الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرمدان (1) فيه نسخ الأيمان التي استحلف بها من وافق ابن المشطوب، وكتب الأمراء والملوك الواصلة إليه. فشفع فيه الأمير فخر الدين بن شيخ الشيوخ صدر الدين بن حمويه - وكان ورد رسولا إلى الملك الأشرف من السلطان الملك الكامل، وهو قريب القاضى نجم الدين لأن أم فخر الدين هى إبنة شهاب الدين بن شرف الدين بن أبى عصرون - فأطلقه الملك الأشرف لأجل فخر الدين فورد إلى حماة، وتوفى بها سنة إثنتين وعشرين وستمائة.
ذكر وفاة الملك المنصور صاحب حماة رحمه الله
(2)
وفى ذى القعدة من هذه السنة، توفى الملك المنصور ناصر الدين محمد ابن الملك المظفر تقى الدين عمر بن شاهان شاه بن أيوب رحمه الله بقلعة حماة.
وكانت مدة مرضه احدى (3) وعشرين يوما. وكان مرضه حمى حادة محرقة، وتأدت به إلى أن ورم دماغه، واشتعل ذهنه. وأوصى في مرضه باخراج [96 ا] من في حبسه، وقال:«في حبسنا من قد ظلمنا بأخذ مالنا» . وأعتق جميع مماليكه وإمائه، وأثمانهم تجل عن الحصر.
ذكر سيرته رحمه الله
كان رحمه الله ملكا جليلا، شجاعا مقداما، عالما فاضلا، يحب العلماء والفضلاء وأهل الأدب والشعر، ويحب سماع المديح ويجيز عليه الجائزة
(1) الحرمدان، لفظ فارسى معناه المحفظة الخاصة، التي يحمل فيها الفرد أوراقه ونقوده، انظر المقريزى (السلوك ج 1، ص 697 حاشية 2 للدكتور زيادة)، وانظر كذلك:
Steingass، Persian - English Dict
Dozy : Supp .Dict .Ar.
(2)
انظر أيضا أبو الفدا، (المختصر، ج 3، ص 125 - 126).
(3)
في الأصل «احدا» .
الكثيرة. ويحب أن يكون في بلده من كل طائفة من أهل العلم أفضلهم. فورد إلى بابه جماعة من العلماء الأماثل، وممن ورد عليه منهم الشيخ الإمام سيف الدين أبو الحسن على الآمدى رحمه الله، وكان إماما عظيما متقدما في علمى الكلام وأصول الفقه وعلم المنطق وسائر العلوم الحكمية. وكان علما في هذه العلوم، عظم في الآفاق صيته، واشتهر ذكره، وصنّف التصانيف البديعه في جميع هذه الفنون، وردّ فيها على الإمام فخر الدين الرازى، والإمام أبى حامد الغزالى، وغيرهما من أكابر المتقدمين، وبيّن بطلان أقاويلهم.
ولما قدم [الآمدى (1)] إلى حماة بنى له السلطان الملك المنصور مدرسته المعروفة (2) به، التي بقرب الباب الشمالى المعروف بباب الجسر الشمالى. وأجرى [الملك المنصور (3)] له الجامكية الكثيرة والجراية. وواظب حضور مجلسه، والإشتغال عليه بجميع فنونه.
وورد عليه من الشعراء المجيدين جماعة، فأجرى عليهم الجامكيات والجرايات، واستخدمهم.
وصنف الملك المنصور رحمه الله عدة تصانيف منها كتاب طبقات الشعراء، وكتاب مضمار الحقائق في التاريخ (4)، وهو نحو عشرين مجلدة، وصنّف غير ذلك. وكان له العسكر الكثير المجمل. وخدمه عدة من أكابر الأمراء المشهورين، منهم الأمير شمس الدين بن قلج، والأمراء من بنى برطاس، وكل منهم كان أميرا جليلا.
(1) أضيف ما بين الحاصرتين للتوضيح.
(2)
انظر ما سبق ص 65 وحاشية 3 وانظر مايلى ص 87.
(3)
أضيف ما بين الحاصرتين للتوضيح.
(4)
هو كتاب مضمار الحقائق وسر الخلائق، والكتاب لا يوجد منه الآن سوى جزء واحد نشره الدكتور حسن حبشى (القاهرة 1968).
وولى قضاء بلده للقاضى ضياء الدين بن الشهرزورى (1) قاضى القضاة ببغداد وسائر البلاد الإسلامية. وحين وليها من جهة الملك المنصور، كانت له ولاية بالبلاد الأسلامية كلها، فانه خرج من بغداد بإذن الخليفة [96 ب] الناصر لدين الله وهو باق على ولايته مستمر عليها. وأذن له الخليفة في أن يحكم في كل بلدة يحل بها من بلاد الإسلام.
ولما قدم [الشهرزورى (2)] إلى حماه أكرمه الملك المنصور، وولاه قضاء بلاده، ثم توفى بعد أشهر من مقدمه.
وولى أيضا له القضاء القاضى نجم الدين أبو البركات عبد الرحمن بن الشيخ الإمام شرف الدين بن أبى عصرون، وكان عظيما كبير القدر، جليلا عند الملوك بسبب والده الشيخ شرف الدين قاضى القضاة، كان بدمشق، ومتولى المدارس النورية وأوقافها بالشام جميعه (3).
وكان في خدمة الملك المنصور ما يناهز مائتا معمم من الفقهاء والنحاة، وأهل اللغة، والمشتغلين بالعلوم الحكمية، والمهندسين، والمنجمين، والشعراء، والكتاب، والأماثل.
(1) هو القاسم بن يحيى بن عبد الله الشهرزورى الشافعى تفقه ببغداد ثم قدم الشام واتصل بخدمة السلطان صلاح الدين الذى أرسله عدة مرات رسولا إلى الخليفة العباسى ببغداد. وقد ولى قضاء الشام ثم انتقل إلى الموصل وولى قضاءها، ثم قلد قضاء القضاه ببغداد واستعفى وعاد إلى حماه قاضيا إلى حين وفاته سنة 599 هـ، انظر السبكى (طبقات الشافعية. ج 4 ص 298)؛ الأصفهانى (الفتح، ص 69 - 71)؛ أبو شامة (الروضتين، ج 2 ص 139)، ابن تغرى بردى (النجوم، ج 6 ص 184).
(2)
أضيف ما بين الحاصرتين للتوضيح.
(3)
كان شرف الدين بن عصرون من أعيان الفقهاء وفضلاء عصره، صنف كتبا كثيرة في المذهب الشافعى وتوفى بدمشق سنة 585 هـ، انظر: الأصفهانى (الفتح، ص 236)؛ أبو شامة (الروضتين، ج 2 ص 150)؛ ابن خلكان (وفيات، ج 1 ص 255)؛ ابن تغرى بردى (النجوم، ج 6 ص 110).
وكان رحمه الله متصديا لتدبير أمور المملكة والرعية من حين يصلى صلوات الصبح إلى أن يدخل الليل، وترد عليه القصص والمهام في جميع النهار، ويقضى أشغال الرعية، ولا يحتجب عنهم في أكثر أوقاته.
وجمع في خزانته من كتب العلوم ما لا مزيد عليه، واعتنى بها جدا، وكان يكثر مطالعة الكتب ومراجعتها، واستحضار العلماء والبحث معهم.
وكان مؤثرا لعمارة بلده، وتحصينه وتقوية أسواره، والعناية بها.
بنى بظاهر حماة الجسر المعروف بالحديد، خارج الباب المعروف بباب حمص.
وخرّب أسوار قلعة حماه التي كان بناها والده، وكانت من لبن، فبناها الملك المنصور كلها بالحجر والكلس حتى جاءت في غاية الحسن. وعمّق خنادقها جدا، ووسعها (1). وجعل [الملك المنصور](2) في القلعة من الزردخاناه والذخائر ما لا مزيد عليه، حتى صارت مضاهية لقلعة حلب التي تضرب بها الأمثال، بل أجود وأحصن.
وبنى بظاهر حماه من شماليها (3) مدرسة عند قبر والده [تقى الدين (4)] رحمه الله.
ووقف عليها وقفا جليلا.
وكان له رحمه الله بعد وفاة والده - من البلاد حماه، والمعرة (5)، وسلميه، ومنبج، وقلعة نجم (6).
(1) نهاية الجزء الساقط من نسخة س، انظر ما سبق ص 75 حاشية 3.
(2)
ما بين الحاصرتين للتوضيح.
(3)
في نسخة م «الشمالى» والصيغة المثبتة من نسخة س.
(4)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(5)
في الأصل «معرة» والصيغة المثبتة من نسخة س.
(6)
ذكر ياقوت (معجم البلدان) أن قلعة النجم كانت قلعة حصينة مطلة على الفرات عليه جسر تعبره القوافل من حران إلى الشام.
فلما فتح بارين (1)، وكانت بيد عز الدين ابراهيم بن المقدم، ألزمه عمه السلطان الملك العادل [97 ا] أن يردها عليه، فامتنع من ذلك، وعوّض ابن المقدم عنها منبج وقلعة نجم، وهما خير من بارين، لكنه إختار عليهما بارين لأنها بالقرب منه. وكان رحمه الله مع قلة بلاده يداريه عمه السلطان الملك العادل، وابن عمه الملك الظاهر. ويخاف كل منهما أن يميل مع الآخر عليه.
وكان موكبه من أجلّ المواكب تجذب السيوف الكثيرة بين يديه، ويركب في خدمته جمع كثير من المعممين من الفضلاء [والأماثل من أهل (2)] البلد، ومن الأمراء الأكابر والأجناد. فكان موكبه يضاهى موكب عمه الملك العادل وابن عمه الملك الظاهر، مع سعة مملكتهما وقلة مملكته بالنسبة إليهما.
وجرت له حروب مع الفرنج، وانتصر فيها عليهم [وقد قتل فيها كثيرا](3)، وقد قدمنا ذكر ذلك، وظهرت فيها شجاعته وفروسيته.
وكانت له أشعار حسنة جمعت في ديوان فنذكر بعضها. من ذلك قوله من قصيدة مطلعها: -
سحّا الدموع فإن القوم قدبانوا
…
وأقفر الصّبر لمّا أقفر البان
أتسعدانى (4) بوجد بعد بينهم؟
…
فالشّان لمّا نأوا عنّى له شان
ومنها
يا ظبية البان هل وصل يسربه (5)
…
لينجلى بلذيذ الوصل أشجان
(1) بارين أو بعرين مدينة بين حلب وحماه من جهة الغرب.
(2)
في نسخة م «وأماثل» وما بين الحاصرتين من نسخة س.
(3)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(4)
في الأصل «وأسعدانى» والصيغة المثبتة من نسخة س.
(5)
في نسخة س «أسربه» .
لا تبعثوا في (1) نسيم الريح نشركم
…
فإننّى من نسيم الريح غيران
كيف السّلّو ولى قلب يخالفنى
…
وفى الهوادج أقمار وغزلان (2)
سقاهم الغيث في قبلىّ كاظمة
…
سحّا وروّى ثراهم أينما كانوا
وقوله من قصيدة يفتخر فيها، مطلعها: -
الفخر بالفضل ليس الفخر بالنسب
…
والناس في ذاك من درّ ومن خشب
وكل فخر سوى فخرى فمختلق
…
زور وقائله ينمى إلى الكذب
أنا الذى لم ينل من ذا الورى أحد
…
مانلته قط من عجم ومن عرب
سموت فيهم بأصل لا يقاومه
…
أصل ومن بعده بالعلم والأدب
بآل شادى ملوك الناس كلّهم
…
أكرم بذلك من مجد ومن حسب
أيوب جدّى حقيقا حين ينسبنى
…
يا حسنها رتبة تعلو على الرّتب
نحن الملوك الذرى (3) والناس كلهم
…
لنا عبيد (4) وليس الرأس كالذّنب
كم قد أبدت بسيفى كل مفتخر
…
حامى الحقيقة يوم الجحفل اللّجب
وكم تركت بنى الإفرنج في رعب
…
فصرت أدعى لديهم جالب الرّعب
وكم أبحتهم يومى وغى ولعا
…
رأس السنان وحدّ (5) المخذم الذرب
وكم جررت إليهم جحفلا لجبا
…
بالسابرّية والماذىّ واليلب
كفعل آبائى الغرّ الذين هم
…
كانوا لدين الهدى كالوالد الحدب
من كلّ محتسب في الله منتسب
…
مؤيّد بجميل النصر مرتقب
أغرّ أبلج وضّاح، لغرته
…
فضل على الأنجم السيّارة الشهب
(1) في نسخة س «مع» .
(2)
في نسخة س «وأغصان» والصيغة المثبتة أبلغ.
(3)
في نسخة س «نحن ملوك الورى» ومعها يختل الوزن.
(4)
في نسخة س «عبيدا» وهو تصحيف.
(5)
في نسخة س «يوجد» وهو تحريف.
وقوله من أرجوزة يفتخر فيها مطلعها: -
يا من يبارينى ويذكر إسمى
…
إنّى من قوم كرام شمّ (1)
بحار جود وبحار حلم
…
من كل ذى بأس شجاع شهم
يذبّ عن هام العلا ويحمى
…
يسعى إلى الغنم لها بالرّغم
كم رتبة (2) فوق السما والنجم
…
بلغتها قبل أوان حلمى
ينبيك من معرفتى وفهمى
…
إن علوم ذا (3) الورى من علمى
وحزمهم قلامة من حزمى
…
ولى لسان قوله كالسهم
ينفذ في الصّخر الصلاد الصّم
…
ولى يد (4) مثل السحاب تهمى
على العفاة بالنّوال الجمّ
…
ينتعش العانى به وينمى
يسبح من عطائها في يمّ
…
ولى حسام مسرع (5) في الجسم
يكلم قبل ضربه ويدمى
…
طوبى لمن حاول يوما سلمى
ربّ حسود لى ولا أسمّى
…
يهرب من سهمى حين أرمى
أغفل عنه غفلة الأصمّ
…
ولا يمر قتله بوهمى
لو حلّ من خوفى محل العصم
…
إذا سمت في شاهق أشم
أدركته بهمتى وعزمى
[98 ا] ومنها
أيوب جدّى يا سديد الفهم
…
ويوسف خير البرايا عمّى (6)
(1) في نسخة س «شيم» ولا يستقيم الوزن.
(2)
في نسخة س «وثبه» والصيغة المثبتة أبلغ.
(3)
في نسخة س «ذى» .
(4)
في نسخة س «يدا» وهو تصحيف.
(5)
في نسخة س «مسرعا» وهو تصحيف.
(6)
هذا البيت في نسخة م يأتى بعد البيت التالى له، والرواية المثبتة من نسخة س وهى التي يتلاءم معها المعنى.
ومن محلّى في الورى وعظمى
…
أنّى من نسل ملوك شمّ
من مثلنا في عربها والعجم
…
فجدنا يعلو فويق النجم (1)
وقوله في صدر كتاب إلى عمه الملك العادل رحمهما الله: -
سلام محبّ في الولاء محقّق
…
يكاد لفرط الشوق بالدمع يشرق
وينشد بيتا قيل في مدح مجدكم
…
له بثناكم حين ينشد رونق
تقول لى الآمال إن كنت نازلا
…
بباب إبن أيوب فأنت الموفّق
وحكى في تاريخه المسمى [بمضمار الحقائق في علوم الخلائق (2)] أنه رأى في منامه شخصا ينشده قصيدة مدحا فيه، فلما انتبه من منامه لم بحفظ منها إلا بيتا واحدا، وهو: -
ملك إذا سمته القوافى
…
وافاك منها بألف فاء
فضم إليه رحمه الله أبياتا على الروى والوزن، منها: -
يا ملكا من يديه يبدى
…
بذل نداه بلا نداء
ومن غدا بابه يسمى
…
لمرتجيه باب الرجاء
أوفى الورى نائلا وعهدا
…
فعنه يروى حفظ الوفاء
أحيا الورى جوده فأضحى
…
في وجهه رونق الحياء
قد بذل الجود منه حتى
…
تخلّل الجود بالعباء
فصيفه صيفنا ولكن
…
في كفه دممة الشّتاء
أسنى الورى محتدا وفرعا
…
فقد تعدّى حدّ السناء
مهابة في علاه جلّت
…
عن فرط عجب وكبرياء
والاسم منه إذا إبتلينا
…
طلسم سعد بسيمياء
(1) هذا البيت ساقط من نسخة س.
(2)
في نسخة م «بالمضمار» والصيغة المثبتة من س، انظر ما سبق ص 78 حاشية 4.
في كفه الحيدرى سيف
…
تراه نارا شيبت بماء
تخاله في الحروب يبدى
…
شعلة نار على هباء (1)
ومنها [98 ب]
لا ينتهى جود راحتيه
…
وكل شئ إلى إنتهاء
لله من مالك كريم
…
توّجه الله بالبهاء
رقا علّوا على البرايا
…
وزاد في المجد والعلاء (2)
سما وحاز العلياء (3) حتى
…
سما به عالم السماء
يعطى عطاء (4) بلا امتنان
…
فهو إذن كعبة العطاء
ملك إذا سمته القوافى
…
وافاك منه (5) بألف فاء
ومن شعره رحمه الله: -
دع الوقوف بتسآل على طلل
…
عن من سرى منه بالوخّادة البزل
وذكر سلمى وسعدى والرباب وما
…
يعلو الغصون من الأقمار في الكلل (6)
ومل إلى العز بالجرد العتاق وبال
…
ـبيض (7) الرقاق وما أعددت من أسل
لم ترض خيلى إذا ما الحرب (8) حوّلها ال
…
ـوفاء (9) نعلا سوى ما عزّ من مقل
ومن شعره: -
وجود سلافة الصّهبا
…
ء عند وجوده عدم
(1) في نسخة س «هناء» وهو تصحيف.
(2)
في نسخة س «والكلاء» وهو تصحيف.
(3)
كذا في نسختى المخطوطة ومعها يختل الوزن وربما صحتها «العلو» أو «العلاء» .
(4)
في نسخة س «عطايا» .
(5)
في نسخة س «منها» .
(6)
في نسخة س «والكلل» وهو تصحيف.
(7)
في نسخة س «وبالسمر» .
(8)
في نسخة س «الحزن» وهو تصحيف.
(9)
في نسخة س «نعل» والصيغة المثبته من م.