الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سيرته رحمه الله
كان رحمه الله إماما عادلا متواضعا، محسنا إلى الرعية جدا، وكان قبل وفاته قد أخرج توقيعا إلى الوزير بخطه ليقرأه على أرباب الدولة، وقال الرسول:«أمير المؤمنين يقول ليس غرضنا أن يقال برز مرسوم أو نفّذ (1) مثال، ولا يبين له أثر، بل أنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال» .
ثم أمر بقراءة التوقيع على الجماعة فقرئ عليهم ونسخته:
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اعلموا أنه ليس إمهالنا إهمالا، ولا إغضاؤنا، إغفالا، ولكن لنبلوكم أيكم أحسن عملا، وقد غفرنا (2) لكم ما سلف من خراب (3) البلاد، وتشريد الرعايا، وتقبيح السمعه، وإظهار الباطل الجلى في صورة الحق الخفى حيلة ومكيدة، وتسمية الاستئصال والاجتياح إستيفاء، واستدراكا لأغراض انتهزتم فرصتها مختلسه من براثن أسد (4) باسل، وأنياب أسد مهيب، تتفقون بألفاظ مختلفة على معنى واحد، وأنتم [129 ب] أمناؤه وثقاته، فتميلون رأيه إلى هواكم (5)، وتمزجون باطلكم بحقه، [فيطيعكم (6)] وأنتم له عاصون، ويوافقكم وأنتم له مخالفون. والآن فقد بدل الله سبحانه بخوفكم
(1) في نسخة م «ونفذ» وفى نسخة س «أو تقدم» والصيغة المثبتة من ابن الأثير (الكامل، ج 12 ص 456).
(2)
في ابن الأثير، الكامل ج 12 ص 457 «عفونا» .
(3)
في ابن الأثير، نفس المرجع والجزء والصفحة «إخراب» .
(4)
في ابن الأثير، «ليث» .
(5)
في نسخة م «رأيكم» والصيغة المثبتة من س ومن ابن الأثير، نفس الجزء والصفحة.
(6)
ما بين الحاصرتين من نسخة س ومن ابن الأثير (الكامل، ج 12 ص 457) وغير مثبت في نسخة م.
أمنا، وبفقركم غنى، وبباطلكم حقا، ورزقكم سلطانا يقيل العثرة، ويقبل المعذرة، ولا يؤاخذ إلا من أصر، ولا ينتقم إلا ممن استمر. يأمركم بالعدل وهو يريده منكم، وينهاكم عن الجور وهو يكرهه لكم، يخاف الله تعالى، وهو يخوفكم مكره، ويرجو الله تعالى ويرغبكم في طاعته، فإن سلكتم مسالك خلفاء الله في أرضه وأمنائه على خلقه وإلا [هلكتم (1)] والسلام».
ولما توفى وجد في داره ألوف رقاع كلها مختومه لم يفتحها، وقال:«لا حاجة لنا فيها، كلها سعايات» . ومن مآثره الحسنة الجليلة أنه أعاد من الأملاك المغصوبة في أيام أبيه وقبلها شيئا كثيرا. وأطلق المكوس في جميع البلاد، وأمر بالاقتصار على الخراج القديم في جميع البلاد، وأن يسقط جميع ما جدده أبوه، وكان كثيرا لا يحصى؛ فمن ذلك أن القرية المسماة بعقوبا كان يؤخذ منها كل سنة عشرة الآف دينار (2)، فلما ولى أبوه الناصر الخلافة كان يؤخذ منها كل سنة ثمانون ألف دينار، فحضر أهلها واستغاثوا، وذكروا أن أملاكم قد أخذت لأنه لا يتحصل منها هذا المبلغ، فأمر [الأمام الظاهر بأمر الله (3)] بأن يقتصر على الخراج الأول وهو عشرة آلاف دينار (4)، وأطلق لهم سبعون ألف دينار، فاذا كان هذا القدر العظيم قد أطلق من قرية واحدة، فما الظن بباقى البلاد؟.
(1) اضيف ما بين الحاصرتين من ابن الأثير، الكامل (ج 12، ص 457) وغير مثبت في نسختى المخطوطة.
(2)
في نسخة س «درهم» وهو تحريف والصحيح الصيغة المثبتة من نسخة م ومن ابن الأثير، الكامل، ج 12 ص 441.
(3)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(4)
في نسخة س «درهم» انظر حاشية رقم 2.
ولما فعل ذلك تضور الديوان وقالوا: «إن هذا القدر يصل إلى المخزن (1) فمن أين يكون العوض؟» . فأقام لهم العوض من جهات أخرى. ومن ذلك أن المخزن كانت له صنجة يقبضون بها المال، ويعطون بالصنجة التي يتعامل بها الناس. فسمع بذلك فخرج توقيعه إلى الوزير أوله [قوله تعالى (2)]{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اِكْتالُوا عَلَى النّاسِ يَسْتَوْفُونَ، وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ، أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ، لِيَوْمٍ عَظِيمٍ، يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ} (3)».
قد بلغنا [أن الأمر](4) كذا وكذا فتعاد صنجة المخزن إلى الصنجة التي يتعامل بها المسلمون واليهود والنصارى».
وكتب إليه بعض النواب يقول: «إن هذا مبلغ [كثيرو (5)] قد حسبناه فكان في السنة الماضية خمسة وثلاثين ألف دينار [قد ذهبت علينا (6)]» ، فأعاد الجواب:«لو أنه ثلثمائه ألف وخمسون ألف دينار يطلق» .
وكذلك فعل أيضا في إطلاق زيادة الصنجة التي للديوان، وهى في كل دينار (7) حبه. وتقدم إلى القاضى بأن كل من عرض عليه كتابا صحيحا [بملك (8)]
(1) عن المخزن وصاحب المخزن انظر ما سبق من هذا الكتاب (ابن واصل، ج 1 ص 59 حاشية 3.)
(2)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(3)
سورة المطففين آيات 1 - 6.
(4)
ما بين الحاصرتين من ابن الأثير (الكامل، ج 12 ص 442).
(5)
ما بين الحاصرتين غير مثبت في نسخة م وفى نسخة س «عظيم» والصيغة المثبتة من ابن الأثير، الكامل، ج 12 ص 442.
(6)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(7)
الحبة هى 72/ 1 من الدينار أنظر:
Goitein، A Mediterranean Society، Vol. I، P. 359; Zambaur article Habba in EI
(8)
في نسخة س «في ملك» والكلمة ساقطة من نسخة م والصيغة المثبتة من ابن الأثير، الكامل، ج 12 ص 442.
يعيده إلى صاحبه ولا يراجع (1) فيه. وأقام رجلا حنبليا صالحا في ولاية الحشرى (2) وبيت المال فكتب إليه: «إن من مذهبى توريث ذوى الأرحام؛ فإن أذن أمير المؤمنين أن أفعل ذلك وليت وإلا فلا» . فكتب إليه الخليفة: «اعط كل ذى حق حقه، واتق الله ولا تتق سواه» .
وكانت العادة جارية في بغداد أن حارس كل درب يبكر ويكتب مطالعة إلى الخليفة بما تجدد في دربه من إجتماع بعض الأصدقاء ببعض على نزهة أو سماع أو غير ذلك، وكذلك يكتب بكل ما تجدد من صغير وكبير، فكان الناس من هذا في حجر عظيم. فلما تولى الظاهر الخلافة أتته المطالعات على العادة فأمر بقطعها وقال:«أي غرض لنا في معرفة أحوال الناس في بيوتهم، فلا يكتب أحد إلينا إلا ما يتعلق بمصالح دولتنا» . فقيل له إن العامة تفسد بذلك، ويعظم شرها. فقال:«نحن ندعو الله أن يصلحهم (3)» .
ولما ولى الخلافة وصل صاحب الديوان (4) من واسط، وكان قد سار إليها في أيام الناصر لتحصيل الأموال، فلما وصل وصل معه ما يزيد على مائه الف
(1) في نسخة م «يعيده اليه ولا يراجع» وفى ابن الأثير، ج 12 ص 442 «يعيده اليه من غير إذن» .
(2)
في نسخة س «في ولاية الجسر» والصيغة المثبتة من م ومن ابن الأثير، نفس الجزء والصفحة؛ وولاية الحشرى وظيفة يتولى صاحبها النظر في شئون أموال الحشريين، وهم الذين يتوفون بلا وارث شرعى وكذلك أموال المتوفين الذين يتركون ورثة لا يستحقون كل الميراث، انظر ابن مماتى، قوانين الدواوين، ص 319؛ القلقشندى، صبح الأعشى، ج 3 ص 464؛ حسنين ربيع، النظم المالية في مصر زمن الأيوبيين، ص 47؛ انظر أيضا:
Hassanein Rabie، The financial system of Egypt، pp. 127 ff .
(3)
في نسخة م «في أن يصلحهم» والصيغة المثبتة من نسخة س ومن ابن الأثير، الكامل، ج 12 ص 443.
(4)
في نسخة م «المخزن» والصيغة المثبتة من س ومن ابن الأثير، نفس الجزء والصفحة.