الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دينار، وكتب مطالعة تتضمن ذلك، ويستخرج الأمر في جملة. فخرج الجواب بأن يعاد المال إلى أربابه.
وأخرج لما ولى كل من في الحبوس (1)، وأمر بإعادة ما أخذ منهم، وبعث إلى القاضى عشرة آلاف دينار ليعطيها كل من هو محبوس في حبس الشرع وليس له مال.
ولما عوقب في بذل الأموال التي لم يبذلها خليفة قبله، قال:«أنا فتحت دكانا بعد العصر فاتركونى أفعل الخير [فكم أعيش (2)]؟» . وأطلق في ليلة عيد النحر (3)[130 ب] من السنة الماضية - ولم يشهد عيدا في خلافته سواه - مائه ألف دينار للعلماء وأهل الدين (4).
خلافة الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين بن الظاهر
ولما توفى الظاهر بأمر الله ولى الخلافة بعده ولده الأكبر المستنصر بالله أبو جعفر المنصور، وكان جده الناصر لدين الله يسميه القاضى، وكان له ولد آخر يلقب الخفاجى، عنده شهامة عظيمة وشجاعة، وأظنه بقى حيا إلى أن ملك التتر بغداد، وقتل مع من قتل من بنى العباس. وكان جديرا بالخلافة بعد أخيه المستنصر، لكن لما يريده الله تعالى من بوار الأسلام، عدلوا عنه إلى المستعصم بن المستنصر - على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
(1) في نسخة س «الحبس» وفى ابن الأثير، الكامل، ج 12 ص 443 «السجون» .
(2)
ما بين الحاصرتين من ابن الأثير الكامل، ج 12 ص 444.
(3)
كذا في نسختى المخطوطة وفى ابن الأثير (نفس المرجع والجزء والصفحة)«عيد الفطر» .
(4)
في نسخة س «مائة ألف دينار للصدقه ومائه ألف دينار أخرى للعلماء وأهل الدين» ، وفى ابن الأثير (الكامل ج 12 ص 444)«وفرق في العلماء وأهل الدين مائة ألف دينار» .
ولما ولى المستنصر بالله الخلافة سلك في العدل والأحسان إلى الرعية واتباع السنة مسلك أبيه الظاهر [بأمر الله (1)]. وأمر فنودى ببغداد بإفاضة العدل وإن من كانت له حاجة أو مظلمه يطالع بها لتقضى حاجته، وتكشف مظلمته.
فلما كانت أول جمعه أتت على خلافته أراد أن يصلى الجمعه في المقصورة التي جرت عادة الخلفاء بالصلاة فيها، فقيل له إن المطبق (2) - الذى يسلك منه إليها (3) فيه - خراب لا يمكن سلوكه، فركب فرسا وسار إلى جامع القصر ظاهرا بحيث يراه الناس بقميص أبيض وعمامة بيضاء بسكاكين حرير (4). ولم يترك أحدا يمشى معه، بل أمر كل من أراد [أن](5) يمشى معه من أصحابه بالصلاة في الموضع الذى كان يصلى فيه. وسار ومعه خادمان وركاب دار لا غير (6)، وصلى وعاد. وكذلك فعل في الجمعة الثانية حتى أصلح له المطبق.
(1) ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(2)
المطبق هو السجن المقام تحت الأرض لأنه أطبق على من فيه، ويبدو أنه هنا بمعنى طريق تحت الأرض؛ انظر، الزبيدى، تاج العروس، ج 6، ص 417؛
Dozy، Supp.Dict. Ar، II، P. 26.
(3)
في نسخة م «يسلك إليها» والصيغة المثبتة من نسخة س، وفى ابن الأثير، الكامل، ج 12 ص 458 وردت الصيغة «يسلك فيه إليها» .
(4)
في نسخة م «وسكاكين حريرية» . وفى نسخة س «بسكاكين حريرى» والصيغة المثبتة من ابن الأثير، ج 12 ص 458. والمقصود أن طرف العمامة من الحرير المشرشر كالسكاكين، أنظر
Dozy، Supp. Dict، Ar، I، P. 669.
(5)
ما بين الحاصرتين من نسخة س ومن ابن الأثير (الكامل، ج 12 ص 458) وغير مثبت في نسخة م.
(6)
الركا بدارية أو الركبدارية هم الذين يحملون الغاشية في المواكب الكبيرة رافعين لها يلفتونها يمينا وشمالا، انظر القلقشندى (صبح الأعشى، ج 4 ص 7، 12)؛ سعيد عاشور (العصر المماليكى، ص 420).
ولما توفى الخليفة الظاهر وولى الخلافة المستنصر بالله، وردت إليه رسل ملوك الأطراف مهنئين له بخلافته، ومعزين له عن والده الظاهر. وممن ورد في هذا المعنى ضياء الدين [بن الأثير (1)] الجزرى - الذى تقدم ذكره (2) في أخبار الملك الأفضل بن صلاح الدين -[131 ا] وهو أبو الفتح نصر الله، وكان قد فارق الملك الأفضل واتصل ببدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، وقدم إلى بغداد رسولا من [عند](3) بدر الدين مهنئا للمستنصر بالله، ومعزيا بالظاهر بأمر الله. وكان فاضلا بالأدب وعلم البديع، ومن تصانيفه «المثل السائر» المشهور (4)، وله الترسل البليغ البديع، وتوفى - على ما بلغنى - في سنة تسع وثلاثين وستمائة. ولما حضر الديوان قال:«ما لليل (5) والنهار لا يعتذران وقد عظم حادثهما؟، وما للشمس (6) والقمر لا يكسفان وقد فقد ثالثهما؟» .
[شعر (7)]
فيا وحشة الدنيا وكانت أنيسة
…
ووحشة من فيها لمصرع واحد
وذلك الواحد هو سيدنا ومولانا الأمام الظاهر بأمر الله أمير المؤمنين، الذى كانت ولايته رحمة للعالمين (8). واختير من أرومة النبى الذى هو سيد ولد آدم
(1) ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(2)
انظر ما سبق ابن واصل، ج 3 ص 10 - 11، 40 - 41، 44، 56، 59، 64، 112.
(3)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(4)
يقصد كتاب «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر» وقد حقق هذا الكتاب وعلق عليه أحمد الحوفى وبدوى طبانة في أربعة أقسام، القاهرة 1959 - 1965.
(5)
في نسخة س «فالليل» والصيغة المثبتة من م.
(6)
في نسخة س «وللشمس» والصيغة المثبتة من م.
(7)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(8)
في نسخة م «للعالم» والصيغة المثبتة من نسخة س.
[وخاتم النبيين](1)، فذمته موصولة بذمته، فهو شقيقه في نسبه، وخليفته في أمته، ولقد وقف على السنن، وأتانا بالحسن، وحمدت الأيام في زمنه، فلم يشك أحد من الزمن، ومما عظم الرزية أنه أتى عقيب رزء، وصل فجعة بفجعة، وكان يستهول أحدهما وهو وتر، فشفع الوتر بشفعه. فياويح الإسلام، فجع أولا بناصره وفجع الآن بظاهره، وقرب الوقت بينهما حتى كاد يعثر أولهما بآخره، فلم نفق النفوس ببرحائها (2) حتى وافت ما طوى مضضا على مضض، ووقع ذلك موقع نكسة عطفت على مرض، ونكا القرح بالقرح أوجع، وذهاب فرع العليا بعد أصله ذهاب بالعلياء أجمع، وكلا هذين الرزءين رمى الناس بسهم [غائر (3)] ليس عليه من صابر، وما كان الله ليسوء دينه بمصاب خليفتين، ولا يجلو ظلمته بصباح سافر. وقد جاء بسيدنا ومولانا الأمام المستنصر بالله أمير المؤمنين فأرضى به كل قلب سخط ولم يرض، وقيل هذا بدل الكل من الكل، لا بدل البعض من البعض. وكان الناس على خطر من انتقاض أمرهم، فأبيح لهم إبرام ذلك النقض، ونسى ما تقدم من البرح (4)، ودمل ما أعضل من القدح. ولئن عظم الأسف على ليلتين مضيتا برامة لقد أسلت عنهما [131 ب] ليلة السفح، والعبد قائم بهذا (5) المقام وقلبه مقسم للعزا شطرا وللهنا شطرا، فإذا نطق بهذا أسبل دمعا، وإذا نطق بهذا أبدى ثغرا، وهو نائب عن مرسله في أخذ البيعة التي يد الله
(1) ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(2)
في نسخة س «من برحائها» .
(3)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(4)
البرح الشدة والشر، انظر محيط المحيط.
(5)
في نسخة س «هذا» .
فوق يدها، والسابق إلى يومها أفضل من المتأخر إلى غدها، وهى التي تجملت بها (1) أقلام الكرام السفرة، وجعلها الله معدودة في بيعة العقبة، وبيعة الشجرة ولها يصح قول القائل:
وبيعة من قلوب غير شاردة
…
ما كان في عودها ضعف ولا خور
لو أنها لعتيق لم يمت حسرا
…
سعد ولا قال كانت فلتة عمر
وكذلك فإن العبد ينهى طاعة مرسله التي جعل يومه فيها كأمسه، وزادها (2) في (3) مبانى الإسلام فهو يبنى بها على ستة لا على خمسة، وقد أعدها في الدنيا معقلا يكتن بذراه، وفى الآخرة عتادا [صالحا (4)] يسره أن يراه».
قلت: لقد أبدع ضياء الدين رحمه الله في هذا القول، وسلك في مزج التهنئة بالتعزية مسلك أبى نواس الحسن بن هانىء حيث يقول في التهنئة بولاية محمد الأمين والتعزية بأبيه هارون الرشيد:
جرت جوار بالسعد والنحس
…
فنحن في وحشة وفى أنس
يضحكنا القائم الأمين وتب
…
كينا وفاة الرشيد بالأمس
العين تبكى والسن ضاحكة
…
فنحن في مأتم وفى عرس
بدران: بدر بدا ببغداد في ال
…
حلل وبدر بطوس في الرمس
وسلك أبو نواس في ذلك مسلك أبى دلامة حيث يقول في التهنئة بولاية المهدى والتعزية بالمنصور:
(1) في نسخة س «بحسنها» .
(2)
في نسخة س «وزاد» .
(3)
في المتن «سائر» والصيغة المثبتة من نسخة س ولعله يقصد أنه جعل طاعته ركنا سادسا يضاف إلى الأركان الخمسة التي بنى الأسلام عليها.
(4)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
عيناى: واحدة ترى مسرورة
…
بإمامها جزلى، وأخرى تذرف
تبكى وتضحك تارة ويسوؤها
…
ما أنكرت، ويسرها ما تعرف
فيسؤوها موت الخليفة محرما
…
ويسرها أن قام هذا الأرأف
أهدى - لهذا - الله فضل خلافة
…
ولذاك جنات النعيم تزخرف
فابكوا لمصرع خيركم ووليكم
…
واستبشروا بمقام ذا وتشرفوا
لكن أساء ضياء الدين [بن الأثير](1) الأدب على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم[132 ا] وبيعة المهاجرين والأنصار له إذ قدم عليها بيعة المستنصر، إذ قضى بأنها لو كانت للصديق لم يمت بحسرتها سعد بن عبادة الأنصارى، ولم يقل الفاروق رضى الله عنه أن بيعة أبى بكر رضى الله عنهما كانت فلته. ولفد افترى في ذلك فإن بيعة الصديق لم تكن بيعة أفضل منها إلا البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومما يشبه ما فعله ضياء الدين من سوء أدبه ما سنذكره في خبر قدوم الملك الناصر داود بن الملك المعظم على المستنصر بالله، فإنه عقد محفل للعلماء حضره الملك الناصر، وكان الخليفة بمرأى منه ومسمع، فقام فقيه وأنشد قصيدة يمدح فيها الخليفة (2) ومن جملتها:
لو كنت في يوم السقيفة حاضرا
…
كنت المقدّم والأمام الأروعا
فعظم هذا القول على الملك الناصر رحمه الله وقال في ذلك الملأ ما معناه:
كذبت كان جد مولانا أمير المؤمنين العباس بن عبد المطلب يوم السقيفة حاضرا، ولم يكن المقدم والأمام الأروع إلا أبو بكر الصديق رضى الله عنه.
فخرج المرسوم بنفى ذلك الفقيه فنفى.