المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قبس من نور الرسول القائد - من معارك الإسلام الفاصلة = موسوعة الغزوات الكبرى - جـ ٢

[محمد بن أحمد باشميل]

فهرس الكتاب

- ‌ 2 -غَزْوَةُ أُحُد

- ‌المقدمة

- ‌قبس من نور الرسول القائد

- ‌كلمة المؤلف

- ‌أُحد

- ‌جبل عينين

- ‌الفْصَل الأوّل

- ‌مجمل الأحداث السياسية والعسكرية بين معركتي بدر وأحد

- ‌المعاهدة بين الرسول واليهود

- ‌ومن أهم بنود هذه المعاهدة:

- ‌سلسلة المتاعب الداخلية

- ‌اليهود ينقضون المعاهدة

- ‌فتنة يهود بني قينقاع

- ‌يتحدون النبي

- ‌الشرارة الأولى

- ‌الحصار ثم التسليم

- ‌رأس النفاق يتوسط

- ‌الجلاء عن المدينة

- ‌طاغية اليهود يتمرد

- ‌مصرع الطاغية

- ‌استكانة اليهود

- ‌النشاط العسكري قبل موقعة أحد

- ‌دوريات المسلمين

- ‌4 - غزوة السويق

- ‌5 - غزوة ذي أمر

- ‌محاولة اغتيال النبي

- ‌6 - غزوة بحران

- ‌7 - سرية زيد بن حارثة

- ‌استخبارات الرسول تكشف القافلة

- ‌مصادرة العير

- ‌الفصل الثاني

- ‌أسباب المعركة

- ‌الاستعداد المعركة

- ‌ميزانية الحملة

- ‌المتطوعون في الغزو

- ‌مبلغ قوة قريش الغازية

- ‌توزيع القيادة

- ‌نساء القادة في الجيش

- ‌التحريض على اغتيال حمزة

- ‌جيش مكة يتحرك نحو المدينة

- ‌نشاط الاستخبارات النبوية

- ‌استعداد المدينة للمعركة

- ‌حالة الطواريء في المدينة

- ‌محاولة نبش قبر والدة الرسول

- ‌المجلس العسكري الأعلى

- ‌الاختلاف في الرأي

- ‌النبي يترك رأيه للأغلبية

- ‌النبي يرفض الرجوع إلى رأيه الأول

- ‌الجيش يتحرك من المدينة

- ‌مبلغ قوة جيش المدينة

- ‌لا ننتصر بأهل الكفر

- ‌استعراض الجيش

- ‌المبيت بين أحد والمدينة

- ‌التمرد في جيش المدينة

- ‌هدف المنافقين من التمرد

- ‌محاولة نصح المتمردين

- ‌فشل مؤامرة التمرد

- ‌اختلاف جديد داخل الجيش

- ‌خلاصة الجيش بعد التمرد

- ‌إلى أحد

- ‌الدليل إلى أحد

- ‌أعمى القلب أعمى البصر

- ‌المعسكر النبوي في أحد

- ‌التعبئة للقتال

- ‌كتيبة الرماة في الجبل

- ‌أنضح الخيل عنا بالنبل

- ‌لا تبرحوا حتى أرسل إليكم

- ‌التهھيؤ للمعركة

- ‌من يأخذ هذا السيف بحقه

- ‌مشية يبغضها الله إلا في الحرب

- ‌العدو يتهيأ للقتال

- ‌القائد العام لجيش مكة

- ‌أبو سفيان يحرض حملة اللواء

- ‌المنازعات السياسية قبل المعركة

- ‌أبو عامر الراهب الخائن

- ‌مجهود نساء قريش في المعركة

- ‌ويهًا بني عبد الدار

- ‌الفصل الثالث

- ‌هجوم المشركين

- ‌أولى ثمرات الخطة الحكيمة

- ‌نقل المعركة حول لواء قريش

- ‌مصرع قائد حملة لواء مكة

- ‌حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌إبادة حملة المشركين

- ‌احتدام المعركة

- ‌الهزيمة تنزل بجيش مكة

- ‌انتصار المسلمين

- ‌مصرع الأسد

- ‌قاتل حمزة يروي القصة

- ‌رجل يعد بالآلاف

- ‌السيطرة على الموقف

- ‌الفارس ذو العصابة

- ‌كاد يقتل هند بنت عتبة

- ‌الفصل الرابع

- ‌الخوف من اقتحام الخيالة الجبل

- ‌قيام الرماة بواجبهم أول المعركة

- ‌غلطة الرماة الشنيعة

- ‌الرماة يتمردون على قائدهم

- ‌نزول الكارثة بالمسلمين

- ‌المسلمون بين نارين

- ‌المسلمون يقتلون بعضهم

- ‌كيف انقسم الجيش الإسلامي

- ‌إشاعة مقتل الرسول

- ‌تفكير بعض المسلمين بالاستسلام

- ‌إن رب محمد لم يقتل

- ‌الرسول ينقذ الموقف

- ‌تحسن الحالة بعد النكسة

- ‌الهجوم على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المعركة تحتدم حول الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌النبي الجريح

- ‌ليس لك من الأمر شيء

- ‌المشركون يديمون زخم الهجوم على النبي

- ‌الفصل الخامس

- ‌بطولة الأنصار

- ‌دور الرماة في الدفاع عن النبي

- ‌يرمي المشركين بألف سهم

- ‌بطولة نادرة

- ‌يستشهد يوم زفافه

- ‌يستأذن النبي في قتل أبيه

- ‌كاد يقتل القائد العام

- ‌غسيل الملائكة

- ‌هيه أيها الشباب المسلم

- ‌الإجازة الأبدية

- ‌الأب يركل جثة ابنه

- ‌منقذ أبي سفيان

- ‌دور المرأة في المعركة

- ‌المرأة التي قاتلت يوم أحد

- ‌متى يجب القتال على المرأة

- ‌ثناء الرسول على أم عمارة

- ‌لم تشترك امرأة غير نسيبة في القتال

- ‌نساء المدينة يقمن بالإسعاف

- ‌يفقد عينه في المعركة

- ‌الانسحاب المنظم

- ‌الرسول يشرع في الانسحاب نحو الجبل

- ‌نجاح الانسحاب وإشاعة مقتل النبي

- ‌انسحاب المسلمين ليس انسحاب المنهزم

- ‌ضراوة القتال أثناء الانسحاب

- ‌الشقي الذي قتله الرسول بيده

- ‌اعتصام المسلمين بالجبل

- ‌كاد المسلمون يقتلون النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تأثير الجراح على قوة الرسول

- ‌تجمع المسلمين في الجبل

- ‌طلب الرسول للماء

- ‌آخر هجوم يقوم به المشركون

- ‌خسارة قريش في هجومها الفاشل الأخير

- ‌النبي يصلي قاعدًا من تأثير الجراح

- ‌إنهاء القتال

- ‌تشويه جثة سيد الشهداء

- ‌هند تفتخر شعرًا

- ‌ويحك اكتمها عني

- ‌الفصل السادس

- ‌أبو سفيان لا يعلم حقيقة مصير الرسول

- ‌أبو سفيان يقابل ابن الخطاب

- ‌أبو سفيان يعتذر للمسلمين عن المثلة

- ‌الجيش المكي ينسحب

- ‌مراقبة تحركات العدو

- ‌لماذا لم يهاجم أبو سفيان المدينة

- ‌السبب الحقيقي

- ‌النبي يتفقد القتلى والجرحى

- ‌سعد بن الربيع

- ‌هكذا تصنع العقائد الأبطال

- ‌أغيظ موقف يقفه الرسول في حياته

- ‌إني أخاف على عقلها

- ‌دفن الشهداء دونما غسل أو صلاة

- ‌دفن أكثر من شهيد في قبر واحد

- ‌النبي يأمر بإعادة القتلى من المدينة

- ‌الأرض لا تأكل جسد الشهيد في الله

- ‌دعاء الرسول بعد المعركة

- ‌الرسول يتحدث عن مقام الشهداء

- ‌مصير قتلى الوطنية المجردة

- ‌يهودي في صفوف المسلمين

- ‌شجاعة قزمان المنافق

- ‌القومي غير الديني

- ‌أشهد أنك رسول الله

- ‌مخيريق خير يهود

- ‌المفارقات العجيبة

- ‌الفصل السابع

- ‌عودة الجيش الإسلامي إلى المدينة

- ‌إن زوج المرأة لبمكان

- ‌أم سعد بن معاذ

- ‌جيش النبي يدخل المدينة

- ‌غسل السيوف من الدم

- ‌كيف تلقت المدينة نبأ الكارثة

- ‌منع النياحة على القتلى

- ‌حالة الطواريء في المدينة

- ‌حملة حمراء الأسد

- ‌نصر مزيف

- ‌جيش المدينة يطارد جيش مكة

- ‌جابر بن عبد الله

- ‌الحملة تتحرك

- ‌كبت المنافقين واليهود

- ‌مؤتمر الروحاء

- ‌المفاجأة المذهلة

- ‌حليف مشرك يخلص للمسلمين

- ‌ويحك ما تقول

- ‌حراجة موقف جيش مكة

- ‌أبو سفيان ينحني للعاصفة

- ‌مناورة أبي سفيان لتغطية انسحابه

- ‌رسالة التهديد

- ‌عودة الجيش الإسلامي إلى المدينة

- ‌الفصل الثامن

- ‌قتلى الفريقين في المعركة

- ‌عدد شهداء المهاجرين وأسماؤهم

- ‌عدد شهداء الأنصار وأسماؤهم

- ‌نسبة الشهداء بين الأوس والخزرج

- ‌الجرحى المسلمين

- ‌خسائر المشركين في المعركة

- ‌تنفيذ حكم الإعداد في جاسوس

- ‌القرآن يتحدث عن المعركة

- ‌الفصل التاسع

- ‌مقارنة بين بدر وأحد

- ‌استمرار الخلافات داخل الجيش

- ‌ولكن هل انتصر المشركون حقًّا

- ‌المشركون لم ينتصروا حقًّا

- ‌أدلة الانتصار الحقيقي

- ‌انسحاب أشباه بالفرار

- ‌نتائج المعارك لا تقاس بالخسائر

- ‌الصفحات الثلاث

- ‌جيش بلا عقيدة

- ‌رأي آخر لضابط عسكري عراقي

- ‌أسباب التماسك بعد الهزيمة

- ‌تعليق اللواء الركن خطاب

- ‌معسكر أشبه بقلعة

- ‌فائدة بقاء الرسول في مقر الرئاسة

- ‌المشاكل بعد المعركة

- ‌فوران النفاق بالمدينة

- ‌إهانة رأس النفاق في المسجد

- ‌استعداد قريش لغزو المدينة من جديد

- ‌كيف جابه الرسول الموقف

- ‌ملحق…واستدراك

الفصل: ‌قبس من نور الرسول القائد

‌المقدمة

‌قبس من نور الرسول القائد

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} "القرآن الكريم"

بقلم اللواء الركن محمود شيت خطاب (*)

(*) الأخ اللواء الركن محمود شيت خطاب من كبار ضباط الجيش العراقي .. ولد في (الموصل) عام 1914 ودخل الكلية العسكرية عام 1927 واشترك بأربعة وعشرين دورة عسكرية، واجتاز دورة الأركان في العراق، ودورة الضباط الأقدمين (الضباط العظام) في انكلترا، وكان الأول على مائة ضابط من مختلف جيوش العالم. =

ص: 5

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}

- 1 -

الرسول القائد صلوات الله وتسليمه عليه أسوة حسنة للمسلمين، واقتفاءِ آثاره وهديه السبيل لإِنقاذهم من التخلف والضلال.

= كان ولا يزال ذا نزعة إسلامية قوية، وهو رجل صلب العود، يعتبر مثالا حيًّا للثبات على العقيدة، سجنه قاسم العراق عام 1959 عامًا واحدًا، نال من التعذيب والتنكيل من الشيوعيين (في عهد قاسم) ما لا يمكن البشر أن يتحمله، إلا من كان على مستوى متانة عقيدته وقوة إيمانه. . . وكان من نتائج شدة التعذيب الذي ناله على أيدي الشيوعيين، وجود (42) كسرًا في جسمه. . والسبب في تعذيبه أنه مسلم صريح يكفر بالشيوعية وكل مبدإ يخالف الإسلام. . ظل صامدًا في وجه الشيوعيين والديكتاتورية رافضًا التعاون مع قاسم العراق طيلة حكمه، حتى ثورة 14 رمضان 1982 هـ التي كان أحد العاملين فيها. . . ثم أسند إليه منصب وزير البلديات والشؤون القروية، كان أحد أعضاء اللجنة التي أسند إليها وضع دستور للعراق في العهد الحالي وهو عضو المجمع العلمي العراقي، ويحمل وسام الرافدين من الدرجة الأولى، وهو أعلى وسام في العراق. . له مؤلفات تاريخية وعسكرية مهنية مهمة، منها كتاب (الرسول القائد)، وكتاب (القضايا الإدارية في الميدان والتدريب الفردى ليلا) وله الآن تحت الطبع، كتاب (قادة الفتح الإسلامي) ويقع في سبعة أجزاء، صدر منه الآن الجزء الأول عن قادة فتح العراق والجزيرة. يعد كتابه (الرسول القائد) من أروع ما خطته الأقلام المسلمة. في تاريخ الرسول العسكري، حيث لم يسبقه أحد إلى الطريقة التي سلكها في وصف المعارك التي قادها الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث أثبت للقارى (بفلسفة عسكرية شيقة) أن محمدًا - بالإضافة إلى كونه نبيًّا مرسلًا - هو أعظم قائد عسكرى عرفته البشرية. أكثر الله من أمثال هذا الضابط المؤمن في رجالنا العسكريين.

ص: 6

وأعماله في السلم والحرب لا بد أن نتدارسها بإمعان ودقة ونتفهمها كما تفهمها أصحابه والسلف الصالح من بعدهم تجسيدًا حيًّا لتعاليم الإسلام: عقيدة وعملًا وتضحية وجهادًا.

نتدارس أعماله ونتفهمها بعقولنا وقلوبنا معًا: بعقولنا لنعرف الحقائق الناصعة التي حدثت (فعلًا) دون مبالغة واختلاق، وبقلوبنا لنلمس النور والهدى الذين يسّرا للمسلمين الأولين التقدم والنجاح.

إن الإِسلام في روحه عقيدة بناءة منشئة ترتكز على (المادة) كما ترتكز على (الروح)، فهو دولة ودين؛ سيف وكتاب، ثكنة ومسجد، جامعة وجامع، أرض وسماء، جسد وروح، توكل وعمل. . إيمان بالعمل المادي من أجل الدنيا، وإيمان بالعمل الروحي من أجل الآخرة. . وإيمان بالمنطق وإيمان بالغيب.

إن الإسلام كفاح لا يهدأُ، وجهاد لا ينقطع، واستشهاد في سبيل الحق والعدل والمساواة، فهو يبدأُ في ضمير (الفرد) وينتهي في محيط (الجماعة). . وهذا هو سر خلوده: مادة وروح، تسيطر عليه روح المسجد مكانًا للعبادة وثكنة للجهاد ومدرسة للعلم.

- 2 -

كان العرب قبل الإسلام ماهرين في حروب العصابات. ماهرين في استخدام السلاح والفروسية، لهم قابلية ممتازة على الحركة من

ص: 7

مكان إلى آخر بسهولة ويسر وسرعة وبأَقل تكاليف إدارية، ولكنهم كانوا متفرقين، بأْسهم بينهم شديد، لهذا كانت خبرتهم الحربية وشجاعتهم الفطرية تذهب عبثًا في الغارات والمناوشات المحلية بين القبائل المختلفة وحتى بين القبيلة الواحدة:

وأَحيانًا على بكر أَخينا

إذا ما لم نجد إلا أَخانا

فلما جاء الإِسلام وحد عقيدتهم ونظم صفوفهم وغرس فيهم روح الضبط والطاعة وطهّر نفوسهم ونقّى أَرواحهم وأَشاع فيهم انسجامًا فكريًا. فأَصبحت قوتهم المبعثرة وجهودهم المضاعة تعمل بنظام دقيق وضبط متين بقيادة واحدة لهدف واحد، وأَصبح المؤمنون في مشارق الأَرض ومغاربها إخوة يتحابون بنور الله ويهتدون بهديه وهم أُمة واحدة تحيتها السلام وغايتها السلام ودينها الإِسلام.

وكانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد بعثه حتى هجرته توحيدًا من أَجل الجهاد، وكانت حياته بالمدينة بعد هجرته إليها حتى التحاقه بالرفيق الأَعلى جهادًا من أجل التوحيد.

واستطاع الرسول القائد في حياته توحيد شبه الجزيرة العربية كلها تحت لواءِ الإِسلام واستطاع أصحابه من بعده بعد سنين قليلة نشر سلطانهم في المشرق والمغرب.

- 3 -

لقد انتصر العرب المسلمون على العرب في أَيام النبي صلى الله عليه وسلم، كما انتصر العرب المسلمون على الغساسنة والمناذرة من العرب وعلى الفرس والروم من بعده، ولم يكن انتصارهم لأَنهم عرب وكفى، بل لأَنهم

ص: 8

عرب مسلمون، فهو انتصار عقيدة لا مراء: عقيدة غرست في نفوسهم حب الضبط والنظام، وحبّبت إليهم الاستشهاد في سبيل الحق، وجعلتهم يرون هذا الاستشهاد نصرًا دونه كل ناصر، كما بعثت فيهم الاعتزاز بالنفس والشعور بأن عليهم (رسالة) واجبة الأداء للعالم.

هذه العقيدة التي ملأَت قلوبهم في مبدإ سيرهم ونهايته وصحبتهم من (بدر) في الحجاز إلى (بلاط الشهداء) في فرنسا، وخالفتهم مشرّقين ومغرّبين وهازمين ومهزومين، وجعلتهم يثقون بوعد الله لهم في فتح الأرض والسيطرة عليها بالحق والعدل.

لقد تقبل العرب الإسلام بما فيه من تكاليف البذل والجهاد والتضحية والفداء، لذلك سادوا العالم ودوّخوا الدنيا، فلما أصبحوا يتقبلون الإسلام بدون تكاليفه خسروا كل شيء وأصبحوا أذلاء مستبعدين حتى في ديارهم، فما أحرانا أن نتفهم الإسلام ونتفهم حياة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم التي هي التطبيق العملي للإِسلام كما تفهَّم ذلك الصحابة والسلف الصالح لنستعيد مكانتنا التي كانت للصحابة والسلف الصالح من قبل؟ .

- 4 -

وما دمنا بصدد غزوة (أُحد) موضوع هذا الكتاب فما الذي نقتبسه من دروس وعبر. حكامًا ومحكومين. قادة وجنودًا، من جهاد النبي صلى الله عليه وسلم وجهوده وجهاد أصحابه وجهودهم رضوان الله عليهم في هذه الغزوة بالذات.

كان هدف المشركين في غزوة (أحد) هو أخذ ثاراتهم من المسلمين،

ص: 9

وكان هدف المسلمين هو الدفاع عن عقيدتهم حماية لحرية نشرها، لذلك كانت حرب المشركين حربًا عدوانية وكانت حرب المسلمين حربًا عادلة (1).

وكان المسلمون يؤمنون بعقيدة واحدة أشاعت فيهم الانسجام الفكري والعلمي، أما المشركون فلا عقيدة لم تشيع فيهم هذا الانسجام.

وكانت قيادة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه المعركة نموذجًا حيًّا للقيادة الواعية المثالية: حصل على المعلومات عن عدوه، وعقد المؤتمرات الحربية وأصدر قرارات سريعة جازمة وتمسك بها، ووضع خطة واضحة دقيقة وأصدر أوامر حاسمة صريحة، وسيطر على أعصابه في أحلك الظروف، وتثبہت بأسباب رفع المعنويات وأبدى شجاعة خارقة.

إن قيادة النبي الكريم في معركة (أُحد) تبهر أنفاس كل مفكر عسكري وقائد إعجابًا بها وتقديرًا لمزاياها

لقد اصْطَرعت عبقرية الرسول القائد وعبقرية خالد بن الوليد في (أُحد)، فكانت الغلبة لعبقرية قيادة النبي القائد على عبقرية الصحابي القائد (2).

فقد كان خالد قائد فرسان المشركين في (أُحد) وكان التفوق العددي إلى جانب المشركين، ومع ذلك استطاع المسلمون بفضل

(1) الحرب العادلة: حرب توجه ضد شعب ارتكب ظلمًا نحو شعب آخر ولم يشأ أن يرفعه، ويشترط فيه أن تكون مطابقة للقواعد الإنسانية وتكون لغرض تحقيق سلم دائم، ووجوب احترام حياة وأملاك الأبرياء وحسن معاملة الأسرى والرهائن، فهي إذًا حرب دفاعية، والحرب العدوانية بعكس ذلك، انظر قوانين الحرب والحياد.

(2)

كان خالد -بعد أن أسلم من أكابر الصحابة الفاتحين، وستأتي ترجمته إن شاء الله.

ص: 10

قيادة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدحروا المشركين في الصفحة الأُولى من المعركة حتى أخذ المسلمون ينتهبون معسكر المشركين، مما جعل بعض رماة المسلمين يتركون مواضعهم ظنًّا منهم أن المعركة قد انتهت لصالح المسلمين، فانتهز خالد فرصة انسحاب مؤلاء الرماة لضرب المسلمين من الخلف، فأصبح المسلمون مطوقين من كل جانب بقوات المشركين المتفوقة عليهم تفوقًا ساحقًا، في هذا الموقف الرهيب العصيب بالنسبة للمسلمين. يبرز اصطراع عبقريتى القائدين العظيمين، فينجح الرسول القائد في إنقاذ أصحابه من هلاك أكيد، ويفشل خالد في القضاء على المسلمين، ولولا مخالفة الرماة لأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم الصريحة الجازمة في الثبات حتى النهاية في مواضعهم، لاستحال على خالد أن يوفق في ضرب المسلمين من الخلف ولما كان له في هذه المعركة من أثر ملموس.

واصطرعت عبقريتا القائدين العظيمين في (الخندق) وفي (الحديبية) أيضًا، فانتصرت عبقرية الرسول القائد على عبقرية خالد، إذ لم يظهر لخالد فيهما أثر حاسم في الوقت الذي ظهر للرسول صلى الله عليه وسلم فيهما أثران حاسمان، في كل معركة أثر حاسم.

ولست أعرف قائدًا في تاريخ العرب والمسلمين غير الرسول القائد صلى الله عليه وسلم يمكن أن يفضل على القائد العبقرى خالد بن الوليد.

تلك هي عوامل انتصار المسلمين تحت قيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حرب عادلة دفاعًا عن حرية نشر الإسلام وتوطيدًا لأركان السلام، تقابلها من جانب المشركين، حرب عدوانية انتهاكًا للمحرمات وطلبًا

ص: 11

للثارات والمغانم، والنصر دائمًا للحرب العادلة على الحرب العدوانية في المدى القريب أو البعيد.

وعقيدة منشئة بناءة تدعو السلام وتأمر بالعروف وتنهى عن المنكر وتساوي بين الناس، تقابلها من جانب المشركين عقيدة فاسدة تدعو للعصبية وتبشر بالتفرقة العنصرية وتحث على الظلم والعدوان، والنصر دائمًا للحق على الباطل، وللنور على الظلام، وللخير على الشر، وللخلق الكريم على الخلق الذميم.

وقيادة رشيدة فذة لا ينافسها في كفاءتها منافس، تقابلها قيادات ضعيفة منحرفة يتنافس أصحابها على حب الظهور والسيطرة والسلطة والسلطان.

- 5 -

بقى علينا أن نتعلم عبرة (أُحد) في مخالفة الأوامر والتعلق بمتاع الحياة.

فقد كان السببان المباشران لانتكاسة المسلمين في (أُحد) هما:

مخالفة الأوامر أولًا وعدم مطاردة المشركين بعد انتصارهم عليهم في الصفحة الأُولى من صفحات القتال يوم (أُحد).

لقد أخطأَ رماة المسلمين خطأ لا يغتفر في مخالفتهم لأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم الصريحة الجازمة وانسحابهم من مواضعهم الأصلية لجمع الغنائم، ولولا انسحابهم هذا لما استطاع خالد بن الوليد ضرب مؤخرة المسلمين، ولا استطاعت قريش تطويق المسلمين وتكبيدهم سبعين من الشهداء.

ص: 12

إن مخالفة الأوامر في (أُحد) درس لا يُنسى عن نتائج كل مخالفة عسكرية للأوامر في الحرب، وإن نتائجها المعروفة كافية لغرس هذا الدرس في النفوس.

كما أخطأَ المسلمين خطأ لا يغتفر أيضًا في مطاردة المشركين بعد فرارهم من موضعهم وابتعادهم عن معسكرهم لكي يجمعوا الغنائم والأسلاب.

ولو أن المسلمين طاردوا المشركين إلى مسافة مناسبة لقضى على أكثرهم قتلًا وأسرًا ولأصبحت مخلفات المشركين في متناول أيديهم بعد القضاء على قواتهم الضاربة (1).

ترى أنعتبر بهذين الدرسين المفيدين في هذه الأيام نغض عن المتاع المادي مؤثرين عليه ما عند الله، فما عند الناس لا يبقى وما عند الله خير وأبقى.

- 6 -

إن قصة حياة أبطال العرب والمسلمين وعلى رأسهم بطل الأبطال ورجل الرجال سيد القادات وقائد السادات محمد بن عبد الله صلوات الله وتسليمه عليه تبهر العقول والأبصار.

فهل ستصمت الأصوات المنكرة التي عملت جاهدة لتهدم تاريخنا وتراثنا لتستورد تاريخًا وتراثًا من وراء الحدود، أم على قلوب أقفالها؟

أما الذين هداهم الله، فسيقولون بفخر واعتزاز؛ :(أولئك آبائي فجئني بمثلهم).

(1) انظر تفاصيل غزوة أُحد في كتاب: الرسول القائد - لكاتب المقدمة.

ص: 13

وأما الذين في قلوبهم مرض، من الذين ارتفعت أصواتهم المنكرة المريبة يدعون إلى رجال غير رجالنا، وقادة غير قادتنا، وأفكار غير أفكارنا ومعتقدات غير معتقداتنا، فيجب أن تُخرس - بطولات وإيمان أجدادنا الغر الميامين - ألسنتهم وتُسكت أصواتهم إلى الأبد.

والحمد لله الذي يسّر للأخ الأستاذ محمد أحمد باشميل أن يكتب صفحات رائعة من حياة الرسول القائد صلى الله عليه وسلم بهذا الأسلوب الرائع وهذا الفهم السليم.

وهذا الكتاب الذي أقدمه اليوم أقوى ما أكون أملًا في أن يملأ فراغًا وأن يسد حاجة سيتلوه للمؤلف (بمشيئة الله) كتب عن المعارك الحاسمة التي شهدها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته والتي شهدها المسلمون من بعده فحملوا رايات الإسلام من الصين شرقًا إلى فرنسة غربًا إلى حدود سيبيريا شمالًا إلى المحيط الهندي جنوبًا.

وفق الله الأخ الجليل محمد أحمد باشميل وسدد خطاه وأعانه علي تحقيق أمانيه في خدمة العرب والمسلمين.

اللواء الركن محمود شيت خطاب (1)

عضو المجمع العلمي العراقي

(1) انظر مقدمة الجزء الأول من كتاب قادة الفتح الإسلامي عن قادة فتح العراق والجزيرة - لكاتب المقدمة - صدر عن دار القلم بالقاهرة.

ص: 14