الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدين وخوفوه منه وقالوا له: «إن لم نتفق نحن وأنت، وإلا أخذك ثم أخذنا» ؛ فعاجلهم جلال الدين قبل اتفاقهم.
ذكر استيلاء جلال الدين خوارزم شاه
على بلاد أذربيجان
(1)
[117 ب] كان إيغان طايسى خال غياث الدين بن خوارزم شاه، الذى تقدم ذكره وذكر الحرب بينه وبين غياث الدين (2)، قد جمع بعد ذلك عسكرا مبلغه خمسة آلاف فارس، ونهب كثيرا من بلاد أذربيجان، ثم سار إلى البحر من بلاد أران فشتى هنالك (3) لقلة البرد في تلك البلاد. ولما ملك السلطان [جلال الدين (4)] دقوقا، وقتل أهلها، كما قدمنا ذكره (5)، سار في عساكره متوجها إلى بلاد أذربيجان فقصد مراغة وهى من أحسن البلاد بها، فنازلها وملكها وأقام بها وشرع في عمارة البلد واستحسنه. ثم وصل إليه الخبر بأن إيغان طايسى قد جمع عسكرا وسار إلى همذان ليملكها ويستولى على عراق العجم.
وكان سبب قصد إيغان طايسى هذه الناحية أن الخليفة الناصر لدين الله كتب إليه يطمعه فيها، وأقطعه إياها وغيرها، فسار إلى تلك الناحية ليستولى عليها. ولما بلغ ذلك السلطان جلال الدين سار إليه جريدة، فوصل إليه ليلا. وكان إيغان طايسى إذا نزل جمع (6) حول عسكره جميع ما غنمه من أذربيجان
(1) ورد خبر ذكر ملك السلطان جلال الدين أذربيجان مختصرا في النسوى، سيرة السلطان جلال الدين، ص 194 - 196.
(2)
انظر ما سبق ص 132 - 133.
(3)
في نسخة م «هناك» والصيغة المثبتة من نسخة س ومن ابن الأثير، ج 12، ص 432.
(4)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(5)
انظر ما سبق ص 145.
(6)
كذا في نسختى المخطوطة، وفى ابن الأثير (نفس المرجع والجزء، ص 432)«جعل» .
وأران من خيل وبغال وحمير وبقر وغنم، فلما وصل جلال الدين أحاط بالجميع. ولما أصبح إيغان طايسى ورأى العسكر والجتر (1) الذى يكون على رأس السلطان علم أنه جلال الدين، فسقط في يده لأنه كان يظن أنه [كان (2)] عند دقوقا بالعراق. فأرسل إيغان طايسى زوجته وهى أخت جلال الدين يطلب منه الأمان، فآمنه وأحضره عنده، وانضاف عسكره إلى عسكر جلال الدين، وبقى إيغان طايسى وحده، ثم أضاف إليه [جلال الدين (3)] عسكرا غير عسكره، وعاد إلى مراغة، وأعجبه المقام بها.
وكان مظفر الدين أزبك [بن البهلوان (4)] صاحب أذربيجان وأران قد سار من توريز - التي هى كرسى مملكة أذربيجان - إلى كنجة خوفا من جلال الدين، فأرسل جلال الدين إلى من بتوريز من وال وأمير ورئيس، يطلب منهم أن يتردد عسكره اليهم يمتارون منه فأجابوه إلى ذلك وأطاعوه. وتردد العسكر إليها وباعوا واشتروا الأقوات وغيرها، ومدوا أيديهم إلى أموال الناس؛ فكان أحدهم [118 ا] يأخذ الشيء قهرا ويعطى من الثمن ما يريد، فشكا بعض أهل توريز إلى جلال الدين ما يفعلون بالناس، فأرسل اليهم جلال الدين شحنة يكون عندهم، وأمره أن يقيم بتوريز، ويكف الجند عن أهلها، ومن تعدى على أحد منهم صلبه. وأقام الشحنة ومنع [الجند (5)] من التعدى على أحد
(1) الجتر عبارة عن مظلة أو قبة من حرير أصفر مزركش بالذهب على أعلاها طائر من فضة مطلية بالذهب. وعرف الجتر في مصر زمن الفاطميين واستخدم أيضا زمن الأيوبيين والمماليك حيث كان يحمل على رأس السلطان في العيدين انظر (القلقشندى، صبح، ج 4، ص 7 - 8).
(2)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(3)
اضيف ما بين الحاصرتين للتوضيح من ابن الأثير، ج 12، ص 432.
(4)
اضيف ما بين الحاصرتين من نسخة س ومن ابن الأثير، ج 12، ص 432 - 433.
(5)
اضيف ما بين الحاصرتين من نسخة س ومن ابن الأثير، ج 12، ص 432 - 433.
من الناس. وكانت زوجه مظفر الدين أزبك، وهى إبنة السلطان طغرل بن أرسلان بن طغرل بن محمد بن ملكشاه السلجوقى مقيمة بتوريز؛ [وهذه أبوها هو آخر السلاطين السلجوقية الذين ملكوا ببلاد العجم (1)]، وهى إبنة عم أزبك من جهة الأمومة لأن البهلوان محمد بن الدكز أبا مظفر الدين كان أخا أرسلان بن طغرل جدها لأمه، والدكز كان مملوك جد أبيها طغرل بن محمد بن ملكشاه [الأكبر](2) بن ألب أرسلان. وتغلب الدكز وأولاده على البلاد وحكموا على أرسلان وطغرل من بعده بحكم الأتابكية لهما. ثم قتل طغرل الأصغر وهو آخر الملوك السلجوقية ببلاد العجم، واستقل مظفر الدين أزبك بالملك، [ولم يبق من السلجوقية ملك إلا أولاد قلج أرسلان بن سليمان ابن قطلمش ملوك بلاد الروم الذين اسم الملك لهم باق بتلك البلاد إلى اليوم (3)].
[ولم يكن لمظفر الدين أزبك همة ولا قيام بمصالح الملك لإشتغاله بشربه ولهوه وملاذه، فأعرض بسبب ذلك عن إبنة السلطان طغرل وأقامت هى بمدينة توريز (4)].
ثم إن أهل توريز شكوا من الشحنة، [الذى (5) رتبه عند السلطان جلال الدين بن خوارزم شاه] وقالوا:«أنه يكلفنا أكثر من طاقتنا» . فأمر جلال الدين أن لا يعطى إلا ما يقيم به لا غير، ففعلوا ذلك. ثم سار جلال الدين إلى توريز وحصرها وقاتل أهلها قتالا شديدا، وزحف إليها فوصل العسكر إلى
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة س.
(2)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(3)
ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة س.
(4)
ورد ما بين الحاصرتين في نسخة س مع بعض التقديم والتأخير.
(5)
في نسخة م «التي» وهو خطأ واضح وما بين الحاصرتين ساقط من نسخة س وكذلك من ابن الأثير، الكامل، ج 12، ص 433.
السور فأذعن أهلها بالطاعة. وطلبوا من جلال الدين الأمان، وكانوا خائفين منه جدا؛ لأن جلال الدين كان يذمهم ويقول:«قتلوا أصحابنا المسلمين وأرسلوا رؤوسهم (1) إلى التتر الكفار» ، وقد ذكرنا ذلك في موضعه (2).
فلما طلبوا منه الأمان ذكر [لهم (3)] فعلهم بالخوارزمية أصحاب أبيه وقتلهم إياهم [118 ب]، فاعتذروا بأنهم لم يفعلوا شيئا من ذلك، وإنما فعله صاحبهم أزبك بن البهلون ولم يكن لهم قدرة على منعه من ذلك. فقبل عذرهم وآمنهم، فطلبوا منه أن يؤمن بنت السلطان طغرل زوجة أزبك، ولا يعارضها في الذى لها من بلاد أذربيجان وهى مدينة خوىّ (4) وغيرها من ملك ومال وغيره، فأجابهم إلى ذلك. وملك توريز في السابع عشر من هذه السنة، أعنى سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وسير زوجة أزبك إلى خوى، ومعها طائفة من العسكر، ودخل جلال الدين إلى توريز وأمر أن لا يحجب عنه أحد، وأحسن إلى الناس وبث فيهم العدل، ووعدهم الإحسان إليهم، وقال:«قد رأيتم ما فعلت بمراغة من الإحسان والعمارة بعد أن كانت خرابا، وسترون ما أصنع معكم من العدل فيكم، وعمارة بلدكم» . وحضر الجامع يوم الجمعة، فلما خطب الخطيب ودعا للخليفة الناصر لدين الله قام قائما ولم يزل كذلك حتى فرغ من الدعاء وجلس. ثم دخل [بعد الصلاة (5)] إلى جوسق كان قد
(1) في نسخة م «برؤسهم» والصيغة المثبتة من نسخة س ومن ابن الأثير، الكامل، ج 12، ص 433.
(2)
انظر ما سبق، ص 135.
(3)
اضيف ما بين الحاصرتين للتوضيح من ابن الأثير، نفس المرجع والجزء، ص 433 وفى نسخة س «ذكرهم فعلهم» .
(4)
خوى بلدة مشهورة من أعمال أذربيجان ينسب اليها الثياب الخوية، انظر (ياقوت، معجم البلدان).
(5)
اضيف ما بين الحاصرتين من نسخة س.
عمره أزبك وأنفق عليه مالا جليلا، وهو في غاية الحسن يشرف على البساتين، فلما طاف فيه وخرج منه قال:«هذا من مساكن الكسالى ولا يصلح لنا» .
ذكر إيقاع السلطان جلال الدين [بن علاء الدين (1)]
خوارزم شاه بالكرج
ولما ملك جلال الدين [توريز وأكثر بلاد أذربيجان (2)] واستفحل أمره وكثرت عساكره، أرسل إلى الكرج يؤذنهم بالحرب فأجابوه:«بأننا قصدنا التتر الذين فعلوا بأبيك علاء الدين خوارزم شاه الذى فعلوا، وبددوا عساكره وملكوا بلاده، وأفنوا أهلها قتلا وأسرا (3)، ثم هرب منهم إلى جزيرة في البحر فمات فيها كمدا، وكان أعظم منك ملكا (4)، وأبعد صيتا، وأكثر عسكرا، وأقوى نفسا، ولم ينال بحربهم، وكان قصاراهم (5) أن سالمونا» .
وشرعت الكرج في جمع العساكر فجمعوا ما يزيد عل ستين (6) ألفا فسار إليهم جلال الدين [وقد أغاظه كلامهم (7)]، ونازل مدينة دوين وهى من بلادهم، وكانت قبل ذلك للمسلمين [فأخذها بالأمان (8)] ثم سار منها إليهم، وضرب معهم مصافا، واقتتلوا قتالا كثيرا، فانهزمت الكرج أقبح هزيمة، فأمر
(1) ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(2)
في الأصل «بلاد أذربيجان» والصيغة المثبتة من س.
(3)
في نسخة س «قتلا ونهبا وسبيا» .
(4)
كذا في نسخة س وفى الأصل «ملكا منك» .
(5)
في نسخة م «قصارانا» والصيغة المثبتة من نسخة س ومن ابن الأثير، الكامل، ج 12، ص 435.
(6)
كذا في نسختى المخطوطة، وفى ابن الأثير، نفس المرجع والصفحة «سبعين» .
(7)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(8)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
جلال الدين أن يقتلوا بكل طريق، ولا يبقى على أحد منهم. وبلغت عدة القتلى منهم عشرين ألفا وقيل أكثر من ذلك [119 ا]، وأسر كثير من أعيانهم، ومضى إيوانى مقدم الكرج منهزما، ولم يكن ملكهم بالحقيقة، وإنما كان الملك يومئذ في امرأة وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم:«لن (1) يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة» .
ولما انهزم إيوانى أدركه الطلب فصعد إلى قلعة لهم على طريقه فاحتمى بها، فرتب جلال الدين عليها من يحصرها ويمنعه من النزول منها، ثم فرق عساكره في بلاد الكرج ينهبون ويقتلون ويسبون ويخربون (2) البلاد. فلولا ما عرض ما سنذكره (3) الآن لملك جلال الدين بلاد الكرج، واستأصل أهلها قتلا وسبيا.
ولما فرغ جلال الدين من هزيمة الكرج ودخل بلادهم بث العساكر فيها وأمرهم بالمقام بها مع أخيه غياث الدين بن خوارزم شاه - وكان قد انضم إليه كما ذكرنا وصار من أتباعه - وكان قد بلغ جلال الدين قبل هزيمة الكرج من جهة وزيره شرف الملك، وكان قد تركه بتوريز لحفظ البلد والنظر في مصالح الرعية، أنه اتفق شمس الدين الطغرائى (4) مقدم أهل توريز مع الرئيس بها (5) وسائر المقدمين بالبلد، [وتحالفوا (6)] وتعاقدوا على العصيان على جلال
(1) في نسخة م «لا» والصيغة المثبته من س وابن الأثير (ج 12 ص 436).
(2)
في نسخة م «يحرقون» والصيغة المثبتة من س وابن الأثير، ج 12 ص 436.
(3)
في نسخة م «مما سنذكره» والصيغة المثبتة من س.
(4)
في نسخة م «شمس الطغرائى» والصيغة المثبتة من س وابن الأثير، الكامل، ج 12 ص 436؛ عن شمس الدين الطغرائى انظر، النسوى، سيرة السلطان جلال الدين، ص 195 - 196، 201، 203، 208 - 209، 316، 359.
(5)
ذكر النسوى (سيرة السلطان جلال الدين، ص 200) أن اسم الرئيس هو نظام الدين وأنه كان أبن أخى الطغرائى.
(6)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
الدين، وإعادة البلد إلى مظفر الدين أزبك بن البهلوان، وقالوا:«[إن (1)] جلال الدين قد قصد بلاد الكرج فإذا عصينا عليه وأحضرنا أزبك إلينا ومن معه من العسكر، يضطر جلال الدين إلى العود إلينا، فإذا عاد تبعه الكرج فلا يقدر على المقام ببلاد أذربيجان، ويجتمع أزبك والكرج ويقصدونه فينحل نظام أمره، وتتم عليه الهزيمة» .
ولما بلغ ذلك جلال الدين كتمه إلى أن كسر الكرج، فلما كسرهم وفرغ من أمرهم أحضر أمراء عسكره وقال [لهم]:«(2) قد بلغنى كذا وكذا، فتقيمون أنتم بالبلاد على ما أنتم عليه من قتل من ظفرتم [به (3)] من الكرج وتخريب ما أمكنكم من بلادهم، فأنى خفت أن أعرفكم ذلك قبل هزيمة الكرج، لئلا يلحقكم وهن وخوف» . فأقاموا على حالهم وعاد جلال الدين إلى توريز، وقبض على الرئيس وغيره من المقدمين، وأمر أن يطاف بالرئيس البلد [وشمس الدين الطغرائى، ونادى على الرئيس (4)] كل من له عليه مظلمة يأخذها منه، وكان ظالما. ففرح أهل البلد بذلك ثم أمر بقتله (5). وأما الباقون فحبسوا.
[مدة ثم عفا عنهم (6)]. ولما فرغ من ذلك واستقام له أمر البلد أثبت عند الحاكم
(1) ما بين الحاصرتين من نسخة س ومن ابن الأثير، ج 12 ص 436.
(2)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(3)
ما بين الحاصرتين من نسخة س وكذلك ابن الأثير نفس المرجع والجزء ص 437.
(4)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(5)
في نسخة س «ثم أمر بقتله وقتل شمس الدين الطغرائى» ، وهذا غير صحيح لأن الطغرائى عاش حتى سنة 628 هـ - 1231 م انظر: النسوى (سيرة السلطان جلال الدين، ص 359)؛ ابن الأثير (الكامل، ج 12، ص 503 حوادث سنة 628 هـ).
(6)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.