الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعليق اللواء الركن خطاب
قال الضابط العراقي الكبير اللواء الركن محمود شيت خطاب في كتابه (الرسول القائد) عند تحليله العسكري لأسباب تماسك المسلمين بعد النكسة، قال (بعد أن علق على مهارة الرسول في اختيار الموقع المناسب لصف جنوده قبل المعركة).
إن كل ذلك على أهميته، لا يعتبر شيئًا بالنسبة لظهور عبقرية قيادته في أثناء القتال خلال الصفحة الثانية من معركة أُحد، حين طوَّق المشركون المتفوقون بالعدد (إلى خمسة أمثال المسلمين) قوة المسلمين القليلة، بعد أن انهارت معنويات الكثيرين منهم، لما تطاير خبر مقتل الرسول في المعركة، فلجأوا إلى الهضاب بعيدًا عن ساحة المعركة وبقى مع الرسول شرذمة قليلة من المسلمين، ثم قال اللواء خطاب:
لقد استطاع الرسول في هذا الموقف الحرج للغاية (بالنسبة للمسلمين) الموفق للغاية (بالنسبة للمشركين) أن يسيطر على أعصابه في معركة يائسة جدًّا، ويقود الباقين من المسلمين لشق طريقهم من بين القوات المتفوقة المحيطة بهم، ثم يحتل موضعًا مشرفًا ويقوم بإعادة تنظيم قواته الباقية ويعيد إليها معنوياتها ويصد بها هجمات مقابلة شديدة للمشركين، فيحيل الهزيمة الأكيدة الماحقة إلى نصر.
لأنه اضطر قريشًا إلى اليأس من القضاء على المسلمين، بعد أن كان فناء المسلمين أمرًا محتمًا، ثم اضطرهم إلى الانسحاب من المعركة بعد اليأس من إبادة المسلمين" اهـ.
2 -
مهارة الرسول في وضع الخطط
كذلك كان لمهارة الرسول صلى الله عليه وسلم وحنكته في وضع الخطط الدقيقة السليمة، واختيار الموقع لإدارة المعركة، أثر كبير في تخليص المسلمين من فناء كاد يحيق بهم.
فقد خرج الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة بجيشه لملاقاة جيش مكة، وقد يتبادر إلى الذهن أنه كان من الأفضل (من الناحية العسكرية) لو أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل المشركين وظهره إلى المدينة ليسهل عليه التراجع إليها والاعتصام بها إذا ما تعرض جيشه لهزيمة.
[صورة]
منظر الجبال الثلاثة التي تكتنف فم الشعب الذي اختاره الرسول معسكرًا لجيشه، وقد ظهر فم الشعيب الواقع بين الجبال على المرتفع - 1 - المشرف على وادي قناة - 2 - ونحو المكان المشار إليه بالسهم بين الجبال انسحب المسلمون واعتصموا (من الداخل بالجبل الذي على اليمين وهو الذي علاه أبو سفيان بعد الانتكاسة، كما هو مفصل في هذا الكتاب.
ولكن الواقع الذي أيدته الأحداث، هو أن المكان الذي عسكر فيه الرسول بجيشه، كان أصلح مكان لأن يلاقي فيه المسلمون أعداءهم.
فتخطى النبي المشركين بجيشه واختياره المرابطة به في فم الشعب من أُحد، وتفضيله مقاتلة العدو في تلك المنطقة البعيدة عن المدينة، على مقاتلته في السهول الواسعة التي تقع بالقرب من المدينة (والتي تقع بين المدينة وأحد) يرجع إلى أسباب وجيهة عدة .. أهمها:
[صورة]
المؤلف على قمة جبل أحد، وقد ظهر أمامه جانب من الشعب الذي ظهرت فيه بعض المساكن الصغيرة، وعن شمال المؤلف ظهر (على بعد) الوادي الذي دارت فيه المعركة.
أن قوة المسلمين كانت صغيرة (بالنسبة لقوات المشركين) التي تبلغ أَكثر من أَربعة أَضعافها، وهذا القوة الصغيرة لو عسكر بها النبي في تلك السهول الواسعة - حيث لا تلال ولا جبال - لسهل على قوات أبي سفيان الضخمة تطويقها من جميع الجهات، لا سيما أن جيش مكة (علاوة على تفوقه الساحق في العدد والعُددَ) يمتاز على جيش المدينة بقوة سلاح الفرسان الكبيرة المنظمة التي يقودها رجال من أمهر القادة وأعرفهم بأساليب الحرب، والتي من أهم أعمالها التطويق والمطاردة.
ونجاح القوات الكبيرة جدًّا في تطويق القوة الصغيرة جدًّا، وفي بلقع من الأرض - قبل المعركة أو بعدها - يكون (غالبًا) من أَهم أَسباب إبادة القوة المطوقة أو إجبارها على الاستسلام.
[صورة]
الممر الخطير الذي كلف الرسول صلى الله عليه وسلم الرماة بمهمة منع خيالة المشركين من اقتحامه لئلا يضربوا مؤخرة المسلمين، ويقع هذا الممر بين جبل الرماة (1) وجبل أحد (2) انظر خارطة المعركة.
وهذا والله أعلم، من أهم العوامل التي جعلت الرسول صلى الله عليه وسلم كقائد عسكري مسئول - يختار المرابطة بجيشه في ذلك المرتفع من شعب (1) أُحد .. الذي بالمرابطة فيه جنّب جيشه خطَر التطويق في أَول المعركة، وساهم في تيسير إنقاذه بعد أن وقع أكثره في دائرة التطويق بعد الانتكاسة.
لأن النبي - بالمرابطة في الشعب من أُحد - قد احتل مركزًا حصينًا حيث أصبح جيش المسلمين في مكان تكتنفه هضاب جبل أُحد ونتوءاته، ولم يبق مفتوحًا (أمام المشركين) إلا فم الشعب المواجه لهم، وجزء من مدخل هذا الشعب، يقع يمين معسكر المسلمين في الناحية
(1) الشعب (بكسر الشين) الطريق في الجبل.