الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فما انتهت إليه (إذن) معركة أحد لا يمكن (من الناحية العسكرية أو السياسية) اعتباره نصرًا مؤزرًا لجيش مكة أو هزيمة (بمعنى كلمة هزيمة) لجيش المدينة.
نعم كانت خسارة المسلمين في معركة أُحُد خسارة باهظة في الأرواح (بالنسبة لخسارة المشركين) حيث بلغ عدد قتلى المسلمين ضعفي عدد قتلى المشركين (تقريبًا).
نتائج المعارك لا تقاس بالخسائر
فالمسألة (إذن) ليست أكثر من أن خسارة المسلمين في الأرواح هي أكثر من خسارة المشركين فحسب، ولكن هذا (من الناحية العسكرية) لا يمكن لأي خبير عسكري أن يعتبره نصرًا للمشركين وهزيمة للمسلمين.
قال اللواء الركن محمود شيت خطاب في كتابه (الرسول القائد) ص 119، الطبعة الثانية:
أنا لا أتفق مع المؤرخين في اعتبار نتيجة غزوة أحد نصرًا للمشركين واندحارًا للمسلمين، لأن مناقشة المعركة عسكريًا تظهر انتصار المسلمين على الرغم من خسائرهم الفادحة في الأرواح في هذه المعركة. ثم يقول اللواء خطاب .. ونبدأ المناقشة من الوجهة العسكرية البحتة لإظهار نتائج غزوة أُحد.
لقد انتصر المسلمون في ابتداء المعركة حتى استطاعوا طرد المشركين من معسكرهم والإحاطة بنسائهم وأموالهم وتعفير لوائهم، ولكن التفاف خالد بن الوليد وراء المسلمين وقطع خط رجعتهم وهجوم المشركين من الإمام جعل قوات المشركين تطبق - من كافة الجوانب - على قوات المسلمين.
هذا الموقف في المعركة جعل خسائر المسلمين تتكاثر. ولكن بقى النصر بجانبهم إلى الآخر، لأن نتيجة كل معركة عسكرية لا تقاس بالخسائر في الأرواح فقط، بل تقاس بالحصول على هدف القتال الحيوي، وهو القضاء على العدو، ماديًا ومعنويًا.
فهل استطاع المشركون القضاء على المسلمين ماديًا ومعنويًا؟ يجيب اللواء خطاب على هذا التساؤل بقوله:
إنَّ حركة خالد كانت مباغتة للمسلمين بلا شك، وقيام المشركين بالهجوم المقابل وإطباقهم على قوات المسلمين من كافة الجوانب، وهم متفوقون بالعدد إلى خمسة أمثال المسلمين.
كل ذلك كان يجب أن تكون نتائجة القضاء الأكيد على كافة قوات المسلمين، ولا يمكن أن يعد التفاف قوة متفوقة تفوقًا ساحقًا على قوة صغيرة أخرى من جميع جوانبها، ثم نجاة تلك القوة الصغيرة بعد إعطاء خسائر عشرة بالمائة من موجودها إلا انتصارًا لتلك القوة الصغيرة.
ولا يمكن اعتبار فشل تلك القوة الكبيرة في القضاء على القوة الصغيرة (ماديًا ومعنويًا) في مثل هذا الموقف الحرج للغاية إلا فشلًا لها .. هذا من الناحية العسكرية.
أما من الناحية المعنوية فيقول اللواء الركن (خطاب): إن قريشًا لم تستطع أن تؤثر على معنويات المسلمين أيضًا، وإلا لما استطاعوا الخروج لمطاردتهم بعد يوم فقط من يوم أحد، دون أن تتجرأ قريش على لقائهم
بعيدًا عن المدينة، خاصة إن الرسول قد خرج للقاء قريش بقوته التي اشتركت (فعلًا) بمعركة أُحد، دون أن يستعين بغيرهم من الناس".
وقال مولانا محمد علي (1) في كتابه (حياة محمد ورسالته)(2) ص 153 الطبعة الأولى:
أنه لما ينم عن جهل بالوقائع التاريخية أن يستنتج المرء أن المسلمين هزموا في معركة أحد .. صحيح أن المسلمين منوا بخسائر باهظة، ، ولكن من الثابت - بالقدر نفسه - أن قريشًا أكرهت على العودة خائبة أيضًا، وهل نقع في صفحات التاريخ على حادثة انتصار واحدة أثبت فيها العدو المغلوب إقدامه في الميدان وانقلب الجيش المنتصر عائدًا إلى وطنه من غير أن يأسر أسيرًا واحدًا؟ ؟ ووجد فيها العدو المنهزم الجرأة على مطاردة المنتصرين في غد بعد بضع ساعات من المعركة ليس غير؟ .
على حين ولى المنتصرون الأدبار لدى سماعهم نبأ المطاردة؟ ؟ ثم يقول (مولانا محمد علي):
ليس من شك أن المسلمين اجتازوا هذه المعركة بمحن قاسية، لقد جرح الرسول نفسه جراحات بليغة، بل لقد سرت شائعة تقول إنه قتل، وبذلك خُيل إلى القوم أن أمر الإسلام قد انتهى قولًا واحدًا.
ثم يختتم مولانا محمد علي نقاشه هذا بقوله:
(1) لم أطلع له على ترجمته.
(2)
كتب المؤلف هذا الكتاب بالإنكليزية ونقله إلى العربية الأستاذ منير البعلبكي.