المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القرآن يتحدث عن المعركة - من معارك الإسلام الفاصلة = موسوعة الغزوات الكبرى - جـ ٢

[محمد بن أحمد باشميل]

فهرس الكتاب

- ‌ 2 -غَزْوَةُ أُحُد

- ‌المقدمة

- ‌قبس من نور الرسول القائد

- ‌كلمة المؤلف

- ‌أُحد

- ‌جبل عينين

- ‌الفْصَل الأوّل

- ‌مجمل الأحداث السياسية والعسكرية بين معركتي بدر وأحد

- ‌المعاهدة بين الرسول واليهود

- ‌ومن أهم بنود هذه المعاهدة:

- ‌سلسلة المتاعب الداخلية

- ‌اليهود ينقضون المعاهدة

- ‌فتنة يهود بني قينقاع

- ‌يتحدون النبي

- ‌الشرارة الأولى

- ‌الحصار ثم التسليم

- ‌رأس النفاق يتوسط

- ‌الجلاء عن المدينة

- ‌طاغية اليهود يتمرد

- ‌مصرع الطاغية

- ‌استكانة اليهود

- ‌النشاط العسكري قبل موقعة أحد

- ‌دوريات المسلمين

- ‌4 - غزوة السويق

- ‌5 - غزوة ذي أمر

- ‌محاولة اغتيال النبي

- ‌6 - غزوة بحران

- ‌7 - سرية زيد بن حارثة

- ‌استخبارات الرسول تكشف القافلة

- ‌مصادرة العير

- ‌الفصل الثاني

- ‌أسباب المعركة

- ‌الاستعداد المعركة

- ‌ميزانية الحملة

- ‌المتطوعون في الغزو

- ‌مبلغ قوة قريش الغازية

- ‌توزيع القيادة

- ‌نساء القادة في الجيش

- ‌التحريض على اغتيال حمزة

- ‌جيش مكة يتحرك نحو المدينة

- ‌نشاط الاستخبارات النبوية

- ‌استعداد المدينة للمعركة

- ‌حالة الطواريء في المدينة

- ‌محاولة نبش قبر والدة الرسول

- ‌المجلس العسكري الأعلى

- ‌الاختلاف في الرأي

- ‌النبي يترك رأيه للأغلبية

- ‌النبي يرفض الرجوع إلى رأيه الأول

- ‌الجيش يتحرك من المدينة

- ‌مبلغ قوة جيش المدينة

- ‌لا ننتصر بأهل الكفر

- ‌استعراض الجيش

- ‌المبيت بين أحد والمدينة

- ‌التمرد في جيش المدينة

- ‌هدف المنافقين من التمرد

- ‌محاولة نصح المتمردين

- ‌فشل مؤامرة التمرد

- ‌اختلاف جديد داخل الجيش

- ‌خلاصة الجيش بعد التمرد

- ‌إلى أحد

- ‌الدليل إلى أحد

- ‌أعمى القلب أعمى البصر

- ‌المعسكر النبوي في أحد

- ‌التعبئة للقتال

- ‌كتيبة الرماة في الجبل

- ‌أنضح الخيل عنا بالنبل

- ‌لا تبرحوا حتى أرسل إليكم

- ‌التهھيؤ للمعركة

- ‌من يأخذ هذا السيف بحقه

- ‌مشية يبغضها الله إلا في الحرب

- ‌العدو يتهيأ للقتال

- ‌القائد العام لجيش مكة

- ‌أبو سفيان يحرض حملة اللواء

- ‌المنازعات السياسية قبل المعركة

- ‌أبو عامر الراهب الخائن

- ‌مجهود نساء قريش في المعركة

- ‌ويهًا بني عبد الدار

- ‌الفصل الثالث

- ‌هجوم المشركين

- ‌أولى ثمرات الخطة الحكيمة

- ‌نقل المعركة حول لواء قريش

- ‌مصرع قائد حملة لواء مكة

- ‌حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌إبادة حملة المشركين

- ‌احتدام المعركة

- ‌الهزيمة تنزل بجيش مكة

- ‌انتصار المسلمين

- ‌مصرع الأسد

- ‌قاتل حمزة يروي القصة

- ‌رجل يعد بالآلاف

- ‌السيطرة على الموقف

- ‌الفارس ذو العصابة

- ‌كاد يقتل هند بنت عتبة

- ‌الفصل الرابع

- ‌الخوف من اقتحام الخيالة الجبل

- ‌قيام الرماة بواجبهم أول المعركة

- ‌غلطة الرماة الشنيعة

- ‌الرماة يتمردون على قائدهم

- ‌نزول الكارثة بالمسلمين

- ‌المسلمون بين نارين

- ‌المسلمون يقتلون بعضهم

- ‌كيف انقسم الجيش الإسلامي

- ‌إشاعة مقتل الرسول

- ‌تفكير بعض المسلمين بالاستسلام

- ‌إن رب محمد لم يقتل

- ‌الرسول ينقذ الموقف

- ‌تحسن الحالة بعد النكسة

- ‌الهجوم على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المعركة تحتدم حول الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌النبي الجريح

- ‌ليس لك من الأمر شيء

- ‌المشركون يديمون زخم الهجوم على النبي

- ‌الفصل الخامس

- ‌بطولة الأنصار

- ‌دور الرماة في الدفاع عن النبي

- ‌يرمي المشركين بألف سهم

- ‌بطولة نادرة

- ‌يستشهد يوم زفافه

- ‌يستأذن النبي في قتل أبيه

- ‌كاد يقتل القائد العام

- ‌غسيل الملائكة

- ‌هيه أيها الشباب المسلم

- ‌الإجازة الأبدية

- ‌الأب يركل جثة ابنه

- ‌منقذ أبي سفيان

- ‌دور المرأة في المعركة

- ‌المرأة التي قاتلت يوم أحد

- ‌متى يجب القتال على المرأة

- ‌ثناء الرسول على أم عمارة

- ‌لم تشترك امرأة غير نسيبة في القتال

- ‌نساء المدينة يقمن بالإسعاف

- ‌يفقد عينه في المعركة

- ‌الانسحاب المنظم

- ‌الرسول يشرع في الانسحاب نحو الجبل

- ‌نجاح الانسحاب وإشاعة مقتل النبي

- ‌انسحاب المسلمين ليس انسحاب المنهزم

- ‌ضراوة القتال أثناء الانسحاب

- ‌الشقي الذي قتله الرسول بيده

- ‌اعتصام المسلمين بالجبل

- ‌كاد المسلمون يقتلون النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تأثير الجراح على قوة الرسول

- ‌تجمع المسلمين في الجبل

- ‌طلب الرسول للماء

- ‌آخر هجوم يقوم به المشركون

- ‌خسارة قريش في هجومها الفاشل الأخير

- ‌النبي يصلي قاعدًا من تأثير الجراح

- ‌إنهاء القتال

- ‌تشويه جثة سيد الشهداء

- ‌هند تفتخر شعرًا

- ‌ويحك اكتمها عني

- ‌الفصل السادس

- ‌أبو سفيان لا يعلم حقيقة مصير الرسول

- ‌أبو سفيان يقابل ابن الخطاب

- ‌أبو سفيان يعتذر للمسلمين عن المثلة

- ‌الجيش المكي ينسحب

- ‌مراقبة تحركات العدو

- ‌لماذا لم يهاجم أبو سفيان المدينة

- ‌السبب الحقيقي

- ‌النبي يتفقد القتلى والجرحى

- ‌سعد بن الربيع

- ‌هكذا تصنع العقائد الأبطال

- ‌أغيظ موقف يقفه الرسول في حياته

- ‌إني أخاف على عقلها

- ‌دفن الشهداء دونما غسل أو صلاة

- ‌دفن أكثر من شهيد في قبر واحد

- ‌النبي يأمر بإعادة القتلى من المدينة

- ‌الأرض لا تأكل جسد الشهيد في الله

- ‌دعاء الرسول بعد المعركة

- ‌الرسول يتحدث عن مقام الشهداء

- ‌مصير قتلى الوطنية المجردة

- ‌يهودي في صفوف المسلمين

- ‌شجاعة قزمان المنافق

- ‌القومي غير الديني

- ‌أشهد أنك رسول الله

- ‌مخيريق خير يهود

- ‌المفارقات العجيبة

- ‌الفصل السابع

- ‌عودة الجيش الإسلامي إلى المدينة

- ‌إن زوج المرأة لبمكان

- ‌أم سعد بن معاذ

- ‌جيش النبي يدخل المدينة

- ‌غسل السيوف من الدم

- ‌كيف تلقت المدينة نبأ الكارثة

- ‌منع النياحة على القتلى

- ‌حالة الطواريء في المدينة

- ‌حملة حمراء الأسد

- ‌نصر مزيف

- ‌جيش المدينة يطارد جيش مكة

- ‌جابر بن عبد الله

- ‌الحملة تتحرك

- ‌كبت المنافقين واليهود

- ‌مؤتمر الروحاء

- ‌المفاجأة المذهلة

- ‌حليف مشرك يخلص للمسلمين

- ‌ويحك ما تقول

- ‌حراجة موقف جيش مكة

- ‌أبو سفيان ينحني للعاصفة

- ‌مناورة أبي سفيان لتغطية انسحابه

- ‌رسالة التهديد

- ‌عودة الجيش الإسلامي إلى المدينة

- ‌الفصل الثامن

- ‌قتلى الفريقين في المعركة

- ‌عدد شهداء المهاجرين وأسماؤهم

- ‌عدد شهداء الأنصار وأسماؤهم

- ‌نسبة الشهداء بين الأوس والخزرج

- ‌الجرحى المسلمين

- ‌خسائر المشركين في المعركة

- ‌تنفيذ حكم الإعداد في جاسوس

- ‌القرآن يتحدث عن المعركة

- ‌الفصل التاسع

- ‌مقارنة بين بدر وأحد

- ‌استمرار الخلافات داخل الجيش

- ‌ولكن هل انتصر المشركون حقًّا

- ‌المشركون لم ينتصروا حقًّا

- ‌أدلة الانتصار الحقيقي

- ‌انسحاب أشباه بالفرار

- ‌نتائج المعارك لا تقاس بالخسائر

- ‌الصفحات الثلاث

- ‌جيش بلا عقيدة

- ‌رأي آخر لضابط عسكري عراقي

- ‌أسباب التماسك بعد الهزيمة

- ‌تعليق اللواء الركن خطاب

- ‌معسكر أشبه بقلعة

- ‌فائدة بقاء الرسول في مقر الرئاسة

- ‌المشاكل بعد المعركة

- ‌فوران النفاق بالمدينة

- ‌إهانة رأس النفاق في المسجد

- ‌استعداد قريش لغزو المدينة من جديد

- ‌كيف جابه الرسول الموقف

- ‌ملحق…واستدراك

الفصل: ‌القرآن يتحدث عن المعركة

يجيره، فتركهـ في بنيته، ثم ذهب الي الرسول وطلب له الأمان فوهبه له وأجله ثلاثًا، وأقسم إن وجده بعدها قتله.

فلما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه عثمان، اغتنم معاوية هذه الفرصة وصار يتجسس على المسلمين لحساب قريش، فلما عاد النبي صلى الله عليه وسلم من حملة حمراء الأسد (وذلك في اليوم الرابع من المهلة التي أُعطيت له) خرج معاوية هاربًا فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وعمار بن ياسر أن يتعقباه ويقتلاه فوجداه على بعد ثمانية أميال من المدينة فقتلاه (رميًا بالنبل)(1).

‌القرآن يتحدث عن المعركة

وقد تحدث القرآن الكريم عن معركة أُحد بإسهاب، فقد أنزل الله تعالى فيها ستين آية، تناولت مجمل الأحداث والتطورات والتحولات المفاجئة والانتكاسات التي أصابت المسلمين في هذه المعركة الرهيبة.

= 30 (كذلك عتبة بن أبي وقاص) أخو سعد بن أبي وقاص قتله حاطب بن أبي بلتعة عندما هاجم الرسول صلى الله عليه وسلم ساعة الانتكاسة وكسر رباعيته، كما ذكر ذلك في السيرة الحلبية ج 2 ص 27، كما أنه أيضًا جاء في السيرة الحلبية ج 2 ص 45 أن الحارث بن الصمة رأى سبعة من قتلى المشركين (أثناء الانسحاب إلى الجبل) بين يدي عبد الرحمن بن عوف فقال له (ظفرت يمينك) أكل هؤلاء قتلت؟ فقال ابن عوف، أما هذا وهذا فأنا قاتلتهما وأما هؤلاء فقتلهم من لم أره، ثم رجح ابن برهان الدين في السيرة الحلبية أن يكون الخمسة الآخرون قد قتلتهم الملائكة (دفاعًا عن عبد الرحمن بن عوف)، وقد فصلنا قصص مصارع هؤلاء القتلى في موضعها من كتابنا هذا فليرجع إليه فهولاء خمسة عشر قتيلا من المشركين لم يذكرهم بن إسحاق فيما رواه عنه ابن هشام في السيرة النبوية، فعلى هذا يكون عدد قتلى المشركين (في معركة أحد) سبعة وثلاثين لا اثنين وعشرين، والله أعلم.

(1)

تجيز قوانين الحرب والحياد - حتى في القرن العشرين - قتل الجاسوس في أيام الحرب لخطورة عمله على مصير المقاتلين.

ص: 246

وأول ما تحدث عنه القرآن، المرحلة الأولى من مراحل المعركة، وهي الاستعداد والتجهيز والتهيؤ للقتال فقال تعالى:

{وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1). ثم أشار القرآن الكريم إلى فئة المنافقين الذين تمردوا على النبي صلى الله عليه وسلم بقيادة رأس النفاق عبد الله بن أُبي الذي رجع بهم والمسلمون

لا يزالون في منتصف الطريق إلى أُحد فقال تعالى:

{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَو ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} (2)، {الَّذِينَ} (أي المنافقين){قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (3).

ثم يتحدث القرآن عن الانقسام الخطير الذي كاد يحدث (داخل الجيش الإسلامي قبل وصوله إلى أُحد)، بسبب تمرد المنافقين وانصراف زعيمهم بثلاثمائة منهم إلى المدينة بعد أن خرجوا مع الرسول لقتال المشركين فقال تعالى:

{إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (4).

(1) آل عمران 131.

(2)

آل عمران 167.

(3)

آل عمران 168.

(4)

آل عمران 122.

ص: 247

وقد ذكر المفسرون وأصحاب السير، أن الطائفتين اللتين تأثرتا بوسوسة المنافقين، فهمتا بالتمرد على النبي، فوقاهما الله شر هذا التمرد، هما قبيلة بني سلمة من الخزرج وقبيلة بني حارثة من الأوس، وكلهم من الأنصار، وقد تولى الله أمر هاتين القبيلتين فدفع عنهما وسوسة الشيطان، فاستمرتا في الزحف ضمن جيش نبيهما وقاتلتا بشجاعة وإيمان وثبات حتى انتهت المعركة.

وقد أشار القرآن الكريم إلى النصر السريع الحاسم الذي حصل عليه المسلمون في الصفحة الأولى من المعركة، ثم الفشل المريع الذي منوا به فحول نصرهم إلى اندحار، بسبب عصيان الرماة وتركهم مواقعهم في الجبل مخالفين بذلك الخطة التي رسمها الرسول القائد للمعركة. فقال تعالى {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ} (أي تستأصلونهم بسلاحكم){بِإِذْنِهِ} (1)(وهذا إشارة إلى الهزيمة التي أنزلها المسلمون بجيش مكة في أول المعركة).

ثم أشار القرآن إلى حادثة اختلاف الرماة وتجادلهم مع قائدهم حول ترك مواقعهم في الجبل بعد انتصار المسلمين في أول المعركة، وتسبب هؤلاء الرماة في الفشل العسكري الكبير الذي أصاب المسلمين بعد تركهم مواقعهم في الجبل فقال تعالى:

{حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا} (وهم الذين تركوا الجبل) {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ

(1) آل عمران 152.

ص: 248

الآخرة (وهم الذين ثبتوا في الجبل حتى أبادهم فرسان خالد) ثم صرفكم عنهم (إشارة إلى الانتكاسة التي أصابت المسلمين) لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (1).

وهذا يعني أن الله تعالى قد عفا عن الرماة الذين تمردوا على قائدهم وتركوا مواقعهم في الجبل فسببوا النكبة. وقد تحدث القرآن كذلك عن ثبات النبي صلى الله عليه وسلم بعد الانتكاسة، وتحدث عن تفكك المسلمين وتبعثرهم على صعيد الهزيمة، والفزع الذي أصابهم، فقال تعالى:

{إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (2).

وكان الرسول (بعد أن نزلت النكبة بالمسلمين وتفرقوا) قد ثبت مكانه في مقر القيادة يدعو المسلمين (وهو في مؤخرتهم) لينضموا إليه كما فصلنا ذلك في غير هذا المكان من الكتاب.

كذلك تحدث القرآن عن إشاعة مقتل النبي في المعركة وما ترتب على تلك الإشاعة من انهيار معنوي أصاب نفوس البعض من عسكر المسلمين الذين ألقى بعضهم السلاح عند سماع هذه الإشاعة، فقال تعالى مشيرًا إلى هذا ومذكرًا الجميع بأن محمدًا إنما هو بشر كغيره معرض للموت

(1) آل عمران 152.

(2)

آل عمران 153.

ص: 249

وليس خالدًا في الدنيا، فحتى لو قتل في المعركة فإنه لا ينبغي لأتباعه أن يلقوا السلاح لقتله، بل عليهم أن يحملوا السلاح ويناضلوا به في سبيل الدعوة التي جاء بها محمد فآمنوا هم بها، والتي لا يمكن أن تقتل أو تموت بقتل أو موت محمد، فقال تعالى:

{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} (1).

كما أشار القرآن كذلك إلى تشوق المسلمين إلى القتال وهم بالمدينة، وإصرارهم على الخروج منها للقاء العدو خارجها، مخالفين بذلك رأي نبيهم الذي كان يرى التحصن بها ومقاتلة المشركين في شوارعها فقال تعالى:

{وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} (2).

كذلك أشار القرآن الكريم إلى الذين انهزموا بعد الانتكاسة، وانسحبوا إلى المدينة ولم ينحازوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في مقر قيادته في الشعب، فقال تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ

(1) آل عمران 144.

(2)

آل عمران 143.

ص: 250

بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (1).

كذلك نبه القرآن الكريم المسلمين إلى أن ما أصابهم من نكسات في أُحد إنما هو من فعل أنفسهم وسبب التصرف الخاطئ الذي تصرفه البعض منهم وهم الرماة، فقال تعالى:

{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ (يعني ما حدث لهم في أحد) قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} (2).

ثم نبه القرآن المسلمين إلى أنه لا داعي للخوف والفزع من الموت، وإن كل إنسان لن يموت إلا بعد انقضاء أجله الذي قدره الله فقال تعالى:

{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا} (3) كذلك لفت القرآن نظر عسكر أحد من المسلمين إلى أنهم ليس أول عسكر مؤمن تعرضوا للبلايا والمحن مع أن نبيهم بينهم.

بل إن كثيرًا من النبيين الذين خلوا قد تعرضوا مع جندهم لكثير من النكبات والمصائب في المعارك التي خاضوها، ولكنهم لم يتضعضوا بل ثبتوا وقاتلوا مع أنبيائهم ولم يستكينوا ولم يهنوا لما أصاب مجموعهم من الجرح والقتل (حتى إن كان المقتول نبيهم) فقال تعالى يذكر عسكر أُحدُ الذين أُخذِوا وأصابهم الدهش لإشاعة مقتل نبيهم:

{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي

(1) آل عمران 155.

(2)

آل عمران 165.

(3)

آل عمران 145.

ص: 251

سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (1)، {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (2). {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (3).

كذلك أشار القرآن الكريم إلى ما تعرض له المسلمون في معركة أُحد من قتل وجرح وحثهم على الثبات، وأن لا يكون لما أصابهم أي أثر على روحهم المعنوية، وأن لا يكون ذلك مبعث حزن لهم.

ولفت نظرهم إلى أن الله تعالى قضى أن تكون الحرب سجالًا بين الناس وأن المسلمين لا يمكن أن يكونوا دائما هم المنتصرين.

بل لا بد من أن تدور الدائرة عليهم في بعض حروبهم مع العدو ليتخذ الله منهم شهداء ، وليختبر إيمانهم ، لكي يعلم الصادقين الثابتين (وهو الأعلم بهم) فقال تعالى:

{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (4) (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} (5).

ثم عقب القرآن على ماأصاب المسلمين في معركة أُحد من بلاء

(1) آل عمران 146.

(2)

آل عمران 147.

(3)

آل عمران 148.

(4)

آل عمران 139.

(5)

آل عمران 141.

ص: 252

ومصائب وأشار إلى أن ذلك إنما هو بمثابة اختبار وامتحان تميز به الخبيث من الطيب والمؤمن من المنافق، وتبين به المؤمن القوى من المؤمن الضعيف أيضًا فقال تعالى:{مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (1).

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (2).

كذلك أشار القرآن الكريم إلى الطمأنينة والهدوء الذي أنزله الله عليهم وملأ به قلوبهم فثبتهم بعد عاصفة الغم والارتباك التي اجتاحت نفوسهم بعد النكبة، فقال تعالى:

{ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ (3).

وفعلا ثبت في جميع كتب السيرة أن النعاس جاء طائفة من المسلمين بعد الانتكاسة (4)، فكان هذا النعاس دليل الطمأنينة وعدم الخوف، لأن النعاس لا يأتي الإنسان إلا إذا كان آمنًا مطمئنًا.

(1) آل عمران 179.

(2)

آل عمران 142.

(3)

آل عمران: 154.

(4)

قال الزبير بن العوام رضي الله عنه، لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، حين اشتد علينا الخوف وأرسل علينا النوم فما منا أحد إلا وذقنه في صدره، وعن كعب بن عمرو الأنصاري، قال، لقد رأيتني يومئد (في أربعة عشر من قومي) إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصابنا النعاس أمنة منه (تعالى) ما منهم أحد إلا غط غطيطًا حتى إن الجحف (أي الدرق) تناطح، ولقد رأيت سيف بشر بن البراء بن معرور سقط من يده وما يشعر (من النعاس).

ص: 253

وقد أشار القرآن أيضًا إلى طائفة من المؤمنين من عسكر أُحدُ كانوا

ضعفاء فلم يكونوا على مستوى الآخرين من حيث قوة الإيمان وثبات

الجنان، فقال تعالى في حقهم:{وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (1).

وجمهرة المفسرين على أن هذه الآية تعنى جماعة من المنافقين كانوا قاتلوا مع عسكر الإسلام في أُحدُ ولكن الأستاذ الإمام محمد عبده ذهب في تفسيره إلى خلاف هذا الرأي، فقد ذكر عنه الأستاذ محمد رشيد رضا أنه قال:

لا حاجة إلى جعل هؤلاء في عداد المنافقين (2)، لأن هؤلاء المنافقين لم يشهد منهم أحد معركة أحد، لأنهم جميعًا قد انخذلوا ورجعوا إلى المدينة مع رئيسهم عبد الله بن أبي بن سلول، والجيش لا يزال في منتصف الطريق إلى أحد، ويؤيد الأستاذ الإمام رأيه هذا بكون الخطاب كله في هذه الآيات موجهًا إلى المؤمنين، وأن الكلام عن المنافقين إنما جاء في آيات أخرى.

(1) آل عمران: 154.

(2)

مما يجعلنا نجنح إلى رأي الأستاذ الإمام أن الذي قال {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} هو أحد السابقين في الإسلام ومن الذين شهدوا بيعة العقبة وناصروا رسول الله وآزروه، وهو (معتب بن قشير الأنصاري) وكان ممن شهد بدرًا وقد غفر الله تعالى لأهل بدر ما تقدم من ذنبهم وما تأخر (كما ثبت في الحديث الصحيح).

ص: 254

وقد أشار الأستاذ الإمام إلى أنه ما من أمة إلا وفيها الأقوياء والضعفاء في الإيمان وغيره.

والحقيقة أن هؤلاء الذين أشارت إليهم الآية قد يكونون من الذين لم يكونوا (في إيمانهم) على المستوى الذي عليه الآخرون إما لكون بعضهم حديث عهد بالإسلام، وأما لعلة أُخرى، وله في خلقه شؤون.

وكذلك أشار القرآن إلى الذين فكروا (بعد الانتكاسة وإشاعة مقتل النبي) في الاتصال بعمدة المنافقين عبد الله بن أبي ليطلب لهم الأمان من قائد عام جيش المشركين (أبي سفيان) فحثهم وحث المسلمين جميعًا على أن يكونوا (دائمًا) ذوي ثبات وإيمان، وأن لا يستسلموا لإرجافات المرجفين فقال تعالى:

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} (1).

كما أشار القرآن أيضًا (في هذه الآيات) إلى المنافقين الذين اغتبطوا وفرحوا لما أصاب المسلمين من امتحان في معركة أحد، فأخذوا يتشدقون في المدينة بأن المسلمين لو أطاعوهم ولم يخرجوا للقتال مع النبي لما قتلوا، وحذر القرآن المجاهدين من أن يكونوا مثل هؤلاء المنافقين، فقال تعالى:

(1) آل عمران 149 - 150.

ص: 255

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} (1).

كما تحدث القرآن كذلك عن المنافقين الذين قاموا بالإرجاف في المدينة بعد المعركة قائلين إن محمدًا لو كان نبيًّا ما انهزم وجرح فقال تعالى في حقهم:

{وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (2).

كذلك أشار القرآن (في هذه الآيات) إلى الموقف النبيل الذي وقفه النبي صلى الله عليه وسلم من الذين عصوه وخالفوا أمره، فتسببوا في هزيمة الجيش بعد أن رأى النصر بعينه، وكذلك الذين تركوا ساحة المعركة (بعد الانتكاسة)، وكيف أن الله تعالى وفق الرسول (وهو القائد الأعلى للجيش) وفقه في ذلك الظرف العصيب، فلم يتشدد في عتب ولا توبيخ فضلًا عن العقوبة، فعامل هؤلاء المخالفين معاملة لين ورحمة، كانت من أسباب تأليف الجند والتفافهم حول قائدهم النبي الحكيم فقال تعالى:

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ

(1) آل عمران 156 - 158.

(2)

آل عمران: 176

ص: 256

عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (1).

كما تحدث القرآن الكريم أيضًا عن نجاح حملة المطاردة الجريئة

التي قام بها النبي (بجيش أحد) لمطاردة أبي سفيان فأثنى الله تعالى

على رجال هذه الحملة وهم (فقط) عسكر أُحد الذين أجابوا دعوة

الاستنفار مطيعين الله ورسوله بالرغم مما بهم من جراح لا تزال دماؤها

تسيل فقال تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} (2).

كذلك بين الله تعالى (في هذه الآيات) منزلة الشهداء الذين يسقطون

صرعى في سبيل الله دفاعًا عن دين الله وعقيدة الإسلام، فقال تعالى:

{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} (3).

(1) آل عمران 159.

(2)

آل عمران 172 - 174.

(3)

آل عمران 169 - 171.

ص: 257