الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملحق
…
واستدراك
بعد أن أصدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب تلقيت خطابًا من الصديق الحميم المجاهد الدكتور محمد حميد الله أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة السربون بفرنسا، لفت نظري فيه إلى أنني أخطأت إذ رسمت خارطة المعركة على أساس أنها دارت شرقي جبل الرماة وأن جيش مكة قد عسكر هناك.
ولفت نظري إلى أن كل المصادر التاريخية تؤكد بوضوح أن جيش مكة قد سلك في زحفه وادي العقيق الواقع غرب المدينة، ثم عسكر في السبخة الواقعة بقرب جبل الرماة مما يلي الغرب، وأن المعركة لذلك لا بد أن تكون قد دارت غربي جبل الرماة لا شرقيه كما في الخريطة التي رسمتها في أول الكتاب.
وقد تفضل الأستاذ الكبير عبد القدوس الأنصاري كذلك ولفت النظر أيضًا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ترك جيش المشركين عن يساره إلى الغرب عندما خرج به نحو الشعب وذلك في مجلة المنهل الجزء الثاني في صفر 1984 هـ وهذا يعني أن الأستاذ الأنصاري يتفق مع الدكتور حميد الله في تعقيبه.
كما تفضل الأستاذ الكريم الشريف إبراهيم بن علي العياشي ونشر في مجلة المنهل المجلد 25 جمادى الأول 1384 هـ تعقيبًا تحت عنوان (نقد وتحليل) اتفق فيه مع الدكتور حميد الله والأنصاري بهذا الصدد
والحقيقة أني كنت أميل إلى هذا الرأي وقد رسمت خارطة المعركة (أول الأمر) على أساس أن معسكر قريش كان غربي جبل الرماة وأن المعركة قد دارت هناك وذلك على أساس القراءة المجردة لتفاصيل المعركة ومقدماتها في أمهات التاريخ.
ولكنني عندما ذهبت إلى المدينة (خصيصًا) لأتفقد مواقع المعركة وقمت بدراسة المنطقة فتسلقت جبل أُحد، وجلت في أنحاء الوادي، وتسلقت جبل الرماة، رجعت عن الرأي الأول، فبدلت خارطة المعركة ورسمتها على أساس أنها دارت شرقي جبل الرماة، وقد كنت (ساعة تفقد مواقع المعركة) أصحب أحد الإخوة الكرام من أهل المدينة ومن ذوي المعرفة بتاريخ تلك المنطقة، فأكد لي أن المعركة إنما دارت شرقي جبل الرماة وعضد رأيه بحجج اعتبرتها (يوم ذاك) من الناحية الاستراتيجية وجيهة فكان هذا أول تحول عن الرأي الأول.
ومما جعلني أرجح - من الناحية الاستراتيجية فحسب - أن المعركة دارت شرقي جبل الرماة:
1 -
أن المكان الواقع اليوم شرقي جبل الرماة أصلح للقتال (بالنسبة لجيش مكة الضخم) من المكان الوقع غربيه وذلك لسعة المكان الواقع شرقي الجبل وصلابة أرضه وعدم وجود أي عائق طبيعي ذي بال
…
ورخاوة المكان الواقع غربي الجبل وكثرة العوائق الطبيعية، مما يجعل قريشًا تفضل نقل معسكرها إلى ذلك المكان الواقع شرقي الجبل.
2 -
المسافة التي تقع بين جبل الرماة الذي تمركزت فيه الحامية الإسلامية من رماة النبل وبين سفوح جبل أُحد الشمالية الشرقية بعيدة
بحيث لا تستطيع نبال الحامية السيطرة عليها تمامًا مما يسهل الخيل المشركين التسرب بحرية إلى داخل الشعب لضرب مؤخرة المسلمين دون أن تنالهم نبال الحامية، فاضطرت القيادة الإسلامية إلى أن تحمى ظهرها من الناحية الشمالية الغربية بجبل أُحد وتجعل مضيق وادي قناة الواقع بين جبل أُحد وجبل الرماة تحت سيطرة الحامية المتركزة في جبل الرماة لصد أي هجوم يقوم به الخيالة (عندما يلتحم الفريقان) لضرب مؤخرة الجيش الإسلامي من ناحية الغرب عن طريق المضيق المشار إليه.
هذه هي الأسباب التي جعلتني أرجح أن تكون المعركة قد دارت (أول الأمر) شرقي جبل الرماة، وهي مجرد ترجيحات لا سند لها إلا النظرة العامة لمواقع المعركة .. أما مصادر التاريخ فلم يأت تحديد دقيق فيها بأن المعركة دارت شرقي جبل الرماة إلا أن المؤرخين مجمعون على أنها دارت حوالي جبل الرماة وبالقرب من جبل أُحد، ولا يستبعد أن يكون نطاق المعركة قد اتسع فشمل شرقي جبل الرماة.
وعلى العموم فإنني (كباحث يهمني أكثر من أي شيء نقل الحقائق التاريخية إلى القارئ كما هي) لما تلقيت خطاب الدكتور الفاضل محمد حميد الله واطلعت على ما عقب به الأستاذان الكريمان (الأنصاري والعياشي) أعدت النظر وراجعت موقع المعركة من جديد ودققت في المصادر التاريخية فاتضح لي صحة ما أشار إليه هؤلاء الإخوة الباحثون الأفاضل، لا سيما بعد أن رأيت في طبقات ابن سعد الكبرى ج 2 ص 39 أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل أُحدًا خلف ظهره واستقبل المدينة وجعل جبل الرماة (الجاثم في بطن وادي قناة) عن يساره، وهذا يعني
خريطة ميدان أُحُد
بالتأكيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صف جنوده في الطرف الغربي من الشعب جاعلًا ظهر جيشه إلى جبل أحُد وصدره في اتجاه معسكر مكة الواقع غربي جبل الرماة (كما هو موضح في الخريطة المرسومة في هذا الملحق (1) والتي تغاير الخريطة الأولى من بعض الوجوه). فصارت مؤخرة جيشه محمية بهضاب جبل أُحُد وميمنته بسفوحه، أما ميسرته فقد كانت محروسة بحامية جبل الرماة الذين بتمركزهم سيطروا على المضيق المهم الواقع بين جبل الرماة وجبل أُحد، هذا المضيق الذي صار (تمامًا) خلف ظهر الجيش الإسلامي عندما أنزل الهزيمة بجيش الشرك واندفع يتعقب فلوله، وانقض على المسلمين خالد بن الوليد بخيالته من الخلف عن طريقه بعد أن انسحب أكثر الرماة من الجبل وتركوا هذا المضيق المهم دونما حراسة.
وإني إذ أقرر هذه الحقيقة وأرجع إلى الرأي الصائب الذي أبداه الإخوة الباحثون الأفاضل (الدكتور حميد الله والأستاذان الأنصاري والعياشي) فإني أزجي لهؤلاء الإخوة الكرام خالص شكري وتقديري وأسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعًا لما فيه خير الإسلام والمسلمين وأن يهدينا جميعًا سواء السبيل.