الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهذا خبر هؤلاء القوم في مبدأ أمرهم، وسنذكر - إن شاء الله تعالى - بعد ذلك ما تجدد من أخبارهم. وقد لخصت حديثهم بقدر الأمكان، ولو أتيت به على وجهه لملأت به مجلدات. ولم يجر في زمن الأسلام قبل هؤلاء - بل أقول ولا قبل الإسلام - نظير ما جرى لهؤلاء، فإنهم استأصلوا أكثر المعمورة من البلاد في مدة قريبة جدا. والأسكندر إنما ملك البلاد في نحو أربع عشرة سنة، ولم يسلك مسلك هؤلاء [القوم (1)]، وإنما كان يصل أهل كل مملكة بالعدل والأحسان. وهؤلاء ملكوا بسفك الدماء، وتخريب البلاد وقتل الأنفس، فالله المستعان وإليه الرغبة في أن ينصر المسلمين عليهم، ويقضى باستئصالهم واصطلامهم بالكلية، كما ورد في الخبر عن النبى صلى الله عليه وسلم، فإنه ورد أن لهم ثلاث سياقات؛ في الأولى يلحقون المسلمين بجزيرة العرب، وفى الثانية يقتل بعض ويسلم بعض؛ وفى الثالثة يصطلمون [فلا تقوم لهم قائمة بعدها (2)].
ولنرجع إلى ذكر بقية الحوادث الحادثة في السنة التي انتهينا إلى ذكرها.
ذكر بقية حوادث سنة ست عشرة وستمائة
[92 ا] في هذه السنة تقدم الملك المنصور صاحب حماة بتحليف أهل بلده لولده الملك المظفر تقى الدين محمود. وعمره إذ ذاك سبع عشرة سنة لأن مولده، كما قدمنا [ذكره (3)] سنة تسع وتسعين وخمس مائة. فكتب والدى رحمه الله نسخة اليمين (4)، واستحلف الناس له بولاية العهد عن والده. ثم تقدم الملك المنصور إلى ولده الملك المظفر بالمضى إلى الديار المصرية، لإنجاد خاله الملك الكامل على الفرنج. وضم إليه جماعة من العسكر، وأصحبه
(1) ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(2)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(3)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(4)
في نسخة م «يمين» والصيغة المثبتة من نسخة س.
الطواشى شجاع الدين مرشد المنصورى. ولما ودّعه والده الملك المنصور أنشده بيتين من نظمه (1) هما:
ومنك قد فارقت منّى مهجة
…
خطيرة أمسيت منها في خطر
ايدك الله بنصركى أرى
…
وجهك قد وافى منيرا بالظفر
ولما وصل الملك المظفر إلى العسكر الكاملى التقاه الملك الكامل أحسن تلق وأنزله في ميمنة عسكره، وهى منزلة أبيه وجده في الأيام الناصرية الصلاحية. وبعد سفر الملك المظفر إلى مصر، توفيت والدته ملكه خاتون بنت الملك العادل، وحزن عليها زوجها الملك المنصور حزنا عظيما، ولبس الحداد، وأمر بصعود أكابر حماة إلى القلعة للصلاة عليها، فصلوا عليها وأمّ بهم والدى رحمه الله وحضرت معه يومئذ وعمرى نحو أثنتى عشرة سنة.
ثم عمل السلطان رحمه الله عزاها (2) بالمدرسة المنصورية (3) ظاهر حماة. ورأيته وهو جالس يمنة المحراب وهو مكتئب حزين وهو لابس الحداد، ثوب أزرق وعمامة زرقاء، وإلى جانبه أولاده الملك الناصر قلج أرسلان وأخوته وعليهم كلهم الحداد. وقرأت القراء بين يديه، ووعظت الوعاظ، وانشدت الشعراء المراثى. وكان اقترح له أن تنظم المراثى على وزن قصيدة أبى [العلاء (4)] المعرى ورويتها التي مطلعها:
يا ساهر البرق أيقظ راقد السّمر
…
لعل بالجزع أعوانا على السّهر (5)
(1) في الأصل «قطعة» والصيغة المثبتة من نسخة س.
(2)
في الأصل «عزاه» والصيغة المثبتة من نسخة س.
(3)
في نسخة م «المدرسة التقوية» وهو تصحيف والصيغة المثبتة من نسخة س، انظر مايلى ص 78، 87.
(4)
ما بين الحاصرتين مذكور بالهامش في نسخة م ومثبت في نسخة س.
(5)
انظر شروح سقط الزند، السفر الثانى، القسم الأول، ص 114.
فعمل جماعة من الشعراء قصائد على هذا الوزن والروى، وأجود قصيدة [92 ب] عملت قصيدة حسام الدين خشترين بن تليل (1)، وهو جندى كردى وكان شاعرا مجيدا، غير أنه كان ألكن لحانا، وإذا نظم أجاد وأحسن. ووصف لبس السلطان الحداد، وأبدع في المعنى، والقصيدة مطلعها:
الطرف في لجة والقلب في سعر
…
له دخان زفير طار (2) بالشرر
ظللت ما بين إنكار ومعرفة
…
أقلب الطرف بين الخبر والخبر
حتى رأيت نجوما أطلعت شفقا
…
على شموس وجوه في دجى شعر
من كل بيضاء خود خلتها جمدت
…
من السكينة أو ذابت من الخفر
ما كنت أعلم أن الخطب متصل
…
بأفضل الناس من أنثى ومن ذكر
أباد ألفا من الدنيا بواحدة
…
شلّت يداه فما أمضاه في العير (3)
فليفعل الدهر بى ما شاء بعدهم
…
ها قد أمنت فلا ألوى على حذر
فقل لمن راح يرجو طيف من ظعنوا
…
لمّا غدا الطرف موقوفا على السّهر
ناشدتك الله لا تنسى الوداد فقد
…
بانت سعاد وهذا آخر الخبر
لم يبق للخلق قلب بعد ما ظعنت
…
إلا وفيه لها بيت من الفكر
ومنها
في وصف لبس السلطان الحداد
ما كنت أعلم أن الشمس قد غربت
…
حتى رأيت الدجى ملقى على القمر
(1) كذا بالأصل وفى نسخة س «تايل» .
(2)
في نسخة س «طاير» وفيه لا يستقيم الوزن.
(3)
العير السيد والملك وعير القوم سيدهم، انظر ابن منظور، لسان العرب، ج 6 ص 300.
ومنها
قل للغزالة أىّ الروع (1) نّفرها
…
ودونها أسد وقف على الحذر
ملك على كل خطب جلّ أصغره
…
على الورى قادر (2) إلا على القدر
لو كان من مات يفدى قبلها لفدى
…
أمّ المظفّر آلاف من البشر
وراح من دونها للطعن أسد شرى (3)
…
على خيول لديها نزوة النّمر (4)
صيد إذا شهروا أسيافهم كتبوا
…
بها حروفا على الهامات في سطر
ومنها
أين التبابعة الصّيد الألى هدروا
…
من الملوك نجيعا غير منهدر
أين البهاليل من غسان يقدمها
…
على الجياد ذو والتيجان من مضر
أين المظّفر من كانت (5) عزائمه
…
في مأزق الحرب لا تلوى على خور
فكم له ضربة في الهام هائمة
…
وكم له ثغرة بالطعن في الثغر
وأين أولاد أيوب الذين لهم
…
مواقف أوقفت (6) عكا على الغير
وكم جرت دون صور من صوارمهم
…
جرد الجياد على أرض من الصّور
كأنهم ما بدت في ليل عثيرهم (7)
…
نجوم سمر ولا برق من البتر (8)
ولا أتتهم ظهور الخيل حاملة
…
ليوث غيل لها الغابات من سمر
يبادرون إلى الأعداء سمرهم
…
يوم الوغى، وإلى القصّاد بالبدر
جمال ذى (9) الأرض كانوا في الحياة وهم
…
بعد الممات جمال الكتب والسير
(1) في نسخة س «الربع» وفيه المعنى يختل.
(2)
في نسخة س «حاذر» ومعها لا يستقيم المعنى.
(3)
في نسخة س «وغى» .
(4)
في نسخة س «السمر» ولعله تحريف.
(5)
في نسخة س «دانت» ولعله تحريف.
(6)
في نسخة س «أوقعت» .
(7)
في نسخة س «عنتهم» ومعها يختل الوزن.
(8)
في نسخة س «التبر» ولا يستقيم الوزن.
(9)
في نسخة س «ذا» وهو تصحيف.
ومنها
يا ناصر الدين خذها بنت ذى أدب
…
جاءتك ترفل في وشى وفى حبر
من البسيط تهادى بعد ما كملت
…
راح الطويل لها في غاية القصر
واسلم فأنت الذى في تاجه قمر
…
ما زال يشرق بين النصر والظفر
لا زال ربعك يا منصور مبتسما
…
منزّها بعدها من عابس الغير
وللملك المنصور زوجها في رثائها عدة قصائد، من ذلك قصيدة مطلعها:
دموع كالغيوث (1) الهاطلات
…
لماض من [كآباتى وآتى (2)]
ولوعات على لها إحتكام
…
يرق لها ملام اللائمات
على من في الضريح لها أنيس
…
صلاة واصلتها بالصلات
أيا من وجهها عندى عزيز
…
ويا من موتها أوهى حياتى
سلام الله كل صباح يوم
…
على تلك العظام الباليات
أساكنة اللحود عليك منى
…
دموع دونها ماء الفرات
لقد كانت بك الساعات تزهو
…
لعينى كالنجوم الزاهرات
وفقدك صير الأيام عندى
…
لبعدك كالليالى الحالكات
وكنت بعصمة الدين المهنى
…
بعصمتها العلية عن صفات
[93 ب] فصرت بها المعزى (3) من جميع ال
…
ـجهات فيا حياتى من حياتى
ولم أك للحداد (4) أخا لباس
…
يعين على صروف النائبات
ولكنى أذبت سواد عينى
…
فسال مع الدموع السائلات
(1) في نسخة س «كالعيون» .
(2)
ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة س ومثبت في نسخة م.
(3)
في نسخة س «المردى» وهو تصحيف.
(4)
في نسخة س «الحداد» ولا يستقيم الوزن.
ومنها
وها أنا منك في أصفاد حزن
…
لغير سماع نوح (1) لا أو اتى
وأبكى كلما غنّى حمام
…
وأندب (2) في العشيّة والغداة
وتبكى الصالحات عليك حزنا
…
بكاء الأمّهات على البنات
فلا كنّ الليالى إذ أرتنى
…
سراك إلى ذراك بلا أناه (3)
ولا كان الحمام فكل شمل
…
به متجرع كأس الستات
(1) في نسخة س «حزن» .
(2)
في الأصل «وأبدت» والصيغة المثبتة من نسخة س.
(3)
في نسخة س «نيات» ويختل الوزن.