الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى الحجاز. والسياقة الثانية هى السياقة التي وصلوا فيها إلى حمص، ولقيهم فيها السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاون (1) - أعز الله أنصاره - فقتل البعض، وسلم البعض. وتكون السياقة الثالثة بعد هذه، وفيها يكون - إن شاء الله تعالى - اصطلامهم وبوارهم بالكلية.
ذكر طاعة أهل أذربيجان للتتر
ولما جرى ما ذكرنا من هلاك جلال الدين وتفرق عساكره وما فعلوه بالبلاد الجزرية وغيرها، سقط في أيدى أهل أذربيجان وراسلوا التتر بالطاعة، وحملوا إلى التتر ما طلب منهم من الأموال والثياب. فأرسل إليهم أهل توريز المال الكثير والتحف، وطلبوا الأمان لأنفسهم وأموالهم وبلادهم، فأجابهم التتر بذلك. فحضر عند مقدم التتر قاضى توريز ورئيسها والأعيان منهم، وتخلف عنهم شمس الدين الطغرائى، وهو مقدم البلد وهو الذى يرجع الجميع إليه.
فلما حضروا عند مقدم التتر سألهم عن امتناع الطغرائى عن الحضور معهم، فقالوا:«إنه رجل منقطع ليس له بالملوك تعلق، ونحن الأصل» . وكان الأمر بخلاف ذلك، لكنهم قصدوا الدفع إذ علموا عدم إيثاره لذلك. ثم طلب أن يحضروا عنده صناع الثياب الخطائى وغيرها ليستعمل القان الذى هو ملكهم ما يحتاج إليه. ثم أمرهم أن يعملوا للقان خركاة (2) عظيمة، فعملوا له خركاة لم يعمل قبلها مثلها، غشاؤها من الأطلس الجيد والزركش، وبطنوا
(1) في الأصل قلاوز وهو تصحيف.
(2)
الخركاه نوع من الخيام، انظر ما سبق ابن واصل، ج 2 ص 45 حاشيه 2.
داخلها بالسمور والقندس فجاءت عليهم بجملة عظيمة (1)، وقرروا عليهم في كل سنة من المال والثياب شيئا كثيرا (2).
وفى هذه السنة ورد إلى والدى رحمه الله كتاب من الملك الناصر [167 ب] صلاح الدين داود بن الملك المعظم [صاحب الكرك (3)] يستدعيه، وذلك بعد قدومى من حلب، فسافرنا إلى خدمته في أواخر هذه السنة - أعنى سنة ثمان وعشرين وستمائة - ووصلنا إلى خدمته في أوائل سنة تسع وعشرين [وستمائة (4)]، فوجدنا منه إحسانا كثيرا، وتفضلا زائدا. وشاهدنا ملكا ذا فضل باهر، وعلم زاخر. وكان أول اجتماعنا بخدمته في الجوسق الذى في وادى الكرك، ووجدنا في خدمته القاضى جمال الدين عبد الحق المغربى قاضى البلقاء (5)، وهو رجل عالم زاهد (6). وكان الله تعالى قد أيده في علم الرمل لا يخطئ في استخراج الخبئ، وينص عليه باسمه وصفته [حتى كان يعتقد جماعة فيه إن ما يقوله إنما هو من جهة كشوف لصلاحه، وإنما كان يتستر بالرمل](7).
ومن أغرب ما شاهدت منه عيانا أنّا لما اجتمعنا في الجوسق المذكور [ليلة والقاضى عبد الحق حاضرا (8)]، [أراد السلطان الملك الناصر رحمه الله
(1) كذا في الأصل وفى ابن الأثير (الكامل، ج 12 ص 503)«كثيرة» .
(2)
نهاية الجزء الساقط من نسخة س، انظر ما سبق ص 325 حاشية 2.
(3)
ما بين الحاصرتين من نسخة س، انظر زامباور (معجم الأنساب، ج 1 ص 153).
(4)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(5)
البلقاء كانت كورة من أعمال دمشق بين الشام ووادى القرى قصبتها عمان، انظر ياقوت (معجم البلدان).
(6)
كذا في نسخة م وفى نسخة س «عالم عامل» .
(7)
ما بين الحاصرتين من نسخة م وورد بدلها في نسخة س «قال صاحب هذا التاريخ» .
(8)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
أن يطلع والدى على معرفة القاضى عبد الحق باستخراج الخبية. فسأل القاضى عبد الحق أن يكشف له عن خبية اتفق والدى والسلطان على إضمارها. فاتفقا على إضمار مسواك، ولم يطلع القاضى عبد الحق ولا أنا على ما أضمراه. وأمر السلطان بإحضار دقيق، فحضر. وقال للقاضى عبد الحق:«اظهر لنا ما أضمرناه» . فضرب بيده في الدقيق، واستخرج أشكال الرمل وقال:
«اضمر تما شيئا من نبات الأرض» ، ثم قال:«هو مستطيل» ، ثم قال:«هو مما يوضع في الفم» ، ثم قال:«هو مسواك» . فصرح باسمه بعد ذكر صفاته (1)].
ثم حكى السلطان عنه بحضوره أشياء غريبة استخرجها؛ من ذلك أنه قال:
«أضمرت في نفسى مرة عمى السلطان الملك الأشرف» . فقال: «أضمرت إنسانا» ، ثم قال:«أضمرت لحيانيا (2)» ، ثم قال:«أضمرت رجلا جليلا» ، ثم قال:«هو ملك» ، [ثم قال:«هو من أهلك (3)]» ، ثم قال:«في أصله (4) من يعبد الصليب» . قال:
[الملك الناصر داود (5)]«فلم أنكر في قوله إلا هذا، وقلت هذا باطل ليس من جنسنا من يعبد الصليب» . قال: فلما اجتمعت بعمى الملك الأشرف ذكرت له ذلك فقال: «صدق، أمى أرمنية، وهى ممن يعبد الصليب» .
ثم صعدنا إلى الكرك، فأقمنا به نتفيأ ظلاله ويجدينا بشره وما له.
(1) ما بين الحاصرتين من نسخة م وورد مختصرا في نسخة س.
(2)
الصيغة المثبتة من نسخة م وفى نسخة س «ثم قال هو لحيانى» .
(3)
ما بين الحاصرتين من نسخة س وساقط من نسخة م.
(4)
في نسخة س «في جنسه» والصيغة المثبتة من نسخة م.
(5)
ما بين الحاصرتين للتوضيح.