الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ينقادون إليه يطيعونه، على خلع الملك الكامل من السلطنة، وأن يملّكوا الديار المصرية أخاه الملك الفائز ابراهيم بن الملك العادل، ليصير لهم الحكم عليه وعلى البلاد. ولما أحس الملك الكامل بذلك فارق منزلته المعروفة بالعادلية ليلا جريدة، وتوجه إلى أشمون طناح (1) فنزل عندها.
وأصبح العسكر وقد فقدوا سلطانهم، فركب كل سلطان منهم هواه، ولم يقف الأخ على أخيه، وتركوا أثقالهم وخيامهم وذخائرهم وأموالهم وأسلحتهم إلا ما خف عليهم حمله، ولحقوا بالسلطان الملك الكامل. ولما أصبح الفرنج لم يروا أحدا من المسلمين على شاطىء النيل، فعبروا إلى بر دمياط، وملكوه آمنين بغير منازع ولا مدافع. وكان ذلك في ذى القعدة من هذه السنة، وغنموا كل ما في معسكر المسلمين، وكان شيئا لا يحدّ ولا يوصف.
ذكر وصول الملك المعظم إلى العسكر الكاملىّ
وتقرير قواعد أخيه الملك الكامل
واتفق بعد يومين من هذه الواقعة الصعبة وصول الملك المعظم، فقوى به قلب أخيه الملك الكامل واشتد به أزره، ووعده الملك المعظم بأزالة جميع المفاسد.
وكان الملك الكامل قد عزم قبل وصول أخيه - على ما يقال - على مفارقة البلاد وتركها بيد الفرنج والتوجه إلى بلاد اليمن، وكانت - كما تقدم ذكره -
(1) أشمون أو أشموم طناح من أقدم المدن المصرية واسمها القبطى Chemoum Erman وسماها العرب أشمون الرمان نسبة إلى اسمها القبطى كما سميت أيضا أشموم طناح نسبة إلى طناح التي كانت معها في كورة واحدة. وأشمون الرمان هى الآن قرية عادية من قرى مركز دكرنس محافظة الدقهلية؛ انظر، ياقوت (معجم البلدان)؛ ابن مماتى، ص 89؛ ابن دقماق، الانتصار، ج 5، ص 68؛ رمزى، القاموس، ج 1، ق 2، ص 229؛ وكذلك:(Ball : Egypt in the Classical Geographies، P. 27) .
بيد ولده الملك المسعود صلاح الدين يوسف (1). فثبته الملك المعظم وشجعه، وركب الملك المعظم إلى خيمة عماد الدين بن المشطوب فاستدعاه ليركب معه ويسايره، فاستنظره ليلبس خفيه وثيابه فلم ينظره ولم يمهله، فركب معه وسايره إلى أن خرج به من العسكر، ثم سلمه إلى جماعة من أصحابه [78 ا] وأمرهم أن لا يفارقوه حتى يخرجوه من الديار المصرية، وينفوه إلى الشام.
فمضى إلى الشام ووصل إلى حماه، وأقام عند صاحبها الملك المنصور مديدة، وجرى له ما سنذكره - إن شاء الله تعالى - في حوادث السنة الآتية.
ثم بعدئذ (2) بمدة أمر الملك الكامل أخاه الملك الفائز أن يمضى رسولا عنه لإحضار العساكر بسبب الجهاد؛ وكان الغرض إخراجه من البلاد. فمضى [الفائز] إلى حماه، وحمل إليه الملك المنصور صاحبها شيئا كثيرا، ثم مضى إلى الشرق فمات به. وقيل إنه مات مسموما والله أعلم بحقيقة ذلك، وسنذكر وفاته في السنة التي مات فيها إن شاء الله تعالى. ولما أخرج عماد الدين بن المشطوب والملك الفائز من العسكر الكاملى، انتظم أمر السلطان الملك الكامل وقوى جنانه.
وأما الفرنج فإنهم لما ملكوا بر دمياط احتاطوا بها برا وبحرا وأحدقوا بها، وأخذوا في محاصرتها والتضييق عليها. وامتنع دخول الأقوات إليها بالكلية، وكل هذا كان بسبب حركة ابن المشطوب ونيته الردية. لا جرم أن الله تعالى لم يمهله وعاقبه بعد ذلك - بما سنذكره إن شاء الله تعالى. وحفر الفرنج على معسكرهم المحيط بدمياط خندقا، وبنوا عليه سورا على عادتهم، وأهل دمياط
(1) انظر ما سبق ابن واصل، ج 3 ص 227؛ وانظر أيضا يحيى بن الحسين، غاية الأمانى (تحقيق الدكتور سعيد عاشور) ج 1، ص 403 - 417.
(2)
في الأصل «بعدذ» .
يقاتلونهم أشد قتال ويمانعونهم، وصبروا صبرا لم ير مثله، وقلّت عندهم الأقوات وغلت الأسعار.
ولما رتب الملك المعظم القواعد بمصر عاد إلى بلاده، واستمر الملك الكامل إلى آخر هذه السنة محاربا للفرنج منازلا لهم، وهم محاربون لأهل دمياط منازلون لهم محدقون بدمياط، حائلون بينها وبين عساكر المسلمين، على ما كانت عليه الحال بعكا في أيام السلطان الملك الناصر صلاح الدين.
وكان الذى يدخل إلى دمياط من أصحاب الملك الكامل إنما يدخل عليهم بمخاطرة عظيمة، بأن يسبح في بحر النيل، وهو مملوء من مراكب العدو وشوانيهم. وكان عند السلطان جاندار (1) يسمى شمايل (2) من أهل قرية من قرى حماه تسمى معرذفتين (3)، كان من فلاحى هذه القرية، فوصل إلى أن خدم في الركاب السلطانى جاندارا. وكانت عنده قوة نفس وشهامة، فكان يخاطر بنفسه ويسبح في النيل ومراكب الفرنج به محيطة [78 ب] ويدخل إلى دمياط فيقوى قلوب أهلها عن السلطان، ويعدهم وصول النجد لإزاحة العدو عنهم، ثم يأتى السلطان سباحة ويعلمه بأخبار أهلها. فحظى بذلك عند السلطان
(1) الجاندار كلمة مركبة من لفظين فارسيين أحدهما جان ومعناه سلاح، والثانى دار ومعناه ممسك. وموضوع وظيفة الجاندارية أن متوليها يستأذن السلطان قبل دخول الأمراء للخدمة، ويدخل أمامهم إلى الديوان، انظر القلقشندى (صبح، ج 4، ص 20)؛ المقريزى، السلوك، ج 1، ص 133، حاشية 1، (Sobernheim،article Djandar in E .I).
(2)
هو الأمير علم الدين شمايل الذى نسبت إليه - فيما بعد - خزانة شمايل أشهر سجون العصر المملوكى الذى كان مأوى لمن وجب عليه القتل من اللصوص وقطاع الطريق وأصحاب الجرائم العظيمة ومن أراد السلطان إهلاكه. انظر المقريزى، الخطط، ج 2، ص 188؛ زيادة، «السجون في مصر في العصور الوسطى» ، مجلة الثقافة (1943 - 1944).
(3)
في الأصل «معرذفش» ومعرذفتين قرية تبعد مسافة 6 كيلو مترا غربى مدينة حماه وما زالت تحمل نفس الأسم حتى الآن.