الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا فقد كان اتخاذ الرسول القائد المحنك، الشعب من أُحُد معسكرًا لجيشه من العوامل المهمة في تخليص الجيش الإسلامي (ساعة الانتكاسة) من خطر الإبادة أو التشتيت، لأن ذلك مكنةً من الاعتصام بهضاب الجبل، الذي الاعتصام به أعطى المسلمين فرصة طيبة مكنتهم من جمع شتاتهم وإحباط كل محاولات القرشيين اليائسة للنيل منهم.
فائدة بقاء الرسول في مقر الرئاسة
كذلك كان لبقاء الرسول في مقر قيادة الجيش من أُحُد، وعدم اشتراكه في مطاردة المشركين في الصفحة الأُولى من المعركة واحتلاله مرتفعًا يشرف منه على مكان المعركة.
كل ذلك كان له أكبر الأثر في تخفيف وطأة الهزيمة على المسلمين وسرعة تجمعهم حول نبيهم وإعادة تنظيمهم من جديد.
ذلك أن اهتداء الجنود إلى مكان قائدهم الأعلى (إذا ما حاقت بهم كارثة) يكون له أكبر الأثر في تقوية معنويتهم وإشاعة روح الأمل في نفوسهم.
وهذا هو الذي حدث تمامًا عندما انهزم المسلمون بأحُد، فقد كان النصر حليف المسلمين في أول المعركة، ولكن المسلمين عندما ركبوا المشركين وأخذوا في مطاردتهم، ظل الرسول (مع بعض هيئة أركان حربه) مرابطًا حول مقر قيادته في الشعب، يرقب سير المعركة الظافرة.
وعندما حدثت النكسة واضطربت صفوف المسلمين (بعد تطويق الكثير منهم) صاح الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بأعلى صوته ليدل المضطربين على مكانه (هلموا إليّ أنا رسول الله).
فسارع إليه القريبون منه (كطلحة بن عبيد الله وأبي دجانة وأبي طلحة وسعد بن أبي وقاص وغيرهم) وكونوا جبهة دفاعية صارت فئة للمنهزمين والمطوقين الذين أخذوا (بعد أن عرفوا مكان قائدهم الأعلى في شق طريقهم في صبر وجَلَد واستماتة) عَبر صفوف المشركين، ناحية الرسول صلى الله عليه وسلم، مما مكنهم من إحباط كل المحاولات اليائسة التي قام بها فرسان المشركين وذو الشجاعة منهم للقضاء على شخص الرسول صلى الله عليه وسلم وتشتيت هذه القوة التي تجمعت حوله، ثم الانسحاب بانتظام نحو هضاب الجبل.
فلو أن الرسول اشترك في مطاردة المشركين (ضمن سواد الجيش الإسلامي) وحدثت الانتكاسة وهو أسفل من الشعب بعيدًا عن مقر قيادته في المؤخرة في المرتفع من الشعب، لكان من جملة المسلمين الذين نجح الجيش المكي في تطويقهم، ولما عرف المسلمون مكانه حيًّا بالسرعة التي عرفوه بها يوم أن وقف على المرتفع وناداهم بأعلى صوته وهو مرابط في أُخراهم بالقرب من سفح الجبل.
3 -
عدم كفاءة القيادة في جيش مكة
كذلك مما ساهم في تيسير الخلاص لجمهرة الجيش الإسلامي من الورطة القاتلة التي وقع بها حادثة التمرد في فصيلة الرماة، (وإعطاء الفرصة له من جديد ليجمع شتاته)، فُقْدَان الكفاءة العسكرية في قيادة الجيش المكي وضعف شخصية القائد العام أبي سفيان الذي اتضح فيما بعد أنه لم يكن مسيطرًا سيطرة تامة على كافة قطاعات الجيش.
أما عدم كفاءة قادة الجيش المكي وعدم خبرتهم العسكرية فقد تجلت بوضوح عندما فشلت وحدات هذا الجيش الضخم (الذي قام بتطويق جمهرة الجيش الإسلامي) في إحكام طوق الحصار وفرضه على قوات المسلمين القليلة المطوّقة واستمراره حتى الإبادة أو التسليم أو حتى التشتيت على الأقل، والحيلولة بين هذا الجيش وبين الاتصال بقائده النبي من جديد.
فقد كانت حادثة التطويق المفاجئة فرصة ذهبية للجيش المكي لم يحسن قادته استغلالها (مع أن كل الظروف والإمكانيات المادية في جانبهم) فقد تمكن المسلمون المطوقون من كسر الطوق المضروب عليهم، والنجاة بأنفسهم من هلاك محقق مقابل عشرة في المائة من مجموعهم سقطوا قتلى ثمنًا لذلك الخلاص وإن العسكريين الخبيرين ليتساءلون (حتى هذه اللحظة) كيف تمكن خمسمائة مقاتل (سادهم الدهش والفوضى والارتباك) من الإفلات من قبضة جيش لا يقل عدده عن ألفين وسبعمائة مقاتل كان زمام الموقف في أيديهم؟ ؟ إن هذا الذي حدث، هو (دونما جدال) من الأدلة القاطعة على ضعف القيادة في الجيش المكي وجهلها وتفككها
…
فلو كانت هذه القيادة على مستوى الأَحداث العسكرية (خبرة ومهارة وحنكة) ما استطاع ذلك الجيش الإسلامي الصغير الإفلات من قبضة ذلك الجيش الضخم الذي أطبق عليه (بعد الانتكاسة) من جميع الجهات.
قال صاحب كتاب (الرسول القائد) حول هذا الموضوع:
"ولو كانت قيادة أبي سفيان على شيء من الكفاءة لاستطاع إبادة
المسلمين بعد تطويقهم التام" كما استدل اللواء الركن خطاب على ضعف شخصية القائد العام أبي سفيان بقوله:
"ولم تظهر شخصية هذا القائد في المعركة، كما كانت سيطرته ضعيفة (على ما يظهر) بدرجة أن نساء المشركين مثلن بشهداء المسلمين (دون رغبته) فلم يستطع أن يفعل شيئًا" اهـ.
4 -
عقدة الخوف عند جند مكة
كذلك كان للهزيمة السريعة المذهلة التي أنزلها الجيش الإسلامي بجيش مكة في الصفحة الأولى من المعركة أثر كبير في تخليص المسلمين من ورطة التطويق التي وقعوا فيها.
فقد لازم شبح هذه الهزيمة المخجلة جند أَبي سفيَّان حتى ساعة انتكاسة المسلمين مما أسهم في ترخية الطوق الذي وقع المسلمون داخله بعد الانتكاسة، مما يسر لهم الإفلات.
ذلك أن قوات المشركين قد لاقت الأهوال من جند الإسلام عندما أنزلوا بهم الهزيمة في أول المعركة، وشدو عليهم بقوة وعنف مما شحن نفوسهم فزعًا ورعبًا من المسلمين.
ولم ينقذهم من تدمير شامل وضياع أكيد إلا الغلطة الشنيعة التي ارتكبها رماة المسلمين بتركهم مواقعهم في الجبل قبل نهاية المعركة.
فبينما قلوب الآلاف المؤلفة من جند مكة تركض (فزعًا) بين جنوبهم، وهم ينهبون الأرض منهزمين، أمام بضع مئات من جند المدينة إذا بالمفاجأة المذهلة تسحب رؤوس المشركين من تحت مطارق الهزيمة التي كانت ستسحقهم لولا هذه المفاجأة.
فقد أنقذت حركة خالد المفاجئة المعروفة جند مكة المنهزم فعاد إلى ساحة القتال، ولكنه عاد وصور الأَهوال التي لاقاها من جند الإِسلام لا تزال ماثلة أمامه.
فكان الرعب والفزع من المسلمين (بالرغم من وقوعهم في مأزق التطويق) يشد جند مكة إلى الوراء مما جعل هؤلاء الجند لا يشدون في التعرض للمسلمين المطوقين خوفًا من ضراوتهم التي لمسوها فيهم عندما اصطدموا بهم في الصفحة الأولى من المعركة.
فكانت التجربة الشاقة التي مرّ بها جيش مكة في أول الملحمة مصدرًا لعقدة خوف وفزع من جند الإِسلام، ظلت هذه العقدة مسيطرة على نفوس جند مكة (حتى بعد الانتكاسة) مما جعل كثيرًا من جند الشرك يتحاشون الاصطدام (جديًا) بجند الإسلام المحصورين، مما يسر لهؤلاء المحصورين التخلص والإِفلات الذي لم يدفعوا ثمنًا له سوى عشرة في المائة من مجموعهم، وهو ثمن زهيد بالنسبة لما كان ينتظرهم من فناء أكيد لو لم يفلتوا.
لأن المتوقع (بداهة) أن تبيد هذه القوة الضخمة المحاصرة (التي لا يقل عددها عن ألفين وسبعمائة مقاتل) القوة المحصورة التي لا يزيد عددها عن خمسمائة مقاتل، أو تجبرها على الاستسلام.
ولكن شيئًا من هذا لم يحدث، والسبب في هذا (من ناحية جيش مكة) هو التراخي الذي مصدره عقدة الخوف من جند الإسلام، وإلا فبماذا يفسر العسكري المنصف إفلات هذه القوة الصغيرة من قبضة تلك القوة الضخمة الهائلة التي كانت (آن ذاك سيدة الموقف؟ ؟ ).
5 -
التأكد من سلامة الرسول
كذلك إذا كان نبأ إشاعة مقتل الرسول صلى الله عليه وسلم قد فت في عضد جند الإسلام وحطم معنوياتهم، فإن سماع الجند المطوقّ صوته، وهو يناديهم، ومعرفة مكانه، قد أعاد إِليهم روحهم المعنوية وشحن نفوسهم بالعزيمة والإقدام، مما جعلهم يضربون صفوف المشركين المحيطة بهم (بضراوة وعنف) ثم يهتكونها ويشقون طريقهم نحو نبيهم المحبوب، غير مبالين بالضحايا الذين سقطوا أثناء عملية التخلص هذه.
ولو لم يعرفوا مكان نبيهم القائد ويتأكدوا من سلامته لزاد ارتباكهم واشتد اضطرابهم ولساعد ذلك المشركين في التنكيل بالقوة المسلمة المحصورة، ولصعب على المسلمين أن يجمعوا شتاتهم ويعيدوا تنظيمهم بالطريقة السريعة المعروفة التي ساروا عليها في ذلك التجمع والتنظيم، لأن اختفاء القائد العام (في مثل تلك الظروف الحرجة للغاية) يكون له أسوأ الأثر في نفوس عامة الجيش الذين طالما كان اختفاء قائدهم العام سببًا في سحقهم والقضاء عليهم.
ولهذا تجلت عبقرية الرسول العسكرية وبراعته القيادية. يوم أن وقف في تلك اللحظات الحاسمة (مخاطرا بحياته) ونادى جمهرة جنده المحصور بأعلى صوته ليدلهم على مكانه "هلموا إليّ أنا رسول الله" فكان لسماع ذلك الصوت الحبيب أعظم الأثر في تخليص المسلمين المطوقين أنفسهم من قبضة العدو.
6 -
العقيدة
أما العقيدة، فلعله من تحصيل الحاصل (بالنسبة للمسلمين)