الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر فكسر أنفه ورباعيته وشجه في وجه فأثقله، فتفرق عنه أصحابه، وجعل صلى الله عليه وسلم يدعوا الناس:(إليّ عباد الله إليَّ عباد الله) فاجتمع إليه ثلاثون رجلًا، فجعلوا يسيرون بين يديه، فلم يقف أحد إلا طلحة بن عبيد الله وسهل بن حنيف (1)(لعل هذا كان قبل أن يتكتل الأبطال الآخرون حول رسول الله).
بطولة نادرة
ومن الذين أبلوا بلاء حسنًا وأظهروا بطولة نادرة في الدفاع عن الذات النبوية الحبيبة ساعة المحنة، أبو دجانة الأنصاري (2) الذي أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم سيفه في بداية المعركة.
فقد كان أبو دجانة من الخلصاء الأبطال الذين ثبتوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ساعة الشدة، فقد أقام أبو دجانة هذا من نفسه سورًا ليقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع سهام العدو المنهالة عليه، فقد ترس بنفسه دونه معرضًا جسمه لسيل نبال العدو المنهمر من أقواس المشركين.
وقد ذكر المؤرخون أن نبال المشركين المصوبة نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت تقع في ظهر أبي دجانة البطل وهو مسور بنفسه على رسول الله، وكان لا يأبه لها مع أنها تغرز في ظهره بكثرة حتى أن بعض المؤرخين شبه ظهر أبي دجانة (لكثرة السهام المزروعة فيه ساعة وقوفه دون رسول الله) بظهر القنفذ.
(1) البداية والنهاية ج 4 ص 23.
(2)
تقدمت ترجمته في أول هذا الكتاب.
ومن الذين ثبتوا مع رسول الله ساعة الهزيمة حاطب بن أبي بلتعة (1) ، وهو من الأبطال المشهورين، فقد وقف حاطب هذا يجالد دون رسول الله بسيفه ساعة انهزام الناس، وهو الذي انتقم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل عتبة بن أبي وقاص الذي سبق له أن أدمى وجه النبي صلى الله عليه وسلم ساعة الهجوم عليه، وقد قتله حاطب في تلك الساعة التي أصاب الذات النبوية بالجراح.
فقد روى ابن كثير في تاريخه عن حاطب نفسه قوله .. لما رأيت ما فعل عتبة (بن أبي وقاص) برسول الله قلت له (أي النبي صلى الله عليه وسلم): أين توجه عتبة؟ فأشار إلى حيث توجه، قال حاطب: فمضيت حتى ظفرت به فضربته بالسيف فطرحت رأسه ثم نزلت فأخذت فرسه وسيفه، وجئت به إلى رسول الله، فقال لي: رضي الله عنك رضي الله عنك (مرتين)، وكان سعد بن أبي وقاص شديد الحرص على قتل أخيه عتبة هذا، إلا أنه لم يظفر به، فقد ذكر عن سعد رضي الله عنه قوله: ما حرصت على قتل أحد قط مثل حرصي على قتل عتبة بن أبي وقاص، وإن كان ما علمت لسييء الخلق مبغضًا في قومه.
(1) هو حاطب بن أبي بلتعة (بفتح الباء وسكون اللام وفتح التاء) بن عمرو اللخمي ثم القحطاني اليماني، حليف بني أسد بن عبد العزي، من السابقين في الإسلام ومن المهاجرين، كان من فرسان قريش المشهورين، شهد بدرًا مع رسول الله وأحدًا والخندق وكان صديقًا للزبير بن العوام (خاصة)، وهو الذي كتب لكفار مكة يخبرهم بعزم رسول الله على غزوهم، وقصته في التاريخ مشهورة، وقد اعتذر لرسول الله عما فعل فقبل منه، وشهد له بأنه لن يدخل النار، لأنه من أهل بدر وقد طلب ابن الخطاب من النبي صلى الله عليه وسلم السماح له بضرب عنق حاطب يوم ذاك فلم يسمح له وقال إنه شهد بدرًا، مات حاطب سنة 30 هـ.
وقاتل طلحة بن عبيد الله التيمي (1) يوم ذاك دون رسول الله قتال جيش كامل.
ولعل قتال طلحة (يوم انهزم الناس عن النبي) كان أروع وأصدق قتال، فقد روى البيهقي في الدلائل عن أبي الزبير عن جابر، قال: انهزم الناس عن رسول الله يوم أُحد، وبقي معه أحد عشر رجلًا من الأنصار، وطلحة بن عبيدہ الله، وهو يصعد في الجبل فقال النبي:
"ألا أحد لهؤلاء؟ " فقال طلحة: أنا يا رسول الله، فقال: كما كنت يا طلحة، فقال رجل من الأنصار: فأنا يا رسول الله فقاتل عنه وصعد رسول الله ومن بقي معه ثم قتل الأنصاري، فلحقوا رسول الله، فقال: ألا رجل لهولاء؟ فقال طلحة مثل قوله، فقال له رسول الله مثل قوله، فقال رجل من الأنصار فأنا يا رسول الله، فقاتل، وأصحابه يصعدون ثم قتل فلحقوا رسول الله فلم يزل يقول مثل قوله الأول، وطلحة يقول: أنا يا رسول الله، فيحبسه فيستأذنه رجل من الأنصار فيأذن له فيقاتل مثل من كان قبله حتى قتلوا جميعًا، ولم يبق مع الرسول إلا طلحة حتى غشيهم المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، من لهولاء؟ ؟ فقال طلحة أنا.
فقاتل قتال جميع من كان قبله.
وقد جرح طلحة البطل (وهو يذود المشركين عن رسول الله) أكثر من سبعين جرحًا.
(1) تقدمت ترجمته في كتابنا (غزوة بدر الكبرى).
فقد روى أبو داود الطيالسي عن أم المؤمنين عائشة، قالت
…
كان أبو بكر إذا ذكر يوم أُحد قال ذاك كلمة لطلحة ثم أنشأ يحدث .. قال:
كنت أول من فاء يوم أُحد فرأيت رجلًا يقاتل في سبيل الله، دون رسول الله، فقلت كن طلحة حيث فاتني ما فاتني، وكابيني وبين المشركين رجل إلا أعرفه وأنا أقرب إلى رسول الله منه وهو يخطف المشي خطفًا، لا أخطفه فإذا هو أبو عبيدة بن الجراح (1) فانتهينا إلى رسول الله وقد كسرت رباعيته وشج في وجهه ودخل في وجنته حلقتان من حلق المغفر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكما صاحبكما - يريد طلحة - وقد نزف (أي من كثرة الجراحة) فأتينا طلحة في بعض تلك الحفار، فإذا به بضع وسبعون بين طعنة وضربة ورمية، وإذا به قد قطعت أصبعه (2) فأصلحنا من شأنه:
كذلك من الذين قاتلوا (بضراوة) وجرحوا أثناء الدفاع عن رسول الله (ساعة المحنة) عبد الرحمن بن عوف، فقد ناضل عن رسول الله (ساعة الانتكاسة) حتى أصابه أكثر من عشرين جرحًا ، فقد جرح في
(1) هو القائد والفاتح الشهير واسمه عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال الفهري القرشي، أحد العشرة المبشرين بالجنة، من أعيان الصحابة، كان رضي الله عنه يلقب بأمين الأمة، ولد بمكة، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله، وكان من السابقين الأولين في الإسلام، ولما قدم وفد اليمن ليعلن إسلام أهل اليمن، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ابعث معنا رجلا يعلمنا السنة والإسلام، فأخذ بيدي أبي عبيدة هذا، فقال هذا أمين هذه الأمة، كان أبو عبيدة أحد الأمراء الأربعة الذين وجههم الخليفة أبو بكر لفتح الشام ثم ولاه عمر القيادة العامة لجيوش المسلمين في الشام بعد أن عزل عنها خالد بن الوليد، فتم على يده فتح الأقطار الشامية، ووصلت جيوش الإسلام الفاتحة (تحت قيادته) إلى الفرات شرقًا وآسيا الصغرى شمالا، شهد أبو عبيدة معركة بدر، وقد قام بقتل أبيه الذي كان مشركًا في تلك المعركة، ذكر ذلك ابن حجر في الإصابة، وكان أبو عبيدة مشهورًا بالدهاء والإناة والحكمة والتواضع، قال ابن عساكر، داهيتا قريش (اثنان) أبو بكر وأبو عبيدة، له في الصحيحين 14 حديثًا، توفي رضي الله عنه بمرض الطاعون في الشام سنة 18 هـ.
(2)
البداية والنهاية ج 4 ص 30.