصل له ما تمناه من ذلك. وحصر الملك الأشرف خلاط، وكان أهل البلد يحبونه لعدله وحسن سيرته وفرط كرمه وسوء سيرة الملك المظفر شهاب الدين. فلما نازلها الملك الأشرف سلمها أهلها إليه يوم الأثنين ثانى عشر جمادى الآخرة من هذه السنة، وامتنع الملك المظفر بالقلعة. فلما جن الليل نزل إلى أخيه الملك الأشرف معتذرا إليه، فعاتبه الملك الأشرف ولم يعاقبه على ما ارتكب من عصيانه، وأبقى عليه ميافارقين. وهذه مكرمة للبيت الأيوبى لم يكن مثلها لأحد من الملوك قبلهم، فإن من كان قبلهم، وخصوصا آل سلجوق، كان إذا ظفر [أحد (3)] منهم بأخيه أو ابن عمه الخارج عليه لا يبقيه أصلا، بل إما أن يوسطه بالسيف أو يخنقه بوتر القوس، وأحسن أحواله أن يعتقله ويضيق عليه إلى أن يموت كمدا. وسيأتى من أخبار هذا البيت ما يؤكد ما ذكرناه. ثم
(1) ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(2)
في نسخة س «وتبعه» .
(3)
ما بين الحاصرتين مذكور في هامش نسخة م وفى نسخة س «أحدهم» .
عاد الملك الأشرف وعساكر حلب في شهر رمضان من هذه السنة [115 ب]، وشتى الملك الأشرف بسنجار.
وفى هذه السنة انهدم من سور [قلعة (1)] حلب الأبراج التي تلى [باب (2)] الجبل من حد المركز وهى عشرة أبراج، وتساقطت مع أبدانها وذلك في سلخ ذى القعدة، ووافق ذلك شدة البرد في الاربعينيات (3)، فاهتم الأتابك شهاب الدين طغريل بعمارتها وتحصيل آلاتها، ولازمها بنفسه حتى أتمها.
وفى هذه السنة ورد إلى والدى رحمه الله كتاب من السلطان الملك المعظم رحمه الله يستدعيه إلى خدمته على يد عفيف الدين بن مراحل السلمانى (4). وكان مترددا في الرسائل بين الملك المعظم والملك الناصر صاحب حماه، فسافرنا من حماه في أواخر شعبان، فوجدنا منه رحمه الله إقبالا عظيما. ولازم والدى الأجتماع به والحضور في خدمته. وكان الملك المعظم رحمه الله في أكثر الأوقات يحاضر الفقهاء والعلماء ويباحثهم في دقائق العلوم، فطلب والدى منه المقام بالقدس الشريف لينقطع فيه للعباده. وتوقف الملك المعظم في إجابته إلى ذلك وقال للقاضى نجم الدين خليل بن المصمودى الحموى قاضى العسكر:«قل له يقيم بدمشق لأوليه أحد المنصبين القضاء أو الخطابة بجامع دمشق» ، فأبى والدى إلا المضى إلى القدس. ففوض السلطان [الملك
(1) اضيف ما بين الحاصرتين من ابن العديم، زبدة الحلب، ج 3 ص 196.
(2)
ما بين الحاصرتين من ابن العديم، نفس الجزء والصفحة، انظر حاشية 2: إذورد فيها أن الملك الظاهر فتح في سور القلعة بابا يسمى باب الجبل شرقى باب القلعة.
(3)
هى مدة أربعين يوما في الشتاء يكون البرد فيها قارسا، انظر:
Dozy، Supp .Dict .Ar، I، P. 504.
(4)
عن أخيه القاضى حجة الدين بن مراحل، انظر ما سبق ص 118.
المعظم (1)] إليه تدريس المدرسة الناصرية الصلاحية (2)، وهى المدرسة التي كان فوض صلاح الدين - رحمه لله - تدريسها إلى القاضى بهاء الدين بن شداد.
ووليها بعده جماعة أكابر منهم الشيخ فخر الدين بن عساكر (3) والشيخ تقى الدين بن الصلاح (4) رحمهما الله. فمضينا إلى القدس في أوائل سنة إثنتين وعشرين وستمائه وأقمنا به.
وفى هذه السنة سير الملك المعظم ولده الملك الناصر صلاح الدين داود إلى إربل ليكون عند عمته ربيعة خاتون بنت أيوب زوجة مظفر الدين بن زين الدين. وقصد بذلك توفيق (5) الحال بينه وبين مظفر الدين، وذلك بعد إتفاقهما على المعاضده والتظاهر والتوازر، وأن يكونا يدا واحدة وذلك لما استحكم من الوحشة بين الملك المعظم وأخويه الملك الكامل والملك الأشرف.
(1) ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(2)
بنى هذه المدرسة السلطان نور الدين محمود بن زنكى بالقرب من البيمارستان النورى، ونسبت إلى الملك الناصر صلاح الدين بن أيوب، انظر النعيمى، الدارس في تاريخ المدارس، ج 1، ص 331 - 333.
(3)
كان ابو منصور عبد الرحمن بن محمد الملقب فخر الدين بن عساكر إمام وقته في علمه ودينه ودرس بالقدس ثم دمشق، وتخرج عليه جماعة من الأئمة والفضلاء وتوفى سنة 620 هـ، انظر ابن خلكان، وفيات، ج 1، ص 277 - 278.
(4)
في نسخة س «تقى الدين بن صلاح الدين» والصواب الصيغة المثبتة من نسخة م. وتقى الدين بن الصلاح هو الفقيه الشافعى أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الكردى الشهرزورى أحد فضلاء عصره في التفسير والحديث والفقه وأسماء الرجال، قام بالتدريس في عدة مدارس بدمشق منها المدرسة الناصرية الصلاحية والمدرسة الرواحية ودار الحديث وتوفى تقى الدين بدمشق سنة 643 هـ - 1245 م انظر ابن خلكان، وفيات، ج 1، ص 312 - 313.
(5)
في نسخة م «توثيق» والصيغة المثبتة من نسخة س.