الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملك الأشرف معتقل موصى عليه من جهة الملك المعظم، وأنه لا يطلقه حتى يأخذ منه جميع بلاده. ولم يكن الأمر على ما ظنوه وإنما كانت ملازمته له ليساعده على أغراضه. ثم استدعيا رسولى حلب، وحلفالهما، ورجعا إلى حلب.
وخرجت هذه السنة والملك الأشرف عند أخيه الملك المعظم بمنزلة الأسير، ثم انتقلا إلى البلاد الغورية (1) فشتيا بها، وهما في الظاهر على غاية التصافى والتواد. وهذا أيضا من محاسن هذا البيت [الأيوبى (2)]، ومما تميزوا به على من تقدمهم من الملوك؛ وهو أن يجتمع ملكان عظيمان كل منهما مالك إقليم عظيم، ويصير أحدهما في قبضة الآخر وليس معه جند ولا عسكر، ويكون بينهما في الباطن غاية التعادى والتنافس، ثم لا يعدو القاهر منهما على المقهور، بل يطلقه ليمضى إلى بلاده [بعد الأكرام الزائد وإظهار المودة والبر الذى ما فوقه مزيد (3)].
ذكر إستيلاء جلال الدين بن خوارزم شاه على تفليس
هذه تفليس مدينة عظيمة من أحسن البلاد وأحصنها وأمنعها، وكانت قبل الإسلام أعظم الثغور ضررا على مجاوريها من الفرس. فلما جاء الإسلام كانت في أول الإسلام من أعظم الثغور ضررا على المسلمين ونكاية، ثم ملكها المسلمون، فلم تزل في أيديهم إلى سنة خمس عشرة وخمس مائة، فملكها الكرج
(1) يقصد غور الأردن أي القرى والأماكن الواقعة بين بيت المقدس ودمشق، انظر ياقوت معجم البلدان.
(2)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(3)
ما بين الحاصرتين ساقط من س.
واستولوا عليها. وكان الملك (1) في ذلك الزمان السلطان محمود بن محمد بن [126 ب] ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقى، وكان من أعظم السلاطين السلجوقية شأنا، وأوسعهم مملكة، وأكثرهم عساكر. وكانت بيده مملكة بغداد والخليفة تحت حكمه والعراق كله، وبلاد الجبل المسماه عراق العجم، [و (2)] أصفهان، وهمذان، والرى وغيرها. وكانت له أيضا مملكة خوزستان وأذربيجان وأرّان (3) وأرمينية، وديار بكر [والجزيرة (4)] والموصل، والشام وغير ذلك، وعمه السلطان سنجر صاحب خراسان وغيرها. وبالجملة فمعظم (5) البلاد الإسلامية كانت بأيديهم، ومع ذلك فملكت الكرج تفليس ولم يقدر [السلطان محمود ابن ملكشاه (6)] على دفعهم عن تفليس، [وجمع العساكر سنة سبع عشرة وخمس مائة وسار إلى الكرج فلم يقدر على دفعهم عنها (7)].
ثم لما ملك بعد السلطان محمود أخوه السلطان مسعود - وهو الذى ذكرنا أنه كسر عسكر الخليفة المسترشد بالله وقبض عليه وعمل على قتله، ثم ملك بغداد وولى فيها الخليفة المقتقى لأمر (8) الله - لم يقدم على الكرج ولم يقدر على استنقاذ تفليس منهم. ثم لما زالت مملكة السلاطين السلجوقية ببلاد
(1) في نسخة س «السلطان» .
(2)
أضيفت الواو من ابن الأثير، الكامل، ج 12 ص 452 حوادث 623.
(3)
في نسخة س «والرى» والصيغة المثبتة من م ومن ابن الأثير، نفس المرجع والجزء والصفحة.
(4)
أضيف ما بين الحاصرتين من س ومن ابن الأثير، نفس المرجع والصفحة.
(5)
في نسخة م «معظم» والصيغة المثبتة من س.
(6)
أضيف ما بين الحاصرتين للتوضيح.
(7)
ما بين الحاصرتين ساقط من س.
(8)
انظر ما سبق ابن واصل، ج 1 ص 58 - 68.
العجم وملك الدكز - وهو أحد مماليكهم - عراق العجم وأذربيجان وأران، وأطاعه صاحب فارس وصاحب خوزستان، وشاهر من (1) صاحب خلاط، حشد للكرج (2) وجمع، وكان قصاراه أن يتخلص منهم (3). ثم ملك بعده ابنه البهلوان محمد، ثم ابن البهلوان مظفر الدين أزبك وكانت البلاد عامرة في يد أولئك كلهم.
ثم جاءت التتر - كما ذكرنا - وخربوا البلاد، وزادها الكرج خرابا وضعفا، فقدر الله سبحانه [وتعالى (4)] للسلطان جلال الدين بن خوارزم شاه - بعد أن هرب إلى الهند من التتر وكاد يتلاشى أمره - أن قدم من الهند وقوى وكسر الكرج الكسرة العظيمة التي ذكرناها (5)، واستنقذ منهم مدينة تفليس، فعظم هذا الفتح عند المسلمين جدا، وفرحوا به. وكان الكرج لما ملكوا تفليس أبقوا من فيها من المسلمين (6)، وأذنوا لهم في إقامة شعائر الإسلام، فكانت الجمع تقام فيها ويعلن بالآذان، ومع هذا فكان من فيها من المسلمين يتمنون أن يستنقذها الله تعالى من الكفار.
ولقد حكى لى ظهير الدين التفليسى رحمه الله وكان حضر فتح جلال الدين لها، قال: «كان [127 ا] الرجل من أهل تفليس يقول لأولاده،
(1) كذا في المتن، ومن الواضح أنه يقصد «شاه أرمن» وهو لقب حكام خلاط، انظر: زامباور: (معجم الأنساب، ج 2 ص 348).
(2)
في نسخة م «الكرج» والصيغة المثبتة من نسخة س.
(3)
في نسخة م «أن يخلص منهم» والصيغة المثبتة من ابن الأثير، الكامل، ج 12 ص 453. ووردت هذه الجملة في نسخة س كما يلى:«وكان قصده أن يخلص منهم تفليس فلم يقدر على ذلك» .
(4)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(5)
انظر ما سبق ص 143 وما بعدها.
(6)
في نسخة س «أبقوا فيها من المسلمين جماعة كبيرة» .
إذا فتح الله [تعالى (1)] تفليس على المسلمين [وأنا قدمت (2)] فقوموا عند قبرى، وقولوا إن الله تعالى قد فتح تفليس على المسلمين». فلما فتحها جلال الدين، كان أحدهم يمضى إلى قبر والده ويقول عند قبره ذلك.
ولنذكر صورة فتحه لها، وذلك أنه لما غزا جلال الدين الكرج وعاد عنهم جمعوا بعد ذلك وحشدوا وجمعوا خلقا [كثيرا (3)] من الأمم المجاورة لهم وهم اللان واللكز والقفجاق وغيرهم، واجتمعوا في أمم لا تحصى، فلقيهم السلطان جلال الدين وقد رتب لهم الكمناء (4) في عدة مواضع، والتقوا واقتتلوا قتالا شديدا، فولت الكرج لا يلوى أحد منهم على أحد، وأخذتهم سيوف المسلمين من كل جانب، فلم ينج منهم إلا الشاذ (5) اليسير، فأمر جلال الدين أن لا يبقوا على أحد منهم، فتبعوا المنهزمين يقتلونهم. وأشار على جلال الدين أصحابه بقصد مدينة تفليس فإنها كرسى مملكتهم، فقال:«لا حاجة أن نقتل رجالنا تحت الأسوار، وإنما إذا فنيت الكرج أخذنا بلادهم صفوا عفوا» . فلم يزل [جلال الدين (6)] يتبعهم ويستقضى في طلبهم، حتى كاد يأتى عليهم [أجمعين (7)].
(1) اضيف ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(2)
اضيف ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(3)
اضيف ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(4)
هذا اللفظ غير واضح في هامش ورقة 127 افى نسخة م ومذكور في نسخة س، وفى ابن الأثير (الكامل، ج 12 ص 450) ورد اللفظ «الكمين» .
(5)
كذا في نسخة م وفى ابن الأثير، نفس المرجع والجزء والصفحة، بينما ورد في نسخة س «الشارد» .
(6)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
(7)
ما بين الحاصرتين من نسخة س.
ثم قصد تفليس ونزل بالقرب منها، ثم سار في بعض الأيام بطائفة من العسكر لينظر إليها، ويبصر مواضع النزول عليها، وكيف يقاتلها (1). فلما قاربها كمن أكثر العسكر الذين معه في عدة مواضع، ثم تقدم إليها في نحو ثلاثة آلاف فارس، فلما رآه من بها من الكرج، طمعوا فيه لقلة من معه، ولم يعلموا أنه في ذلك الجمع، فخرجوا من المدينة إليه وقاتلوه، فتأخر عنهم فقوى طمعهم فيه وظنوه منهزما فتبعوه. فلما توسطوا الكمين (2) خرجوا (3) عليهم وبذلوا فيهم السيف، فقتل أكثرهم، وانهزم الباقون إلى المدينة فدخلوها، وتبعهم المسلمون. فلما وصلوا إليها نادى المسلمون من أهل البلد بشعار الإسلام وشعار جلال الدين، فأبقى الكرج بأيديهم واستسلموا.
ودخل المسلمون مدينة تفليس [قهراو (4)] عنوة في ثامن شهر ربيع الأول من هذه السنة - أعنى سنة ثلاث وعشرين وستمائة - بغير أمان. وقتل كل من فيها من الكرج، ولم يبق على كبير منهم ولا صغير، إلا من أذعن بالاسلام وأقر بكلمة الشهادة فإنه [127 ب] أبقى عليهم وأمر بهم فختنوا. ونهب المسلمون الأموال، وسبوا النساء والذرية (5)، ووصل إلى [بعض (6)] المسلمين من أهلها بعض الأذى من قتل ونهب وغيره.
(1) في نسخة س «وكيف يكون قتاله لها» والصيغة المثبتة من م وهى الواردة في ابن الأثير (ج 12 ص 451) الذى ينقل عنه ابن واصل.
(2)
في نسخة س «الكمناء» وكلاهما صحيح.
(3)
في نسخة م «خرج» والصيغة المثبتة من نسخة س ومن ابن الأثير، ج 12 ص 451.
(4)
ما بين الحاصرتين من نسخة س وفى ابن الأثير نفس المرجع والجزء والصفحة «عنوة وقهرا»
(5)
في نسخة م س «والأولاد» .
(6)
ما بين الحاصرتين من نسخة س وفى ابن الأثير، ج 12 ص 451 «ووصل إلى المسلمين الذين بها» .